صيدا والاجتياح الاسرائيلي

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


صيدا والاجتياح الإسرائيلي:

في السادس من حزيران/يونيو 1982م اجتاحت إسرائيل صيدا بقواتها البرية، والجوية، والبحرية بوحشية وحقد، فدمرت بيوتاً وقتلت أبرياء، وروعت السكان، وعطلت الكثير من مرافق الحياة.

وبعد سيطرتها على أحياء صيدا والمنطقة الشرقية أخذت القوات الإسرائيلية تمارس الإرهاب بقصد إذلال الشعب وتطبيعه، فكانت تدعو السكان بواسطة مكبرات الصوت إلى التجمع في الساحات العامة وساحل البحر، وتفرض عليهم الوقوف لساعات طويلة تحت الشمس، لا فرق عندها بين صغير أو رجل أو مسن، ولا بين طفل أو ولد أو امرأة، ثم تأمرهم بالمرور أمام رجال مقنَّعين، وعندما تصدر إشارة من أحدهم في أثناء المرور يُحتجز ويساق إلى معتقل مؤقت استحدث في براد الحمضيات التابع لشركة توضيب الحمضيات لصاحبها أبناء وأحفاد مصطفى محمود البساط. وكانت تداهم البيوت بوحشية، غير ملتفتة إلى ما كانت تسببه من ترويع للأطفال والنساء وخروج على الحرمات والمقدسات والقوانين الدولية وحقوق الإنسان. وكانت تعتقل العشرات في كل يوم وليلة من الرجال والشبان المراهقين وتزج بهم في معتقل أنصار وهي قرية في جنوب لبنان.

ومن الإجراءات التعسفية التي كانت تمارسها القوات الإسرائيلية أيضاً:

أ ـ إطلاق النار عشوائياً في شوارع صيدا الرئيسية بقصد الإرهاب وإحداث الذعر وإقفال المحلات وشل الحركة التجارية.

ب ـ إقامة الحواجز في المدينة وعلى مداخلها لعرقلة تحركات المواطنين وإذلالهم.

جـــ ـ منع تنقل المواطنين في صيدا إلى العاصمة وبقية المناطق اللبنانية وذلك بإقفال المعابر المؤدية إليها.

د ـ إرغام بعض التجار على استيراد البضائع والمنتجات الزراعية من إسرائيل بقصد ضرب الاقتصاد.

هـ ـ استعمال مختلف أساليب التعذيب والتنكيل التي جاوزت أساليب محاكم التفتيش والنازية في أوروبا بفظاعتها.

و ـ السعي الحثيث لإثارة الفتن الطائفية والمذهبية بين المواطنين بشتى الوسائل والأساليب، وافتعال الحوادث لإضرام نارها.

ز ـ العبث بالمقدسات بإدخال الكلاب إلى ساحات المساجد.

ومع ذلك، فإن الشعب الصيداوي المناضل، والمؤمن بالله، والمتمسك بأرضه، لم ييأس ولم يكل، بل واجه إجراءات العدو التعسفية كلها بصمود مكين، وصبر جميل، ومقاومة عنيدة، وموقف موحَّد وجريء.

وفي السادس عشر من شباط/فبراير 1985م انسحبت القوات الإسرائيلية من صيدا وجوارها، فشكل هذا الانسحاب خطوة مباركة في سيرة التحرير والإنقاذ، وبراءة جهادية استحقتها المقاومة لقاء كفاحها وتضحياتها. ودخل الجيش اللبناني صيدا في ذلك اليوم.

في الثامن عشر من آذار/مارس 1985م شهدت صيدا حدثاً خطيراً يحمل فتنة من فتن إسرائيل، حيث قامت فئة من القوات اللبنانية المتحالفة مع إسرائيل بمناوشات مع قوة من الجيش اللبناني الموجود شرق صيدا. وظلت هذه المناوشات التي امتدت باعتداءات من قبل القوات العميلة على صيدا المدينة وعلى مخيم عين الحلوة والمية ومية قائمة حتى السادس والعشرين من نيسان/أبريل 1985م حيث انسحبت القوات العميلة مصطحبة أكثر العائلات المسيحية المقيمة في تلك المنطقة.

لقد صمدت صيدا بوجه إسرائيل أيام الاحتلال وما زالت تتلقى الاعتداءات جواً وبرّاً وبحراً بصبر ومقاومة، وتقدم الضحايا وتتحمل الأضرار والخسائر مؤمنة بأن النصر مع الصبر وبإن الفرج مع الكرب وبأن مع العسر يسرا.


وضع صيدا المدينة أثناء احتلال وبعده:

لقد أحدث الاجتياح الإسرائيلي عام 1982م خراباً ودماراً كثيراً في أحياء صيدا، وعطل الكثير من المرافق الحيوية من شوارع وطرقات وشبكة المياه وتمديدات الكهرباء والتلفون والمصارف الصحية، ولكن رفيق الحريري سارع إلى نجدتها ورفع آثار الخراب والدمار والنكبة التي حلت بها، فوضع معدات شركته ـ أوجيه لبنان ـ من جرافات ورافعات وناقلات وعمال ومهندسين في درجة عالية من الاستعداد لرفع ما تراكم من أنقاض، وترميم ما تهدم وتصدع من منازل ومنشآت وتعطل من شوارع وطرقات ومصارف صحية، تؤازرها المؤسسة الإسلامية التابعة لها التي انصرفت إلى إسعاف الناس، وتضميد جروحهم ومد يد العون إلى المحتاجين.

كما أن فهد بن عبد العزيز رعى إصلاح المؤسسات الرسمية وتجهيزها وتقديم المال اللازم.

ولم يقتصر إحسان رفيق الحريري على إزالة آثار ما خلّفه الاجتياح الإسرائيلي، بل تعدّاه إلى إصلاح المرافق العامة من خطوط إنارة، وهاتف، وتمديدات مائية وصحية، وترميم ما يقرب من ألفي مسكن، والمباني العامة والإدارات الرسمية والمراكز الثقافية والدينية.

ومن أبرز ما حققه في حقل الترميم، هو ترميم المسجد العمري الكبير الذي أعاد إلى المسجد زهوته وقيمته الأثرية، منفقاً الأموال على إنجاز الترميم، ومشاركاً رغبة والده بهاء الدين الحريري الذي يعتبر القائم بالعمل الشريف.

كما استطاعت بلدية صيدا، بتنشيط مستمر من رفيق الحريري ومدها بالخيرات والأموال، أن تشق شوارع وطرقات عديدة وتؤهلها، وتنشىء ساحات عدة، وتحدث شبكة للمجاري والصرف الصحي وسوقاً للخضار وغير ذلك، ما أبرز صيدا في حلة جديدة جميلة، وساهم في راحة السكان وتسهيل تنقلاتهم وأعمالهم.

ومن أهم هذه المشاريع التي تحققت:

أ ـ بوليفار رفيق الحريري، وهو البولفار البحري من أمام الحمام العسكري حتى سينيق.

ب ـ طريق القملة (من بناية البراد حتى البحر، مع إقامة عبارة لمجرى الجدول).

ج ـ طريق سهل الصباغ (مستشفى حمود حتى حي البعاصيري).

د ـ طريق النجاصة (ساحة الشهداء حتى الست نفيسة).

هـ ـ طرقات سوق الخضار الجديد.

و ـ طريق بوابة الفوقا ـ رجال الأربعين مروراً بالنادي الحسيني.

ز ـ طريق مدرسة الأميركان ـ المستشفى الحكومي.

ح ـ طريق مصرف لبنان ـ دار رعاية اليتيم.

ط ـ ساحة الشهداء وحديقة عين الحلوة وحديقة حي الزويتيني وحديقة حارة صيدا ـ قياعة.

أما حركة البناء والعمران فقد انتعشت في السنين الأخيرة، فقامت العمارات الضخمة والشاهقة في وسط المدينة وعلى جانبي الشوارع والطرقات المستحدثة، وامتد العمران حتى نهر الأولي شمالاً ونهر سينيق جنوباً بل تعداه، وحتى كفر فالوس شرقاً.