الدولة العباسية : المقتدي بأمر الله
ترجمته:
أبو القاسم عبد اللَّه بن الذخيرة أبي العباس محمد بن القائم ولم يكن للقائم من أعقابه ذكر سواه فإن الذخيرة توفي أيام أبيه ولم يكن له غيره فأيقن الناس بانقراض نسله وانقراض الخلافة من البيت القادري إلى غيره ولم يشكوا في اختلاف الأحوال بعد القائم لأن من عدا البيت القادري كانوا يخالطون العامة في البلد ويجرون مجرى السوقة فلو اضطر الناس إلى خلافة أحدهم لم يكن له قبول ولا هيبة فقد اللَّه أن الذخيرة كانت له جارية أرمنية اسمها أرجوان وكان يلم بها فلما توفي ظهر أنها حامل وولدت بعد موت سيدهات بستة أشهر وذلك الولد هو عبد اللَّه الذي ولاه جده العهد بعده لما بلغ الحلم وقد بويع بعد وفاة جده واستمر خليفة إلى أن توفي فجأة في يوم السبت خامس محرم سنة 487، فكانت خلافته 19 سنة وثمانية أشهر غير يومين وهو من خيرة بني العباس.
صفاته:
كان قوي النفس عظيم الهمة أصلح كثيراً من الأحوال الأدبية ببغداد فأمر بنفي المغنيات والمفسدات منها ووقع الهرادي والأبراج التي للطيور ومنع من اللعب به لأجل منع الاطلاع على حرم الناس ومنع الملاحين أن يحملوا الرجال والنساء مجتمعين ولذلك أصلح كثيراً من الماديات فعمرت في بغداد عدة محال في خلافته ومنع من إجراء ماء الحمامات إلى دجلة وألزم أربابها بحفر آبار للمياه وأمر أن يغسل السمك المالح يعبر إلى النجمي فيغسله هناك وكانت أيامه كثيرة الخير واسعة الرزق وعظمت الخلافة أكثر مما كان من قبله وكان سلطان السلاجقة في عهده ملكشاه الذي ذكرنا قيامه بعد أبيه ألب أرسلان.
وكان ملكشاه سلطاناً عادلاً ذا فضل وإنصاف، شجاعاً مقداماً صائبالرأي والتدبير أيامه في دولة السلاجقة واسطة عقدها وكان ميمون النقيبة لم يتوجه إلى إقليم إلا فتحه ولما توجه إلى الشام وأنطاكية بلغ إلى حد قسطنطينية وقرر ألف دينار على ملوكها تحمل إلى خزانته ووضع في النواحي التي فتحها من الروم خمسين منبراً إسلامياً ولم يزد زمن ذلك العمل على شهرين ثم عاد إلى الري وقصد سمرقند فظفر بخانها وأسره فحمل غاشية السلطان على كتفه وسار في ركابه إلى موضع سرير ملكه ثم مَنَّ عليه وأعاده إلى ملكه.
وتوجه في السنة الثانية إلى أوزكند فأخضعها وخضع له جميع الملوك والرؤساء بالمشرق والمغرب.
وهذه السعادة كلها إنما تيسرت بسعادة الوزير الكبير خواجه بزرك قوام الدين نظام الملك أبي علي الحسن بن علي بن إسحاق رضي أمير المؤمنين الطوسي، وكان معدوداً من العلماء الأجواد وكان محباً للعلم مجلسه دائماً معمور بالقراء والفقهاء وأئمة المسلمين وأهل الخير والصلاح.
أمر ببناء المدارس المعروفة بالنظامية في سائر الأمصار والبلاد وأجرى لها الجرايات العظيمة وسمع الحديث بالبلاد ببغداد وخراسان وغيرهما وكان يقول إني لست من أهل هذا الشأن ولكني أحب أن أجعل نفسي على قطار نقلة حديث رسول اللهَّ صلى اللَّه عليه وسلم وكان إذا سمع المؤذن أمسك عن كل ما هو فيه وتجنبه فإذا فرغ لا يبدأ بشيء قبل الصلاة وأسقط في زمنه كثيراً من المكوس والضرائب وهو الذي أزال لعن الأشعرية من المنابر وكان سلفه عميد الملك الكندري قد حسن للسلطان طغرلبك التقديم بلعن الرافضة فأمره بذلك فأضاف إليهم الأشعرية ولعن الجميع فلهذا فارق كثير من الأئمة بلادهم مثل إمام الحرمين وأبي القاسم القشيري وغيرهما فلما ولي نظام الملك أزال ذلك جميعه وأعاد العلماء إلى أوطانهم.
مات ملكشاه بعد أن اتسع ملكه اتساعاً عظيماً فخطب له من حدود الصين إلى آخر الشام ومن أقاصي بلاد الإسلام في الشمال إلى آخر بلاد اليمن وحملت إليه الروم الجزية ولم يفته مطلب.
وانقضت أيامه على أمن عام وسكون شامل وعدل مطرد أسقط المكوس والمؤن من جميع البلاد، وعمر الطرق والقناطر والمرابط التي في المفاوز وحفر الأنهار الخراب، وعمر الجامع ببغداد وعمل المصانع بطرق مكة وبنى البلد بأصبهان.
وكان للسلطان ملكشاه أربعة بنين وهم بركياروق ومحمد وسنجر ومحمود.
وكان محمود طفلاً وأمه تركان خاتون فطلبت من الخليفة المقتدي أن يعين ولدها للسلطنة فأجاب إلى ذلك على شروط اشترطها إلا أن جنود نظام الملك ساعدوا أخاه الأكبر بركياروق على أن يكون هو السلطان، فتم ما أرادوا وأرسل تقليده إلى الخليفة ليوقعه فمات الخليفة والتقليد بين يديه وكانت وفاته في 15 محرم سنة 488.
وفاة المقتدي:
في منتصف المحرم سنة 487 توفي المقتدي باللَّه فجأة بعد أن قدم إليه تقليد السلطان بركياروق فقرأه وعلم ما فيه ولم يمضه.