الدولة العثمانية : السلطان محمود الاول

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


السلطان محمود خان الأول ابن السلطان مصطفى خان الثاني 1143 - 1168 هـ

تبوأ تخت الخلافة بعد خلع عمه وعمره إذ ذاك 35 سنة وكانت الأحوال مضطربة بثورة اليكجرية والعجم تهدّد حدود الدولة الشرقية ولما جلس وجه مسند الصدارة العظمى إلى طوال عثمان باشا ورياسة البحرية إلى جاهين محمد باشا فأخذا الوزير الجديد يهتم في إطفاء لهيب الثورة فقتل ونفى نحو خمسة عشر ألف نفس من الثوار وبذلك عادة السكينة إلى ربوعها.


حروب العجم:

بعد أن سكنت الاضطرابات وركدت زوابع الفتن الداخلية واستقر الأمن التفتت الدولة إلى الاهتمام بحروب إيران وأخذت تجهز الجيوش ثم تقدم سر عسكر الشرق والي بغداد أحمد باشا لمنازلة العجم ولما تقدّم طهماسب شاه لاسترداده همذان قابلته الجيوش العثمانية بصحراء قوريجان وحصلت بينهما مقتلة عظيمة انتصر فيها العثمانيون وفتح علي باشا ابن الحكيم أرمية وتبريز سنة 1144 هـ .

ولما يئس طهماسب من نوال ما يبتغيه طلب الصلح فعقد معه السر عسكر أحمد باشا معاهدة من شروطها رد ولايتي تبريز وهمذان إلى الشاه وبقاء روان وشروان للدولة ولما علم السلطان بما فعله السر عسكر المذكور غضب جدّاً عليه لإقدامه على ذلك من نفسه ولأنه كان في إمكانه أن لا يترك للعجم شيئاً ما دامت العساكر العثمانية هي الغالبة فعزله هو وباقي الوزراء وعين للصدارة حكيم أوغلي علي باشا وللبحرية عبدي باشا ولكنه توفي بعد مدّة قصيرة وأعيد جانم خواجه محمد باشا للقبودانية العامة ثم إن نادر علي خان أحد أمراء لعجم وجد وسيلة لإبراز ما في ضميره وطعن في حق من كان السبب في عقد هذه المعاهدة وأجلس الشاه عباس الثالث مكان الشاه طهماسب واستقل هو بلقب وكيل الشاه ثم جمع الجموع وهاجم العراق وحاصر بغداد ولما بلغ الدولة خبر ذلك أرسلت جيشاً عظيماً تحت قيادة الصدر الأسبق طويال عثمان باشا فردهم عن بغداد مقهورين ورجع نادر علي خان مجروحاً إلى همذان1146 هـ .

إلا أنه عاد في هذه السنة فجمع الجموع وتجاوز الحدود العثمانية وانقض على جيوشها وكان السر عسكر طو ال عثمان باشا مريضاً في خيمته فلم يقدر على تولي القيادة العامة ولم يحسنها من أنابه عنه فتقهقرت الجيوش العثمانية وقتل السر عكسر المذكور وتشتت الجيش1146 هـ ثم ساقت الدولة في السنة التالية جيشاً آخر تحت قيادة كويريلي زاده عبد الله باشا فانكسر أيضاً وقتل بجوار روانه في واقعاة أربه جايي1148هـ وبذلك انتقلت جميع البلاد التي كانت فتحتها الدولة من إيران إليها ثانية وجلس نادر علي شاه على تخت العجم وثبتت قواعد سلطنته وطلبت الدولة الصلح وبعد المداولة تمّ الاتفاق بينهما في تفليس1149 هـ 1736 م على شرط إرجاع الحدود القديمة إلى ما كانت عليه في مدّة السلطان مراد الرابع.


حرب الروسيا والنمسا ومعاهدة بلغراد:

لما انكشفت نيات الروسيا بخصوص ويلونيا والعجم للدولة العثمانية واتفق موت أوغوست الثاني ملك يولونيا وصار ملكها السابق إستانسلاس مرتبطاً مع لويس الخامس عشر لزواجه بابنته سعت حكومة فرانسا لدى أمراء يولونيا حتى انتخبوه ملكاً عليهم كما كان 1146 هـ .

إلا أن النمسا والروسيا انتخبتا أوغست الثالث منتخب ساقسونيا ولم يراعيا أميال الأهالي في ذلك واستعملت أمبراطورة الروسيا أنا أيوانونا الكبرياء والجبروت في هذه المسألة فقامت فرانسا وأشهرت الحرب بخصوص يولونيا على الروسيا والنمسا وأوعزت إلى سفيرها بالآستانة الماركيزدي ويلنوف (VILLENEUVE) بأن يسعى جهده لحمل الدولة العثمانية على الاشتراك مع فرنسا في هذا الحرب وزودّته بالتعليمات التي من مقتضاها أن امتداد نفوذ الروسيا مضر بمستقبل الدولة العثمانية وكان الصدر حكيم أوغلي علي باشا من الواقفين على سر سياسة الروسيا وشديد ميلها للفتح فأظهر عظيم المخالفة لأعمال الروسيا حتى التزم الباب العالي إعلان الحرب على الروسيا ولما استشعرت النمسا بمساعي فرنسا لدى الدولة العثمانية خافت من ضياع النتيجة في مسألة يولونيا وأسرعت إلى مصالحة فرنسا وعقدت معها معاهدة في ويانة1148 هـ 1735 م .

فكفت يدها عنها بذلك ثم اشتركت مع الروسيا لمحاربة الدولة العثمانية وحسنت لها إظهار العداء للعثمانيين فقامت الروسيا في أواخر حرب إيران 1148 هـ ومنعت قيلان كراي خان القريم وجيوشه من المرور من مملكتي داغستان وقبارطاي عند ذهابه لإمداد جهات شروان مدعية إن المملكتين المذكورتين هما من أملاكها ولا يحق لدولة أخرى العبور منهما بغير رضاها ولما احتجت الدولة على ذلك أخذ سفير الروسيا في استانبول المسيو نبلويه ف يقيم الأدلة على صحة دعوى دولته فلم تقبل منه الدولة قولاً ولما تم الصلح مع إيران تعين السلحدار محمد باشا للصدارة وفي خلال ذلك ساقت الروسيا جيشاً عظيماً تحت قيادة الفلدمارشال مونيخ وحاصرت فرقة منه قلعة أزاق ودخلت فرقة أخرى من برزخ أورقيو وهددت بلاد القريم وهاجمت فرقة ثالثة قلعة قيلبرون (KILBURN).

وعند ذلك اضطرت الدولة العثمانية لإعلان الحرب على الروسيا وسار الصدر الأعظم الجديد بالجيوش لقيادة أوردي بابا طاغ ولما لم تكن دولة النمسا على قدم الاستعداد للحرب قصد شارل السادس أمبراطورها تأخير الدولة عما شرعت فيه من التجهيزات بإطالة زمن المخابرات حتى يتمكن من التجهيزات وأوعز إلى المسيو طلمان سفيره في استانبول بالوساطة لإزالة الشقاق حقناً للدماء فأخذ يتخابر مع الصدر الأعظم في بابا طاغ ويماطله مدّة شهر من الزمان وفي أثنائها ساقت النمسا جيوشها على قلعة نيش وشهركوي ودخلت عساكرها بلاد بوسنة ثم تقدّمت الجيوش العثمانية بعد ذلك وحاربت النمساويين في ولاية بوسنة وشتت شملهم في الوقائع التي حصلت في سنة 1149هـ و 1150هـ و 1151هـ واسترد كويريلي حافظ أحمد باشا جهات نيش وشهروي ثم عاد مظفراً إلى بلغراد وهزم سر عسكر ويدين عوض محمد باشا بمساعدة القائدين السابق ذكرهما جيشاً ثالثاً للنمساويين كان يتقدّم على ويدين وأحرق العثمانيون لهم سبع مراكب حربية في البحر تجاه قلعة اليزابيت ثم عبرت الجيوش العثمانية نهر الطونة واستولوا على أراضي يانجوه وحوالي مهاديه (MOHAIA) وأقليم بانات أو طمشوار واغتنمت كافة مدافع ومهمات النمساويين وفتح الصدر الأعظم يكن محمد باشا أورسوه (ORSOVA) وفتح الإسلام وقلعة أطه وسمندرة على التووالى 1150هـ .

وعند ذلك التزمت النمسا أن تطلب الصلح 1158هـ 1738 م وتوسط سفراء فرانسا وهولاندة والسويد في ذلك وفي تلك الأثناء انتصرت اليوش العثمانية أيضاً في واقعة كروسكا (KROZKA) على قائد جيوش النمساويين القونت والليس (WALLIS) 1152هـ وحاصرت استوار ولو احتاط الصدر الأعظم للأمر قليلًا لكان أسر جيش الأعداء بتمامه وفي السنة المذكورة هزمت الجيوش العثمانية أيضاً جيوش الروسيا بقرب شاطئ نهر بروت وجهة أورقيو و ودخلت الدوننما العثمانية إلى البحر الأسود تحتى قيادة القيودان سليمان باشا الذي خلف لاز على باشا المتوفى سنة 1150هـ .

وانتصرت على الأسطول الروسي في بحر أزاق وكانت هذه الانتصارات من أعظم الأسبابا للوصول إلى الصلح الذي انتهى بمعاهدة بلغراد في شهر جمادى الآخرة سنة 1152هـ 1739 م وأن تسلم أوستوريا بلغراد وكذا جمع البلاد الواقعة على الضفة اليمنى من نهري صاوه والطونة وهي التي كانت استولت عليها بمعاهد بساروقجه وأن ترد إلى الدول العثمانية أراضي أوارسوه والبلاد المسماة بالأفلاق النمساوية وأن تترك الدولة العثمانية للنمسا المواقع التي كانت استولت عليها من جهات بانجوه وطمشوار وإن يكون الصلح لمدة 27 سنة أما الروسيا فقد تعهدت أمبراطورتها أنا أيوانونا بهدم قلعة أزاق وأن لا يكون لها فيما بعد مراكب حربية ولا تجارية بالبحر الأسود وبحر أزاق معاً وأن تعيد للدولة كل مافتحته من البلاد دوان تنقل تجارتها على سفن أجنبية وبعد هذا الصلح أبرمت الدولة العثمانية معاهدة هجومية ودفاعية مع السويد ضد الروسيا بتوسط سفير فرانسا المسيو ويلنوف (VILLENEUVE) وكذا تجددت معاهدة تجارية مع حكومة السيسليتين وجددت الدولة مع فرانسا سنة 1153هـ 1741 م المعاهدات التجارية ومنحتها بعض تسهيلات جديدة تجارية وفي سنة1154 هـ 1741 م .

لما توفى شارل السادس أمبراطور النمسا وألمانيا خلفته ابتنه مارية تريزة وقامت فرانسا واتحدت مع بعض دول أوروبا على محاربة هذه الملكة وتقسيم أملاكها للعداوة الكائنة بين ملوك فرانسا والعائلة الحاكمة بالنمسا وسعي فرانسا دائماً في إضعاف النمسا وهدم أركانها ولذلك قامت بين فرانسا والنمسا المحاربة المعروفة بحرب الوراثة في النمسا واستمرت زمناً وانتهت بفوز النمسا.

ولما وقعت الحروب بين المملكتين أخذت فرانسا ومحالفوها في تحريض الدولة العثمانية على محاربة النمسا ووعدتها باحتلال بلاد المجر وغيرها حتى ترجع إلى الحالة التي كانت عليها في زمن السلطان سليمان القانوني ويمكنها بعد ذلك أن تعرقل مساعي الروسيا المجتهدة في مد نفوذها المضر بالدولة ولو انصاعت الدولة لهذه الأقوال لعادت عليها بالفائدة إلا أن السلطان محمود لم يقبل تغيير مسلكه السلمي بل استمر متمسكاً بمعاهدة الصلح مظهر النمسا ميله وودّه.