الدولة العثمانية : السلطان محمد الاول

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


السلطان محمد الأول الملقب بجلبي بن بايزيد الأول 816 - 824 هـ

لما استقل بالملك بعد النزاع الطويل الذي حدث بينه وبين إخوته وجلس على تخت آبائه بلا منازع أتته رسل ملوك أوروبا والروم مقدّمين له التهاني بالنيابة عن ملوكهم فرحب بهم وأكرمهم ثم شرع في إصلاح الأمور وكان الخلل تطرق إلى جميع الإدارات ولذلك عقد الصلح مع الدول الأوروبية المجاورة له وقوّى معهم روابط المحبة والمصافاة وردّ إلى الإمبراطور أمانويل بعض الحصون والولايات التي أخذها منه الأمير موسى وغير ذلك ليتفرغ إلى ما عزم عليه ولولا ذلك لخيف على وحدة الدولة العثمانية ولما كان سعيد الطالع عادلًا كريماً شفوقاً على الرعية لا يسعى إلا لما فيه خير أمته تكللت مساعيه بالنجاح وكذا كل أمر أخلصت فيه النية وهو أوّل من شرع في ترتيب العساكر البحرية وبناء السفن في أزميد وكليبولي وبعض السواحل ونقل كرسي السلطنة إلى أدرنة وإعادة رونق السلطنة بعد أن تداعت جوانبها إلى السقوط.

ولما خرج حاكم الأفلاق عن دائرة الطاعة العثمانية 819هـ تقدم السلطان بجيشه وعبر نهر الطونة وأنشأ قلعة يركوى على ساحل الأفلاق وعمر قلعتي إيساقجي ويكي ساله ثم توسط بعض حاشية السلطان لملك الأفلاق فعفا عنه ورده إلى ملكه ثم تقدم الجيش العثماني إلى داخل بلاد المجر لتعرض سجسموند لامور بلاد الأفلاق وفتح قلعة سورين ولما كان ملك المجر غير قادر على المقاومة قدم للسلطان هدية مفتخرة أرسلها مع ثلاثة سفراء من أعيان المجر وبعد عقد معاهدة الصلح معهم عاد السلطان إلى أدرنة منصوراً غانماً ثم سكن بعض الاضطرابات الداخلية وكانت كثيرة من أهمها ظهور رجل يدعى بدر الدين وكان من مشاهير العلماء وكان عند الأمير موسى بوظيفة قاضي عسكر.

وكانت أركان مذهب هذا الرجل المساواة بين الناس في الأموال وسائر المقتنيات بلا فرق بين مسلم وغيره لاعتباره الكل سواء فتبعه خلق كثير من أرباب البطالة والكسل من جميع الملل والنحل حتى خيف على البلاد منه فأرسل عليه السلطان محمد الجيوش وبعد أن دارت رحى الحرب زمناً بين الطرفين وكانت سجالاً تمكن الوزير بايزيد باشا من قهر جيش بدر الدين المذكور وكان تحت قيادة رجل من اتباعه يدعى مصطفى وذلك بضواحي أزمير بمكان يقال له قره برون وقتل كثيراً من أتباعه ثم إن السلطان تعقب بدر الدين إلى أن تمكن من القبض عليه ببلاد مقدونية بعد أن أظهر شدة ومقاومة وأمر به فقتل 820هـ بفتوى قاضي العسكر.

ولم يكد السلطان محمد يستريح من عناء هذه الفتن حتى ظهر أخوه الأمير مصطفى وكان اختفى يوم هزيمة أنقرة ولم يوقف له على خبر ولما ظهر وطالب أخاه بسرير الملك انضم إلى حزبه قره جنيد أمير أزمير السابق وغيره من القواد والجنود وأمده أمير بلاد الأفلاق بجيش لتستمر القلاقل والاضطرابات في المملكة العثمانية ويتمكن بذلك أميرا الأفلاق المذكور وغيره من أمراء شبه جزيرة البلقان من الخروج عن دائرة التبعية العثمانية ثم إن الأمير مصطفى أخذ يشن الغارة على بلاد مقدونيا وتساليا ولما أدركته جنود السلطان انهزم والتجأ إلى مدينة سلانيك وكانت عادت إلى مملكة الروم كما سبق ولما طلب السلطان تسليمه إليه أبى عليه ملك الروم وتعهد بعدم التصريح له بمفارقة سلانيك ما دام السلطان على قيد الحياة فقبل السلطان ذلك ورتب لأخيه راتباً سنوياً يعيش منه 822هـ. 


وفاته:

ولقد كانت هذه الفتنة آخر الفتن الداخلية التي حدثت بالمملكة بعد تيمورلنك وبعد ذلك تفرغ السلطان لإصلاح المملكة وتنظيم الجنود والنظر فيما يعود على الدولة بالترقي وبينما هو يجد في ذلك إذ فاجاءته المنية بمدينة أدرنة 824هـ وأوصى بالملك من بعده لابنه مراد.

ولقد كان رحمه الله عالي الهمة فاضلاً تقياً ذا عفة وورع وشفقة على الرعية يعفو عن المسيء ويحسن إلى البائس وقد اشتهر بمحبته للعلوم والفنون وهو أوّل سلطان عثماني رتب الهدية السنوية التي ترسل للآن إلى الحرمين الشريفين باسم الصرة وقال بعضهم إن أول من أرسل الصرة هو السلطان الغازي سليم الأول بعد فتحه مصر 923هـ إلا أن رواية المؤرخين الذين يوثق بكلامهم تؤيد أن السلطان محمد جلبي هو أوّل من رتب ذلك وترك خمسة أولاد وهم الأمير مراد والأمير مصطفى والأمير أحمد والأمير يوسف والأمير محمود.