الدولة العثمانية : السلطان احمد الاول
السلطان أحمد خان الأول ابن السلطان محمد الثالث 1012 - 1026 هـ
جلس هذا السلطان على تخت السلطنة بعد وفاة والده ولم يكن له من العمر إذ ذاك غير 14سنة ولم يجلس أحد قبله من سلاطين آل عثمان على التخت في هذا السن وكانت أحوال الدولة في ارتباك شديد لاشتغالها بحروب النمسا بأوروبا وبحروب الشاه عباس وغيرهما من أصحاب الثورات الداخلية بآسيا وكان أوّل شيء اهتم به بعد قبضه على الأحكام إتمام ما كان شرع فيه والده من التجهيزات الحربية بناء على ما أشار به وزراءه.
بقية حروب النمسا:
أعلم أنه لما تمت المعدّات الحربية المذكورة عين السلطان لالا محمد باشا للصدارة العظمى وسرداراً عاماً للجيوش التي سافرت لحرب النمسا وكان هذا الصدر من قوّاد الجيوش بدار الحرب منذ انتشابها بين الدولتين، لهذا كانت له معرفة تامة بتلك الجهات سيما وأنه يتصف بالمهارة العسكرية والشهامة الحربية ولما سافر بالجيوش العثمانية أهتم أوّلاً بتقوية الجنود النازلة بقلاع الحدود ثم تقدّم وحاصر قلعة استرغون فتمكن من استردادها وكانت هذه المدينة وقعت في يد الأعداء منذ ما كان هو محافظاً عليها ولذلك داخله السرور باستردادها.
ولما كانت إمارات الأفلاق وبغدان والأردل في خصومة وحرب مع الدولة العثمانية من أوّل قيام هذا الحرب وكانت هذه الممالك الثلاث تخدم بذلك مصلحة النمسا وكان اعتراها الوهن والخراب مما ساقته الدولة العثمانية عليها من الجيوش العديدة ومما وطأ بلادها من عساكر التتار الآتية من بلاد القريم التمس البرنس بوجقاي (بوسكاي) الذي تولى بلاد الأردل بعد نكبة ميخائيل بك بعد موافقة أمراء ملته الصلح من الصدر الأعظم بمكاتيب أرسلها إليه وذلك لما رآه من الذل والخسارة التي أصابت الإمارات الثلاث أثناء هذه المحاربة فقبل الصدر الأعظم التماس البرنس وساق جنوده على قلاع بلاد الأردل لإخراج عساكر النمسا منها وافتتح مدينة إيوار وهي من قلاع الجسيمة.
حرب إيران:
قد علمت مما سبق أن شاه العجم نقض معاهدة الصلح التي بينه وبين الدولة واستولى على تبريز حين اشتغال الدولة بحرب النمسا ولما جلس السلطان أحمد عزل شغاله زاده سنان باشا من إمارة البحرية وعينه قائداً عاماً على جيوش بلاد الشرق وأمده بالجيوش والمعدات لصدّ العجم إلا أنه لم يتمكن من تخليص قلعة روان التي كانوا يحاصرونها ثم اضطر بعد ذلك إلى الرجوع إلى بلاد كردستان بجيشه في حالة سيئة وذلك لأن ضباط جيشه خالفوا أوامره وامتنعوا عن الرضوخ لرأيه الصائب وهو تمضية فصل الشتاء بجهة يقال لها قره باغ حتى إذا ما أقبل الفصل الموافق كانوا قريبين من دار الحرب.
وفي السنة التالية لما سافر يريد فتح تبريز تقابلت طليعة جيشه وكانت تحت قيادة صفر باشا محافظ أرضروم مع جيش الشاه عباس بجوار بلدة يقال لها سلماس ولما انتشب الحرب بينهما وكان الجيش العثماني لم يصل بعد أن انهزمت الطليعة تماماً وقتل قائدها فأثر هذا الانهزام في الجيش العثماني تأثيراً سيئاً وحل عزيمته وتفرق عنه أمراء الأكراد خصوصاً فتقهقر عند ذلك سنان باشا بمن بقي معه من الجنود القليلة إلى مدينة وان ومنها إلى ديار بكر فمات هناك حزناً على ما أصابه من الفشل.
أحوال البحرية في الوقت المذكور:
لما تعين القبودان حافظ باشا لرئاسة البحرية في عهد هذا السلطان التفت نوعاً لإصلاح العمارة التي كان تقهقر شأنها تبعاً لتقهقر حالة الدولة ولما تمت معداتها أقلع بها سنة 1016من استانبول يريد ثغر الإسكندرية لإحضار ويركو بلاد مصر كما جرت العادة بذلك ولما عرج في طريقه على مدينة رودس عند ذهابه ترك بها بعض السفن إلى حين عودته ولما كانت طائفة هذه السفن قليلة لأن حافظ باشا المذكور كان أخذ معه معظمها هجمت عليها قرصان البحر فاستولوا عليها بمن فيها ولما عاد القبودان من مصر إلى الاستانة تكدر السلطان بما فعله ووبخه على ذلك ثم عزله وعين بدله على العمارة القبودان خليل باشا القيصري 1018هـ .
ولم يأت هذا القبودان بإصلاح جديد في أحوال العمارة لعدم التفات السلطان إليها في ذلك الوقت إلا أنه لما كثر عيث قرصان القوزاق بالبحر الأسود وأخذوا يشنون الغارة على سواحل بلاد الدولة ينهبون ويحرقون هاجت السكان وكتب الولاة إلى دار الخلافة ببث شكواهم فسافرت العمارة العثمانية إلى البحر الأسود وتمكنت من ملاشاة طائفة قرصان القوازق ثم عادت إلى استانبول وقد روى بعضهم إن العمارة العثمانية لما خرجت لطرد قرصان القوازق تحت قيادة حافظ خليل باشا صادفت صعوبات جمة لعظم سفنها وخفة سفن القرصان التي أرعبت الشواطئ وأزعجت التجار حتى ضواحي البوسفور وفي هذا الوقت كانت دول أوروبا التفتت إلى تقوية وتحسين السفن وتغيير أشكالها وتسليحها بأسلحة أكثر وأضخم مما كان بها.
وكان في مقدمة هذه الدول إسبانيا وإنكلترة وأنشأت الأولى منهما سفينة عظيمة تدعى فيليب 1591م ذات ثلاث طبقات بها من المدافع سبعة وستون وأنشأت الثانية سفينة عظيمة سمتها برش 1610م كان طولها 114 قدماً وعرضها قدما بها من المدافع ثمانية وستون وبعد قليل اقتدى باقي دول أوروبا بهاتين الدولتين وقوّت أساطيلها وبحريتها ومما يذكر أيضاً في هذا الوقت أن أسماء السفن الحربية تغيرت من غالي وغليون وغراب وشانية وغيرها إلى قرويت وفرقاطة وقباق.
وفاته:
وكانت وفاة هذا السلطان في سنة 1026هـ وهو الرابع عشر من سلاطين آل عثمان العظام تولى السلطنة وعمره أربع عشرة سنة وجلس على التخت أربع عشرة سنة وقد كان صالحاً يميل إلى العلماء والسادات خيراً وكان عزم لشغفه بأمر بيت الله الحرام على أن يكسوه بالذهب والفضة فمنعه المفتي محمد بن سعد الدين من ذلك فجعل للكعبة ثلاث مناطق من الفضة المحلاة بالذهب صوناً لها من الهدم وكساها هي والحجرة النبوية والأضرحة بأفخر المخيشات المقصبة وعمر مسجد البيعة قرب عقبة مني وأصلح جملة جهات بمكة وأوقف من قرب مصر وقفاً على خدام الحرمين الشريفين وفي سنة 1024هـ أرسل حجرين من ألماس للحجرة النبوية قيمتها ثمانون ألف ليرة وأبدل شبابيك الحجرة وجعلها من الفضة المحلاة بالذهب وأخذ الشبابيك القديمة ووضعها في مدفنه بالاستانة تبركاً.