الدولة العباسية : الناصر لدين الله
ترجمته:
الناصر لدين اللَّه هو أبو العباس أحمد الناصر لدين ا بن المستضيء بن المستضيء بن المستنجد وأمه أم ولد تركية اسمها زمرد.
بويع بالخلافة بعد وفاة والده المستضيء في 2 ذي القعدة سنة 575 (30 مارس سنة 1180) ولم يزل خليفة إلى أن توفي في آخر ليلة من رمضان سنة 622 (6 أكتوبر سنة 1225) فكانت خلافته 46 سنة وعشرة أشهر و 28 يوماً وهو أطول خلفاء بني العباس مدة ولم يزد عليه من خلفاء الفاطميين إلا المستنصر باللَّه فإنه قد ولي 60 سنة ولا من خلفاء بني أمية بالأندلس إلا عبد الرحمن الناصر فإنه ولي 50 سنة.
حال الممالك الإسلامية في عهده:
كان في الأندلس وشمال أفريقيا دولة الموحدين.
وفي عهد الناصر ابتدأت الدولة المرينية بمراكش أسسها عبد الحق المريني سنة 591 وهو من أعقاب الموحدين.
وكان مصر واليمن والحرمين وسوريا الدولة الأيوبية التي أسسها صلاح الدين يوسف بن أيوب سنة 564.
وكان بالموصل وسنجار وجزيرة ابن عمر بقايا دول الأتابكية.
وكان بقونية دول سلاجقة الروم.
وكان ببلاد الجبل والعراق من السلاجقة السلطان طغريل الثاني وهو آخر سلاجقة العراق.
وكان بخوارزم وخراسان وما إليها الدولة الخوارزمشاهية والقائم بالأمر منهم السلطان تكش بن إيل أرسلان إلى سنة 596 ثم علاء الدين محمد إلى سنة 617 ثم جلال الدين منكبرتي إلى سنة 628 وهو آخرهم.
وكان بالغور والأفغان والهند الدولة الغورية.
في عهد الناصر لدين الله انتهى ملك السلجوقيين بالعراق سنة 590 بقتل طغريل بن ألب أرسلان على يد خوارزمشاه علاء الدين تكش الذي اتسع ملكه جداً فصار ملكه ممتداً من أقاصي بلاد ما وراء النهر شرقاً إلى بلاد الري التي أخذها بعد القضاء على السلاجقة ولكن ملكه لم يكن بالري ثابتاً فإن الخليفة الناصر قد طمع أن تكون البلاد له بعد رحيل خوارزمشاه عنها فأرسل إليها جنداً مع وزيره فاستردها بعد أن حارب عسكر خوارزمشاه لكن ذلك لم يطل فإن خوارزمشاه لما بلغه ذلك رجع فحارب عسكر الخليفة وأخذ البلاد منهم، وفي سنة 596 توفي وخلفه ابنه قطب الدين خوارزمشاه محمد وزاد ملكه اتساعاً.
كان هوى خوارزمشاه بعد اتساع ملكه أن يتشرف بذكر اسمه على منابر بغداد فيخطب له بدل السلاجقة فأبى الخليفة ذلك عليه فاشتدت العداوة بينهما حتى قطع خوارزمشاه خطبة الناصر من منابر بلاده فاستحكمت حلقات الفساد وهذا الذي جعل كثيراً من المؤرخين يعتقد أن خروج التتر إنما كان باستدعاء الناصر لدين الله وليس ببعيد كان قصده على ما يظهر أن يشتغل بهم خوارزمشاه فتخف عنه وطأته وقد اعتادوا ذلك من قبل.
إغارة المغول والتتار:
من أكبر الحوادث في التاريخ الإسلامي خروج طوائف المغول والتتر إلى البلاد الإسلامية واستيلاؤهم على معظمها في آسيا وشرق أوروبا وأول فتح هذا الباب كان على يد جنكيز خان المغولي وخوارزمشاه محمد بن تكش الخوارزمي.
التتر شعب كبير من الأمة التركية ومنه تتفرق معظم بطونها وأفخاذها وهو مرادف للترك عند الإفرنج حتى إنهم يعدون قبائل الأتراك كافة تتراً ومنه العثمانيون والتركمان وقرمان وغيرهم وكانوا مشهورين عند قدماء اليونان باسم سيتيا أواسكوتيا ومؤرخو الترك ونسابوهم يقولون ألنجه خان أحد ملوك الترك في الأزمنة القديمة ولد له ولدان توأمان هما تتارخان ومغل خان نحو ربيعة ومضر في الأمة العربية.
خروج المغول إلى البلاد الإسلامية:
قد أكثر المؤرخون في ذكر الأسباب التي دعت جنكيز خان وقومه للخروج إلى البلاد الإسلامية فقال بعضهم إن خوارزمشاه لما أظهر الخلاف على الناصر لدين اللَّه وقطع خطبته من بلاده وأراد أن يذهب إلى بغداد للاستيلاء عليها أرسل الناصر لدين الله إلى جنكيز خان يحرضه على الخروج إلى خوارزمشاه والتعرض لمملكته يريد بذلك أن تنكسر شوكة خوارزمشاه ويشتغل عنه بنفسه وقد سبق لخلفاء بني العباس أن فعلوا ذلك مراراً فهم الذين راسلوا بني بويه ليخلصوهم من استبداد الأتراك البغداديين وتحكمهم فيهم وهم الذين راسلوا طغرلبك شاه السلجوقي ليخلصهم من تحكم البساسيري حينما أراد تحويل الدعوة إلى المصريين الفاطميين وهم الذين راسلوا خوارزمشاه ليخلصهم من السلاجقة ولكن الفرق أن هؤلاء كلهم كانوا مسلمين وأما المغل فكانوا كفاراً ولا نبدي هذا الفرق استبعاداً للمكاتبة لأن ذلك الملك لا يبالي بما يفعل لتخليص ملكه ولم يكن الخليفة هذا الفرق استبعاداً للمكاتبة لأن ذلك الملك لا يبالي بما يفعل لتخليص ملكه ولم يكن الخليفة يبغي إلا أن المغول يشغلون عنه خوارزمشاه فتكون العداوة بين الرجلين ضامنة لاستقلاله كما أنه لم يكن يظن أن يكون من التتر ما كان لأن بينهم وبين العراق أمكنة مترامية الأطراف وبينه وبينهم ذلك الأسد الهصور ولم يكن يظن به من الضعف ما يجعله يجفل أمام جنكيز خان كالحمامة تجفل من صقرها.
وهذا السبب وإن كان مطمعاً لجنكيز خان في البلاد الإسلامية ولكنه كان يتطلب سبباً آخر يبيح له فتح باب الحرب على خوارزمشاه فيقال إنه في سنة 612 أرسل رسلاً إلى خوارزمشاه وكانوا من كبار المسلمين الذين يقيمون ببلاده يطلب منه أن يعاهده لتردد التجارة من كل جانب إلى الآخر وأرسل إليه هدايا عظيمة المقدار فلما وصلت الرسل إلى خوارزمشاه أجاب إلى ذلك فرجعوا إلى جنكيز خان مسرورين من تمام ما أرسلوا له فاستبشر بذلك جنكيز خان ومكث الأمر على سداد مدة والتجار والزوار يترددون آمنين مطمئنين.
وفي سنة 615 سافر تجار من بلاد جنكيز خان حتى وصلوا إلى بلدة أترار وهي بلدة بثغر خوارزمشاه بساحل سيحون سرداريا وبها والٍ كان من قبله فلما ورد عليه هؤلاء التجار وكانوا زهاء 400 نفس ومعهم أموال جسيمة طمع ذلك الوالي في أخذ أموالهم فأرسل قاصداً إلى خوارزمشاه يخبره أن جواسيس جنكيز خان قد قدموا في زي تجار فأمره بقتلهم واستصفاء أموالهم فسارع ذلك الوالي المشؤوم إلى ذلك وأرسل إلى خوارزمشاه ما كان معهم من الأموال فأخذها وفرقها على تجار بخارى وسمرقند وأخذ منهم ثمنها.
فلما بلغ علم ذلك جنكيز خان أخذه المقيم المقعد وأرسل إلى خوارزمشاه يخبر بصورة الحال ويطلب منه غاير خان ذلك الوالي ليقتص منه فلم يكن من الأحمق خوارزمشاه إلا أن قتل الرسول فلما بلغ ذلك جنكيز خان استشاط غضباً وصمم على قصده وحربه.
وعلم خوارزمشاه أنه قد استهدف بعمله لحرب تلك الأمة العظيمة وزاد الطين بلة بأن جمع عساكره وسار بادئاً بالعدوان حتى وصل تخوم تركستان وهجم على بلاد عدوه فلقي هناك جموعاً قليلة متخلفة في النساء والصبيان لأن جنكيز خان كان غائباً بجنده في داخل بلاده فلم يمكن خوازرمشاه أن ينتصر على هذا العدد القليل فعلم أنَّ له يوماً ضروساً إذا تحرك عليه جنكيز خان وهو لا بد فاعل فأمر خوارزمشاه سكان تلك المدن العظيمة التي على حدود بلاده أن يجلوا عنها خوفاً عليهم من التتر وكانت من جنان الدنيا فأصبحت بذلك بلاقع وسهل بهذا العمل السبيل إلى عدوه ثم عاد.
أما جنكيز خان فإنه جمع عساكره الجرارة التي تفوق عد العادين وعبر نهر سيحون وليس أمامه من يناوشه قتالاً أو يشغله عن قصده وسار حتى أتى بخارى وكان بها عشرون ألفاً من الجنود الخوارزمية فلم يكن عندهم طاقة بما دهمهم من ذلك البحر الزاخر فتركوا المدينة من غير حام فأرسل أهلها القاضي بدر الدين قاضيخان يطلب الأمان للناس فأمنهم جنكيز خان ودخل هو وجنده البلد في رابع ذي الحجة سنة 616 وأعلن أهله بأن كل ما هو للسلطان عندكم من ذخيرة وغيرها أخرجوه إلينا ثم طلب رؤساء البلد وقال لهم أريد منكم أمتعة التجار التي باعكم إياها خوارزمشاه فإنها لي ومن أصحابي أخذت وهي عندكم فأحضر كل من كان عنده شيء منها ما عنده ثم أمرهم بالخروج من البلد فخرجوا منها مجردين من أموالهم وأعمل التتر النهب وقتلوا من وجدوا فيه ثم أمرهم بالخروج من البلد فخرجوا منها مجردين من أموالهم وأعمل التتر النهب وقتلوا من وجدوا فيه ثم أمر أصحابه أن يقتسموا الناس فاقتسموهم وأصبحت بخارى تلك المدينة العظيمة خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس.
ثم رحلوا نحو سمرقند وهي قصبة ما وراء النهر والمصر الجامع لعلمائه وأدبائه وثروته واستصحبوا معهم من سلم من أهل بخارى فساروا بهم مشاة على أقبح صورة ومن أعيا عن المشي قتل.
ولما وصلوا سمرقند كان بها خمسون ألفاً من جند خوارزمشاه فحاموا عن اللقاء لما دخل قلبهم من الرعب والخور أما أهل البلد فخرج منهم ذوو الجلد والقوة فقاتلهم العساكر الجنكيزية ظاهر البلد واحتالوا عليهم بأن تقهقروا أمامهم وأهل سمرقند يتبعونهم ويطمعون فيهم حتى أبعدوا عن معقلهم وكان المغول قد أعدوا لهم كميناً يأتيهم من خلفهم فلما جاوزوا الكمين خرجوا عليهم وحالوا بينهم وبينم البلد ورجع عليهم الباقون من الأمام فأخذهم السيف من كل جانب وقتل عظيمهم ولما رأى ذلك الباقون بالبلد من الجند والعامة ضعفت نفوسهم وأيقنوا بالهلاك فقال الجند نحن من جنس هؤلاء ولا يقتلوننا لأن الكل أتراك فطلبوا الأمان فأمنوا وفتحت البلد فخرجوا إلى التتر بأهلهم وأموالهم فطلبوا منهم أن ينزعوا أسلحتهم فنزعوها وإذ ذاك وضعوا فيهم السيف وقتلوهم عن آخرهم وفي اليوم الرابع نادوا في البلد أن لا يتأخر بها أحد ومن تأخر قتلوه وهكذا فعل التتر بسمرقند ما فعلوه ببخارى وكان ذلك في المحرم سنة 617.
ولما تم لجنكيز ملك سمرقند سير عشرين ألفاً من أشداء جنوده وقال لهم اطلبوا خوارزمشاه أين كان لو تعلق بالسماء حتى تدركوه وتأخذوه فساروا وعبروا جيحون وكان خوارزمشاه مقيماً بغربيه يستعد وقد ملىء قلبه رعباً فلما علم بقدوم التتر عليه لم ير إلا أن ينهزم عنهم قبل أن يحصل بينهم وبينه صدام وقتال ورحل لا يلوي على شيء وقصد مدينة نيسابور فلم يكد يستقر بها حتى أدركه جنود التتر فطار إلى مازندان والتتر على أثره ولم يعرجوا على نيسابور فكان كلما رحل عن منزلة نزلوها فوصل إلى مرسي من بحر طبرستان ونزل يريد قلعة له في البحر فلما نزل هو وأصحابه في السفن وصل التتر فأيسوا من اللحاق به فعادوا عنه وكان ذلك آخر العهد به.
وهذه الفرقة من التتر تسمى المغربة لأنهم ساروا إلى غرب خراسان وتشبه هذه الفرقة فرقة السلاجقة العراقية التي قصدت البلاد الإسلامية بالتخريب والإفساد قبل أن ينساح السلاجقة ويستولوا على البلاد ولما أيس التتر من اللحاق به ساروا إلى مازندان فملكوها في أسرع وقت مع حصانتها وصعوبة الدخول إليها وامتناع قلاعها.
ثم ساروا نحو الري وقد انضم إليهم كثير من عساكر المسلمين والكفار من المفسدين من يريد النهب والشر وهم كثيرون فوصلوا إلى الري على حين غفلة من أهلها فملكوها وفعلوا بها الأفاعيل وكانوا ينهبون في طريقهم كل قرية مروا عليها.
ثم ساروا إلى همذان فطلب صاحبها الأمان فأمنوه هو ومن معه ثم وصلوا إلى قزوين فدخلواها عنوا ويقال إن من قتل من أهلها يبلغون أربعين ألفاً.
ثم ساروا إلى أذربيجان فوصلوا إلى تبريز وبها صاحب البلاد أوزبك بن البهلوان فلم يخرج إليهم ولا حدثته نفسه بقتالهم لاشتغاله بما هو بصدده من إدمان الشراب ليلاً ونهاراً لا يفيق وإنما أرسل إليهم وصالحهم فساروا عنه إلى ساحل البحر ليشتقوا فيه فوصلوا إلى موقان وتطرقوا في طريقهم إلى بلاد الكرك فحاربهم أهلها لكنهم انهزموا فأرسلوا إلى أوزبك خان يطلبون منه أن يتفق معهمفي دفع التتر وكذلك أرسلوا إلى الملك الأشرف بن العادل الأيوبي صاحب خلاط وديار الجزيرة يطلبون منه الانضمام إليهم وظنوا جميعاً أن التتر لا يتحركون حتى ينحسر الشتاء فلم يفعلوا ذلك بل ساروا نحو الكرج وانضاف إليهم مملوك من مماليك أوزبك اسمه أقوش وجميع أهل تلك الجبال والصحراء من التركمان والأكراد وغيرهم فاجتمع إليه خلق كثير وأرسل التتر في الانضمام إليهم فأجابوا إلى ذلك للجنسية فاجتمعوا جميعاً حتى وصلوا تفليس فاجتمعت الكرج وخرجت بحدها وحديدها لكن لم يجدهم شيئاً فانهزموا أقبح هزيمة وركبهم التتر من كل جانب فقتل منهم ما لا يحصى وكانت الوقعة في ذي القعدة سنة 617.
ولما دخلت سنة 618 كروا راجعين إلى مدينة مراغة فملكوها عنوة ووضعوا السيف على أهلها ونهبوا كل ما صلح لهم وما لا يصلح أحرقوه ثم رحلوا عنها قاصدين إربل لكنهم هابوا الهجوم عليها لخوفهم أن تجتمع الجنود عليهم من العراق وغيرها فعادوا إلى همذان وساروا إلى أذربيجان ومنها ساروا إلى دربند شروان فاستولوا على مدينة شماخي عنوة وخرجوا من الدربند إلى البلاد الشمالية وهي دشت القفجاق وفيها أمم كثيرة تركية فأمعن التتر فيهم قتلاً وسبياً والذي لقي حد هذه الحروب أمة القفجاق فكثر فيهم القتل والأسر فتفرقوا أيدي سبأ في جميع الأقطار وكان هذا أول ورود المماليك القفجاقية على البلاد المصرية فاشترى منهم الصالح نجم الدين أيوب مماليكه البحرية ملوك مصر بعد الدولة الأيوبية ومنهم المعز أيبك والمظفر قطز والمنصور قلاوون وغيرهم.
ثم قصد التتر بعد ذلك بلاد الروس فاتفق هؤلاء مع فلول القفجاق أن يكونوا يداً واحدة ضد التتر ومع هذا فكان الظفر للتتر وانهزم عنهم الروس والقفجاق أقبح هزيمة ونهب التتر بلادهم ثم عادوا عنهم وقصدوا بلغار أواخر سنة 620 فلما سمع أهل بلغار بقربهم منهم كمنوا لهم في عدة مواضع واستجروهم إلى أن جاوزوا موضع الكمناء فخرجوا عليهم من وراء ظهورهم فقتل منهم كثير.
هذه أخبار طائفة صغيرة من طوائف التتر وما فعلته.
أما جنكيز خان فإنه لما سير تلك الطائفة لطلب خوارزمشاه أقام بسمرقند وهناك سير جيشاً عليه أحد أولاده لملك خراسان فعبروا النهر وقصدوا مدينة بلخ فطلب أهلها الأمان وتسلموا البلد سنة 617 ولم يتعرضوا له بنهب ولا قتل بل جعلوا فيه شحنة ثم صاروا يستولون على تلك البلاد شيئاً بعد شيء دون صعوبة أو مقاومة ولذلك لم يكونوا يتعرضون لأهلها بسوء ولا أذى سوى أنهم كانوا يأخذون الرجال ليقاتلوا بهم من يمتنع عليهم ولم يمض إلا القليل حتى دخل معظم البلاد الفارسية تحت حكم التتر.
وأرسل جيشاً آخر وجهته الشمال ليملك دشت القفجاق وكان الأمر قد تهيأ لهم بها لما فعله التتر المغربة من إضغاف القوى التي كانت بهاتيك البلاد على أنها لم تكن قوى مجتمعة يخشى بأسها بل كانوا طوائف شتى لا جامعة لهم فسهل على الجيش الجنكيزي أن يستولي على الدشت كله في أسرع ما يمكن.
فتم بذلك لجنكيز خان مملكة عظيمة واسعة مترامية الأطراف تبتدىء شرقاً من بلاد الصين وتنتهي غرباً إلى بلاد العراق وبحر الخزر وبلاد الروس وجنوباً ببلاد الهند وشمالاً بالبحر الشمالي كل ذلك تم له في مدة قصيرة.
ولما أحس بقرب منيته قسم الممالك الجنكيزية إلى أربعة أقسام بين أبنائه الأربعة وهم جوجي وجغطاي وتولى وأوكداي.
فجعل دشت قفجاق بأسرها وبلاد الداغستان وخوارزم وبلغار والروس وما يؤمل أخذه إلى منتهى المعمورة وسواحل البحر الغربي لولده الأكبر جوجي.
وجعل بلاد ايغور والتركستان وما وراء النهر بأسره لولده الثاني جغطاي.
وجعل خراسان وما يؤمل أخذه من ديار بكر والعراقين إلى منتهى حوافر خيولهم لولده الثالث تولى خان.
وجعل بلاده الأصلية والخطا والصين إلى منتهى المعمورة الشرقي لولده الرابع أوكداي وجعله ولي عهده من بعده ويصير قاآناً على الكل أو ملك الملوك وهو عندهم بمنزلة الخليفة عند المسلمين وأمر الباقين بمتابعته وكذا كل من يصير قاآناً من ذريته يجب على الباقين طاعته ومن أتباعه ومن خالفه يجب على الباقين حربه حتى يفيء إلى يساق جنكيز خان.
هكذا قدر للرجل لعظم همته أن يملك أولاده الدنيا بأسرها ولا يبقى فيها لغيرهم كلمة ولا سلطان ولولا ما حصل من الخلاف بعده لتم كل ما توقعه.
وفي سنة 624 أدركته منيته وكان الخليفة العباسي حين وفاته المنصور المستنصر باللَّه بن محمد الظاهر.
وجد من آل جنكيز خان أربعة بيوت ورثت الملك وتممت الفتح حتى تهيأ لها أن تملك معظم بلاد المسلمين وجزءاً من أوروبا.
وبيت تولي هو الذي كان على يده سقوط الخلافة العباسية ببغداد وامتداد سلطان التتر على الجزيرة والشام وبلاد الروم وسنذكر ذلك في حينه.
حصلت هذه الحوادث الكبرى وخليفة بغداد لاه بما هو فيه من عسف الناس وظلمهم فقد كان قبيح السيرة في رعيته ظالماً فخرب في أيامه العراق وتفرق أهله في البلاد وأخذ أملاكهم وأموالهم وكان كثيراً ما يفعل الأشياء ثم ينقضها وجعل جل همه في رمي البندق والطيور المناسيب وسراويلات الفتوة فبطلت الفتوة في البلاد جميعاً إلا من يلبس منه سراويل يدعى إليه ولبس كثير من الملوك منه سراويلات الفتوة وكذلك منع الطيور المناسيب لغيره إلا ما يؤخذ من طيوره ومنع الرمي بالبندق إلا من ينتمي إليه.
هذه كانت مشاغله العجيبة والتتر يمعنون في بلاد المسلمين قتلاً وأسراً وتخريباً ومع ذلك أثنى عليه ابن طباطبا في تاريخه الموسوم بالفخري ثناء جماً ومن ضمن ما وصفه به أنه كان يرى رأي الإمامية والظاهر أن هذا هو الذي حببه إلى المؤرخ المذكور.
بقي الناصر في أواخر أيامه ثلاث سنين عاطلاً عن الحركة وقد ذهبت إحدى عينيه والأخرى يبصر بها إبصاراً ضعيفاً وفي آخر الأمر أصابته دوسنطاريا عشرين يوماً وكانت بها منيته.