خلفاء بني العباس في مصر : المستكفي بالله الاول

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


المستكفي بالله سليمان بن أحمد الحاكم بأمر الله 701 - 736 هـ

هو أبو الربيع سليمان بن أحمد الحاكم بأمر الله، ولد في الخامس عشر من شهر المحرم عام أربعة وثمانين وستمائة، وبويع بالخلافة بعهد من أبيه في الثامن عشر من جمادى الأولى من عام واحد وسبعمائة، في اليوم الثاني من وفاة أبيه.

وفي عهده فتحت جزيرة أرواد على ساحل بلاد الشام مقابل مدينة انطرطوس (طرطوس اليوم)، وأنقذت من أيدي الصليبيين، وهي آخر مواقعهم في بلاد الشام.

وجاءت الأخبار في شهر رجب بعزم التتار على دخول بلاد الشام، فاستعد السلطان الناصر محمد بن قلاوون للخروج من مصر والتوجّه إلى الشام لحرب التتار، وفي النصف الثاني من شهر شعبان من العام نفسه (702) بدأت الأمراء تصل من مصر، وبدأت أفواج التتار تتدفق نحو بلاد الشام، وفر الجيش من حلب ومن حماه نحو دمشق، ووصل التتار إلى حمص وبعلبك، والتقى شيخ الإسلام ابن تيمية مع جند حماه الفارين في القطيفة.

وخرجت العساكر الشامية من دمشق في 24 شعبان، وعسكرت بناحية الكسوة، وذلك ليجنبوا مدينة دمشق الخراب والاعتداء على الأطفال والعجزة من الرجال وسبي النساء، ولأن المرج كان كثير المياه يومذاك لا يصلح للقتال. وجاءت الجيوش من مصر والتقت مع أهل الشام بناحية الكسوة، وعلى رأس هذه الجيوش الخليفة المستكفي والسلطان الناصر محمد بن قلاوون، وفي يوم السبت الثاني من شهر رمضان التقت هذه الجيوش مجتمعة في مرج الصُّفُّر، وطُلب من أهل دمشق حماية الأسوار وحفظ الأمن، والتشبُّث بالقلعة.

أما التتار فقد وصلوا إلى قارة ومنها انتقلوا إلى القطيفة، وعندما اقتربوا من دمشق تركوها من يمينهم وتحركوا نحو الكسوة حيث الجيش المملوكي بانتظارهم، ولم يتعرضوا للمدينة أبداً وإنما رغبوا في قتال الجند فقد رأوا أنهم إن أحرزوا النصر فإن المدينة في قبضتهم ويفعلون بها وبأهلها ما يشاءون، وإن هزموا فلا حاجة لهم بالمدينة وليس من الضرورة ترك جنودهم يمرحون في المدينة ويفقدون عزيمة القتال، وربما إذا اتجهوا إلى دمشق تبعهم الجند الذين هم في مرج الصفر وجعلوهم بين نارين نار أهل البلد من الداخل ونار الجند من الخلف.

واحتدمت المعركة بعد ظهر السبت وثبت الخليفة كما ثبت السلطان، وانتهت بهزيمة التتار الذين فروا إلى أعالي التلال، ثم فروا، ورجع الناس من القتال إلى دمشق يوم الاثنين في الرابع من شهر رمضان، وفي اليوم الثاني (الثلاثاء) دخل السلطان دمشق، وعرفت تلك المعركة باسم معركة "شقحب" حيث دار القتال، وهي في الطرف الشمالي من مرج الصُّفَّر، ولا يزال الاسم معروفاً إلى الآن، وتقوم مزرعة اليوم هناك تحمل هذا الاسم.

وسارت حملة إلى بلاد النوبة عام 704، وانتصرت على النوبيين الذين نقضوا العهد مع المسلمين، وبدؤوا في اعتداءاتهم، وكرروا ما قاموا به عام 670 عندما أغار الملك داود ملك النوبة على أسوان، وهذا ما أجبر المسلمين إلى حربهم واحتلال جزءٍ من أرضهم أيام الظاهر بيبرس عام (674)، وعُقدت معاهدة جديدة بين الطرفين.

وفي عام 708 خرج السلطان الناصر محمد بن قلاوون قاصداً الحج فمرّ على الكرك، ونصب له جسر على وادٍ فانكسر به، ولكنه نجا، فأقام بالكرك، واعتزل السلطة، وكتب إلى القضاة بمصر يعلمهم اعتزاله وكذا قضاة الشام، فبويع الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بالسلطنة في الثالث والعشرين من شهر شوال، ولقب بالملك المظفّر، غير أن الناصر محمد رجع يطلب العودة إلى الملك في رجب عام 709، ووافقه جماعة من الأمراء فدخل دمشق في شهر شعبان، وسار بعدها إلى مصر فدخلها في شهر رمضان وفرّ المظفر ركن الدين بيبرس من قلعة الجبل في أواخر شهر رمضان فدخلها الناصر في عيد الفطر، وقُبض على المظفر وقتل، وهكذا عاد الناصر محمد بن قلاوون إلى السلطنة للمرة الثالثة.