الدولة العباسية : المستعصم بالله

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


ترجمته:

هو أبو أحمد عبد اللَّه المستعصم باللَّه بن المستنصر بن الظاهر بن الناصر بن المستضيء بن المستنجد بن المقتفي بن المستظهر بن المقتدي بن محمد الذخيرة بن القائم بن القادر بن إسحاق بن المقتدر بن المعتضد بن طلحة بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهتدي بن المنصور ففي آبائه سبعة عشر خليفة.

بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه المستنصر باللَّه في عاشر جمادى الآخرة سنة 640 - 6 ديسمبر سنة 1242م ولم يزل خليفة إلى أن قتل بين يدي هولاكو خان في 20 محرم سنة 656 - 27 يناير سنة 1258 وبقتله انتهت الخلافة العباسية.

قال ابن طبابا كان المعتصم رجلاً خيراً متديناً لين الجانب سهل العريكة عفيف اللسان والفرج حمل كتاب اللَّه تعالى وكتب خطاً مليحاً وكان سهل الأخلاق وكان خفيف الوطأة إلا أنه كان مستضعف الرأي ضعيف البطش قليل الخبرة بأمور المملكة مطموعاً فيه غير مهيب في النفوس ولا مطلع على حقائق الأمور وكان زمانه ينقضي أكثر بسماع الأغاني والتفرج على المساخرة وفي بعض الأوقات يجلس بخزانة الكتب جلوساً ليس فيه كبير فائدة وكان أصحابه مستولين عليه وكلهم جهال من أرذال العوام إلا وزيره مؤيد الدين دين محمد بن العلقمي فإنه كان منأعيان الناس وعقلاء الرجال وكان مكفوف اليد مردود القول يترقب العزل والقبض صباح مساء.


حال التتر:

قلنا فيما تقدم إن جنكيز خان لما حانت منيته قسم ممالكه إلى أقسام أربعة بين أولاده ومنهم تولي خان بعمل له خراسان وما يؤهل أخذه من ديار العراقين إلى منتهى حوافر خيولهم وقد استمر تولي في مملكته الجديدة يتوسع في الفتح ويمد بلاده إلى الغرب ويستنزل ملوك فارس عن تخوتها حتى توفي سنة 654 في عهد المستعصم باللَّه وكانت حدود بلاده تنتهي عند بلاد العراق فحلفه في الملك ابنه هولاكو خان حفيد جنكيز خان فأهمه التوسع في الفتح وأخذ بغداد وكان بها من يحب ذلك:

قال المؤرخون إن أهل السنة والشيعة الذين يتألف منهم جمهور البغداديين كانوا في نزاع مستمر وقد أدى هذا النزاع بينهم إلى حروب وشدائد رائدها الجهل والغفلة عن المصالح وكان وزير المستعصم من رجال الشيعة فكان يسؤوه ما يلقاه أهل مذهبه من اضطهاد أهل السنة الذين هم الجمهور الأكبر وكان يزيد في مساءته أن أهل البيت العباسي كانوا يساعدون أهل السنة لأنهم عماد بيتهم والشيعة يريدون خروج الأمر منهم وقد حصل في أواخر عهد المستعصم أن أغار أهل السنة على الكرخ وهو محلة الشيعة فأهانوا أهله وأسرفوا في قتلهم ونهب دورهم وكان ذلك بأمر أبي بكر أحد أولاد الخليفة المستعصم فيقال إن الوزير كاتب هولاكو يحرضه على قصد بغداد ويطمعه فيها وجل رغبته أن تسقط الخلافة العباسية ولا يهمه بعد سقوط عدوه من تولى الملك بعده فكانت تلك المكاتبة مما ساعد هولاكو على تنفيذ رغبته وأكثر المؤرخين يتهمون ابن العلقمي بهذه التهمة الشنيعة حتى نقل ابن الوردي في تاريخه ما يؤكد هذه التهمةوهو رسالة أرسلها ابن العلقمي إلى وزير إربل منها أنه قد نهب الكرخ المكرم وقد ديس البساط النبوي المعظم وقد نهب العترة العلوية واستؤسرت العصابة الهاشمية.

وكن لما أقول بالمرصاد وتأويل أول النجم واحرص واللَّه أعلم.
وابن طباطبا العلوي يبعد هذه التهمة عن ابن العلقمي قال في تاريخه وقد نسبه الناس إلى أنه خامر وليس ذلك بصحيح ومن أقوى الأدلة على عدم مخامرته سلامته في هذه الدولة فإن السلطان هولاكو لما فتح بغداد وقتل الخليفة سلم البلد إلى الوزير وأحسن إليه وحكمه فلو كان قد خامر على الخليفة لما وقع الوثوق إليه أه واللَّه أعلم بمقدار هذا البرهان في الإنتاج.

سارت جيوش هولاكو الجرارة قاصدة بغداد وفي منتصف محرم سنة 656 نزل بنفسه على باب بغداد وأعد عدة الحصار ولم يكن عند الخليفة ما يدفع به ذلك السيل الجارف واكتفى بإقفال الأبواب فجد المغول في القتال حتى ملكوا الأسوار بعد حصار لم يزد على عشرة أيام وبملك الأسوار تم لهم ملك البلد.

ولما رأى الخليفة ذلك استأذن أن يخرج إلى هولاكو فأمر هولاكو أن ينزل باب كلواذي أحد أبواب بغداد وشرعت جنوده في نهب تلك المدينة التي كانت حاضرة الإسلام كله ثم تقدم بإحضار الخليفة فأحضره ومثل بين يديه وقدم لهولاكو جواهر نفيسة ولآليء ودرراً معبأة في أطباق ففرق هولاكو ذلك على أمرائه.

وفي رابع عشر صفر سنة رحل عن بغداد واستصحب معه الخليفة وفي أول مرحلة قتله هو وابنه الأوسط مع ستة نفر من الخصيان وقتل ابنه الكبير ومعه جماعة من الخواص على باب كلواذي وبهذا لقتل كسفت شمس الخلافة العباسية من بغداد بعد أن مكثت مشرقة سة واشتفت قلوب العلويين من بني عمهم بما حل بهم من هذا الخراب والدمار.

أما بغداد دار الخلافة وعاصمة الملك فقد جرى عليها ما جرى على سواها من أمهات المدن الإسلامية فقد قتل معظم أهلها وقيل منهم من نجا وقد استبقى المغولي جماعة من الشيعة والنصارى وسكان بغداد بعد أن أفنى أكثر أهلها قوم جاءوا مع هولاكو ومن أقطار شتى وصارت حاضرة دولة لا تدين بدين بعد أن كانت عاصمة المسلمين.