العقيدة : الايمان باليوم الاخر
الإيمان باليوم الآخر:
-1 وجوب الإيمان باليوم الآخر.
-2 ثمرة الإيمان باليوم الآخر.
-3 أشراط الساعة وعلاماتها.
-4 الموت وحقيقته.
-5 البرزج وعذاب القبر ونعيمه، وسؤال الملكين.
-6 البعث.
-7 الحشر.
-8 العرض.
-9 السؤال.
-10 أخذ كتب الأعمال.
-11 الحساب.
-12 موقف الشهادات.
-13 الميزان.
-14 الصراط.
-15 الشفاعة.
-16 الحوض.
-17 الجنة والنار.
وجوب الإيمان باليوم الآخر:
الإيمان باليوم الآخر من أسس الإيمان يجب التصديق به، ويدخل في ذلك: الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها التي تكون قبلها وبالموت وما بعدهُ من فتنة القبر وعذابه ونعيمه، وبالنفخ في الصور وخروج الخلائق من القبور، وما في موقف القيامة من الأهوال والأفزاع، والحشر والنشر ووضع الموازين وبالصراط، والحوض، والشفاعة لمن أذن الله له وبالجنة ونعيمها وبالنار وعذابها وغير ذلك من الأمور التي ورد ذكرها في القرآن الكريم أو في الصحيح من السنة النبوية المطهرة.
قال الله تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ (لا شك في أنه حق من عند الله) هُدًى (هادٍ) لِلْمُتَّقِينَ (الذين اجتنبوا المعاصي وأدوا الفرائض فوقوا أنفسهم العذاب) * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [لبقرة: 1-5].
وقال تعالى:{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7].
وقال تعالى: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات: 5-6].
ثمرة الإيمان باليوم الآخر:
الإيمان باليوم الآخر يجعل للإنسان غايةً سامية وعالية، وهذه الغاية هي فعل الخيرات، وترك المنكرات، والتحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل الضارة بالدين والنفس والمال والأعراض والعقل.
أشراط الساعة وعلاماتها:
أ- وقت الساعة:
إن وقت الساعة أي يوم القيامة من الأمور الغيبية وقد أخفاها الله عن عباده لحكمة يعلمها فلا سبيل إلى معرفة وقتها فلا يعلمها إلا الله تعالى.
قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (متى إثباتها ووقوعها؟) قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا (لا يُظهرها ولا يكشف عنها) لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً} [الأعراف: 187].
ب- قرب الساعة:
وقد أخبر الله عن قرب الساعة قال الله تعالى: {اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 1-2].
وانشقاق القمر هو معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث إن أهل مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين.
وقال الله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنْ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} [الأحزاب: 63].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين" مشيراً بإصبعيه: السبابة والوسطى. رواه البخاري ومسلم
ج- وللساعة أشراط وعلامات، قال الله تعالى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا (علاماتها) فَأَنَّى لَهُمْ (فكيف لهم أو من أين لهم؟) إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (تذكرُهم واضيعوا من طاعة الله)} [محمد: 18].
وقد وردت الأشراط والعلامات في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما قد ظهر ورأيناه ومنها لم يَحصل بعد وستظهر لا محالة في ذلك.
فمن العلامات التي أخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم:
-1 كثرة الزنا وكثرة شرب الخمر:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم (رفع العلم يكون بموت العلماء) ويكثر الجهل (الجهل بالدين)، ويكثر الزنا ويكثر الخمر" رواه البخاري ومسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إن ناساً من أمتي يشربون الخمر ويسمونها بغير اسمها" رواه الحاكم في مستدركه.
وقد رأينا من يشرب الخمر ويقول هذه بيرة ليست خمراً أو أسماء أخرى كالويسكي والشمبانيا وغيرها كثير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقال عليه الصلاة والسلام: "لا تقوم الساعة حتى توجد المرأة نهاراً تنكح وسط الطريق، لا ينكر ذلك أحدٌ، فيكون أمثلهم يومئذ الذي يقول لو نحيتها عن الطريق قليلاً" رواه الحاكم.
وهذا الأمر مشاهد في أمريكا وأوروبا أعاذنا الله من ذلك.
-2 تبرج النساء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة (وهو ظهر الجمل أي حَدَبَتُهُ) البخت (الجِمَال) المائلة، لا يدخلون الجنة، ولا يجدون ريحها وإن ريحا لتوجد من مسيرة كذا وكذا". رواه مسلم
وقد وجد هذا في كثير من البلاد حيث إن النساء يلبسن الثياب الضيقة التي تجعل تفاصيل جسم المرأة ظاهرة، وكأنها عارية، والثياب الشفافة التي يظهر ما تحتها وكأنهن لم يلبسن شيئاً، ووجدنا النساء يلبسن الثياب في المنازل ويتحللن منها في شواطئ البحر إلا من قطع صغيرة على الفرج والثديين، أو على الفرج وحده، وحيث يصففن شعورهن ويجملنها ويضعن المثبت فترى شعورهن كأسنمة الجمال تميل يمنة ويسرة، وقد وضعوا لهن في أحذيتهن كعوباً عالية لاستكمال الميل في الأجسام، وهن بهذا الميل مميلات لكثير من الشباب مضلات لهم بفتنتهن المعروضة.
فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "كاسيات عاريات" لقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-3 تشبه النساء بالرجال وتشبه الرجال بالنساء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتراب الساعة تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال". رواه أبو نعيم في الحلية
ولقد فاجأنا الزمان بهذه المصيبة حيث إن الرجل يتشبه بالمرأة فيضع الحلي والقراريط كما تضع ذلك المرأة، وتتشبه المرأة بالرجل من حيث اللباس وقصات الشعر، وغير ذلك كما هو مشاهد في عصرنا. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
-4 التعامل بالربا وانتشاره:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا فمن لم يأكله أصابه من غباره". رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم.
واليوم في زماننا نشاهد أكبر عملية انتشار للربا بواسطة البنوك الربوية التي تعتبر مؤسسات عالمية ضخمة تعمل على نشر المشروع الربوي في كل العالم، ومهما احترز المؤمن عن التعامل بالربا اليوم فإنه سيناله نصيب منه ولو قليلاً.
-5 قبض العلم، وكثرة الزلازل، وتقارب الزمان، وظهور الفتن وإطالة البناء:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان وتظهر الفتن، وحتى يتطاول الناس في البنيان". رواه البخاري.
فإن قبض العلم يكون بقبض العلماء وعدم وجود من يخلف العلماء الربانيين الذين هم علماء الأمة الإسلامية، وهذا واضح وجلي في زماننا.
ومما نشعر به ونسمع عنه اليوم كثرة الزلازل في شتى المناطق العالمية في أمريكا، في أوروبا، في البلاد العربية وغيرها، وهذا من علامات قرب الساعة، أعاذنا الله من ذلك.
وتقارب الزمن، وهو أن الأيام تمر بسرعة، وكأنها ساعات قليلة وهذا ما يلاحظه كل شخص يعيش في عصر التطور والتكنولوجيا، وهذا يعود إلى كثرة آلات اللهو المتنوعة والتفنن في اختراع أجهزة مسلية وابتكار أساليب للترفيه.
وعوامل الضغط الاقتصادي التي تجعل الإنسان حركة آلية يعمل وقتاً طويلاً لاكتساب لقمة عيشه فلا يشعر بالوقت إلا وهو ذاهب.
وظهور الفتن والمعنى أن الفتن تكثر، في محيطنا اليوم نشاهد كثرة الفتن التي تفتِن الإنسان عن دينه، فيصبح المرء مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، فالإنسان يتعرض لإغراءات كثيرة منها إغراءات فكرية فاسدة فينزلق في المتاهات الفكرية فيبتعد عن دينه فيفتن، وهذا ما نلحظه في العصر الحديث من وجود أفكار ونظريات كثيرة الشيوعية وداروينية وغير ذلك، وفتن بها الكثير من الناس، وراح ضحية هذه الأفكار والنظريات أجيال من الشباب وما ثبت بوجه ذلك إلا من تسلح بالإيمان والعلم.
وإطالة البناء: وهو علامة عن قرب الساعة فنجد أبنية شاهقة تتألف من طبقات وتسمى ناطحات السحاب وورد أيضاً: "لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتاً يوشونها وشيء المراجيل (الثياب المخططة)" رواه البخاري في الأدب المفرد. أييزينون بيوتهم تزييناً كما تزين الثياب المخططة.
-6 تسليم الخاصة وفشو (انتشار) التجارة وقطع الأرحام وانتشار الكتابة والطباعة وشهادة الزور.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة وقطع الأرحام. وفشو القلم، وظهور الشهادة بالزور وكتمان شهادة الحق". رواه البخاري
فاليوم يخص الإنسان بالسلام من يريد وهذا دليل على مجتمع يغلب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة.
والمسلَّم ينبغي أن يسلم على من عرف ومن لم يعرف كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري: "أقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".
ونرى في عصرنا انتشار أشكال التجارة بشكل مذهل وعجيب، وإعانة المرأة لزوجها في ذلك بسبب الضائقة الاقتصادية.
ونشاهد في زماننا قطيعة الأرحام منتشرة في العائلة الواحدة لسبب التخاصم والتشاحن. وكذلك انتشار الطباعة، والكتابة بطريقة متطورة فآلاف الكتب تطبع بوقت يسير، وهذا معنى فشو القلم.
والمشاهد اليوم ظهور شهادة الزور وكتمان شهادة الحق في المحاكم القضائية بسبب عدم الالتزام بدين الله تعالى وعدم المخافة منه عزَّ وجلَّ.
-7 كثرة ولد الزنا والتحية بالتلاعن:
قال رسول الله عليه وسلم: "لا تزال الأمة على شريعة حسنة ما لم تظهر فيهم ثلاث ما لم يقبض منهم العلم، ويكثر فيهم ولد الخُبْث (ولد الزنا)، ويظهر فيهم السَّقَّارون" قالوا: وما السقَّارون؟ قال: "نشأ يكونون في آخر الزمان تكون تحيتهم بينهم إذا تلاقوا التلاعن". رواه أحمد والحاكم والطبراني.
فكثرة ولد الزنا لأن الزنا قد كثر في هذا الزمان الذي تحَّدث عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، وتتفاقم نسبة ولد الزنا في الدول الأوروبية والأميركية، وهي أنقص في البلاد الإسلامية.
وظهر في زماننا من يحيي غيره باللعن والشتم بدل أن يحييه بتحية الإسلام الذي يأمر بالتحية الحسنة والردِّ الأحسن. قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86].
-8 حديث السباع ونطق الجماد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تُكلم السباعُ الإنسانَ، وحتى تكلم الرجلَ عذبةُ سوطه، وشراك نعله وتخبره بما أحدث أهله من بعده". رواه الترمذي وقال: حسن غريب والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ورواه أحمد في مسنده.
وقال عليه الصلاة والسلام: "إنها أمارات من أمارات بين يدي الساعة أو شك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى يحدثه نعلاه وسوطه ما أحدث أهله من بعده". رواه أحمد.
ما كان أحدٌ يتصور أن الجماد ينطق، فقد اخترعت اليوم أجهزة يحملها الإنسان في يده فتنقل له الأصوات والكلام من بيته أو بيت غيره، وتتشكل هذه الأجهزة بأشكال مختلفة وخاصة الأجهزة الدقيقة المعدّة للتنصت، فيمكن تركيبها في طرف عصا أو في مكان ما كالحذاء بحيث لا تُرى.
وأما حديث السباع، ففي زماننا نرى حيوانات السيرك تأتي بالغرائب وكأنها تتكلم مع الإنسان فتفهم عليه، وكذلك الكلاب البوليسية التي تكشف مخابئ المخدرات، فتظهر براعتها يعجز عنها الإنسان، وتساعد الشرطة على اكتشاف الجرائم، وكل ذلك من طريق تعليمها والتكلم معها. فلعل هذا المعنى مقصود في الحديث، والمستقبل متسع لما هو أكبر ليظهر مصداقية الحديث أكثر فأكثر.
-9 الموت بالسكتة القلبية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اقتراب الساعة موت الفجاءة" رواه ابن أبي شيبة.
وفي عصرنا يكثر الموت الفجائي، وهو السكته القلبية، وهو مرض من أمراض المدنية الحديثة لم يكن شائعاً في المجتمعات السابقة.
-10 تربية الكلاب وكراهة الأولاد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اقترب الزمان يربي الرجل جرواً خير له من أن يربي ولداً له". رواه الطبراني والحاكم.
وهذا نراه في أمريكا والدول الأوروبية، فبعض الناس هناك يفضلون تربية الحيوانات وخاصة الكلاب لوفائها على أن يربوا ولداً لهم من صلبهم.
-11 المواصلات الحديثة:
-1ً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرجال ينزلون أبواب المساجد". رواه أحمد والحاكم.
-2ً وقال عليه الصلاة والسلام: "ولتتركن القلاص (الجِمال) فلا يسعى عليها". رواه مسلم.
فقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ترك استخدام الجمال للتنقل وحمل الأمتعة فقوله: "ولتتركن القلاص فلا يسعى عليها".
ومعلوم أن عدم استخدام الجمال مع وجودها إنما يكون لسبب وجود وسيلة أحسن وليس هناك من الحيوانات ما هو أقدر من الجمال على السفر في الصحراء لأن الجمل كما يقال سفينة الصحراء.
والحديث الأول يصف أن الركوب على السروج لا على الجمال أو الخيول أو غيرها من الحيوانات، إنا نجد الوصف ينطبق اليوم على السيارات ذات المقاعد التي تشبه السروج العظيمة والتي يركب الناس عليها إلى أبواب المساجد.
ومما يدلُّ على ذلك قوله صلى الله عليه وسلَّم: "لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان وتزوى الأرض زياً" رواه الطبراني أي تطوى ويضم بعضها إلى بعض.
-12 كثرة القتل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق، ويتقارب الزمان، ويكثر الهرج، قيل: وما الهرج؟ قال: القتل". رواه أحمد.
-13 اختلاف الأخوة في الدين:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تتباكى القلوب، وتختلف الأقاويل، ويختلف الأخوان من الأب والأم في الدين". رواه الدَّيلمي.
-14 حسن القول وسوء العمل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه يكون في أمتي اختلاف وفُرقة، وقوم يحسنون القول ويسيئون العمل". رواه أبو داود والحاكم في مستدركه.
-15 كثرة النساء وقلة الرجال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويكثر الجهل ويكثر الزنى، ويكثر شرب الخمر، ويقلَّ الرجل وتكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيِّمُ الواحد". رواه البخاري ومسلم.
-16 تضييع الأمانة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحدث إذ جاء أعرابي، فقال: متى الساعة؟ قال: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قال: كيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة". رواه البخاري
-17 مقاتلة المسلمين اليهود:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر أو الشجر، فيقول: الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد (هو شجر له شوك) فإنه من شجر اليهود". رواه البخاري ومسلم.
-18 استخراج الكفار للمعادن:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ستكون معادن يحضرها شرار الناس". رواه أحمد.
-19 كثرة المال وفيضه وعودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يُخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً". رواه مسلم
- وقد ثبتت الإمارات الكبرى في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه قال: اطَّلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذكرون؟" قالوا: نذكر الساعة، قال: "إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات: فذكر الدخان، والدَّجَّال، والدابة وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم". رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
ومن العلامات الكبرى اليقينية:
-1 الدجَّال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلَّم الدجَّال فقال: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم.
إنه شاب قطط (شديد جعودة الرأس)، عينه طافئة، كأني أشبهه بعبد العزَّى بن قَطَن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه بفواتح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته، إنه خارج خَلَّة (طريقاً) بين الشام والعراق، فعاث يميناً، وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا فقلنا: يا رسول الله، وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله، وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرت الريح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُرَى (جمع ذُروة) وأسبغه (أطوله) ضروعاً، وأمدّه خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين (مجدين) ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمرّ بالخَرِبَةِ، فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جِزْلتين (قطعيتين) ثم رمية الغرض (مقدار رمية السهم إلى الهدف)، ثم يدعوه، فيقبل ويتهلل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مُهرودتين (بين ثوبين فيهما صفرة خفيفة) واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدَّر منه جُمان كاللؤلؤ (حبات كاللؤلؤ بصفاتها) فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسِه إلا مات. ونَفَسُه ينتهي حيث ينتهي طرْفُه، فيطلبه حى يدركه بباب لُدِّ (بلدة في فلسطين قريبة من بيت المقدس)، فيقتله ثم يأتي عيسى ابن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح عن وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحدٍ يقاتلهم، فأحرِّزْ عبادي إلى الطور (اذهب بهم إلى الطور ليكون لهم حرزاً).
ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حَدَب ينسلون، فيمرُّ أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماءً!! ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر (جبل بيت المقدس)، فيقولون: لقد قتلنا من في الأرض، هلمَّ فلنقتلْ من في السماء، فيرمون بنُشَّابهم إلى السماء، فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دماً!! ويُحصر نبي الله وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم فيرغب نبي الله عيسى، وأصحابه نقص أنوف الإبل والغنم في رقابهم فيصبحون فرسى (قتلى) كموت نفس واحدة.
ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه رهمُهم (رسمهم) ونَتْنهم.
فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله فيرسلُ الله طيراً كأعناق البخت (نوع من أنواع الإبل طوال الأعناق) فتحملهم،فتطرحهم حيث شاء الله.
ثم يرسل الله مطراً لا يكُنُّ منه بيت مدّر ولا وَبَر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزَّلفة (كالمرآة).
ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصَابة (الجماعة) من الرُّمانة، ويستظلون بقحِفِها، ويبارك في الرَّسل (الحليب) حتى إن اللَقَحة من الإبل (الناقة الحلوب) لتكفي الفئام (الجماعة الكثيرة) من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس.
فبينما هم كذلك، إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحُمُر (الحمير) فعليهم تقوم الساعة". رواه مسلم
والدجَّال لقب لهذا الرجل، لُقِب به لشدة كذبه وتدجيله، ولقدرته العجيبة الخارقة على تغطية الحق بالباطل، وهو رجلٌ يهودي، ولا يولد له ولد وإن الله حرم عليه دخول مكة.
عن أبي سعيد الخدري قال: قال لي ابن صائد - واسمه صاف، يهودي الأصل يمارس الكهانة، كان يشاع في المدينة أنه ربما كان هو الدجال -: ما لي وما لكم يا أصحاب محمد، ألم يقل نبي الله صلى الله عليه وسلم إنه يهودي وقد أسلمت، وقال لا يولد له وقد ولد لي، وقال إن الله حرم عليه مكة وقد حججتُ، قال فما زال حتى كاد أن يأخذ في قوله. رواه مسلم
والدجال يدعي الألوهية ومعه خوارق، وقد حذَّر الرسول الله صلى الله عليه وسلم منه ومن فتنته العظيمة.
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال، فقال: "لأنذركموه وما من نبي إلا وقد أنذر قومه، ولكني سأقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه، إنه أعور، وإن الله ليس بأعور". رواه البخاري ومسلم
عن حذيفة أن عقبة قال له: حدثني ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدجال، فقال: إن الدجال يخرج وإن معه ماءً وناراً، فأمَّا الذي يراه الناس ماءً فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه ناراً، فإنه عذب طيب.
فقال عقبة: وأنا قد سمعته، تصديقاً لحذيفة.
ويكون هلاك الدجال على يد المسيح عيسى ابن مريم بعد نزوله من السماء انظر الحديث الأول في الدجَّال عن النواس بن سمعان.
-2 نزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء:
ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء إلى الأرض فيمكث في الأرض مدة من الزمن فيقتل الدجَّال، ويقيم على الأرض دعائم العقيدة الإسلامية التي بعث الأنبياء كلهم لإقامتها، وينفذ الشريعة الإسلامية التي جاء بها محمد رسول الله خاتم النبيين والمرسلين ولا يوحى إليه بشرع جديد.
قال الله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 157 - 158].
فالآيات تقرر بطلان دعوى اليهود من قتل عيسى ابن مريم وصلبه بل الأمر بخلاف ما ادعوه. فإنما شبه لهم فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، ثم إن الله تعالى رفعه إلى السماء وإنه باقٍ حي، وإنه سينزل قبل يوم القيامة كما دلت عليه الأحاديث المتواترة، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية يعني لا يقبلها من أحدٍ من أهل الأديان بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف أي القتال، فتخبر الآية {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء: 159] أنه لا يبقى أحدٌ من أهل الكتاب بعد نزول عيسى ابن مريم عليه السلام إلا آمن به قبل موته عليه السلام، فلا يتخلف عن التصديق به واحد منهم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليوشِكنَّ (لقد اقترب) أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة خيراً من الدنيا وما فيها" ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: "اقرؤوا إن شئتم": {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء : 159] رواه البخاري في صحيحه.
وقال تعالى: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (من أجله يضجون ويصيحون فرحاً) * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (شداد الخصومة بالباطل) (58)إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ * وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ (آية وعبرة) لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزخرف: 57 -61].
ففي الآية الأخيرة {وإنه لعلم للساعة} إشارة إلى نزوله عليه السلام من السماء في آخر الزمان أنه من أمارات الساعة وعلامات قرب وقوعها، ولا يكون ذلك إلا بنزوله عليه السلام كما بينته الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
-3 ظهور يأجوج ومأجوج:
قال الله تعالى في شأن يأجوج ومأجوج: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا (نصيباً من المال تستعين به في البناء) عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (حاجزاً فلا يصلون إلينا) * قَالَ مَا مَكَّنَنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (حاجزاً حصيناً متيناً) * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ (قطَع حديد عظيمة ضخمة) حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ (بين الجبلين) قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (نحاساً مذاباً) * فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (خرقاً وثقباً لصلابته وتخانته) * قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ (مدكوكاً مسوىً بالأرض) وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ (يختلط ويضطرب) فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ (نفخة البعث) فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} [الكهف:94-99].
وقال الله تعالى في شأنهم أيضاً:{ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ (مرتفع من الأرض) يَنسِلُونَ (يسرعون المشي في الخروج) * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ (البعث والحساب والجزاء) فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ (مرتفعة لا تكاد تَطْرِفُ أبصارهم) الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} [الأنبياء: 96- 97].
إن يأجوج ومأجوج كلمتان عبَّر القرآن بهما عن أمة كبيرة من الناس تخرج من مكان ما من الأرض تنشر الفساد والدمار والخراب فيها على طريقة مذهلة مرعبة.
وخروج يأجوج ومأجوج من العلامات الكبرى لاقتراب الساعة، لا يعلم هذا الخروج إلا الله عزَّ وجلَّ.
تنبيه: فليكن المرء على حذر من الأحاديث الواهية أو المنكرة أو الموضوعة التي تذكر تفاصيل أخبار يأجوج ومأجوج وصفاتهم وأشكال جسومهم.
وحسبنا أن نؤمن بأن هذه الأمة الكبيرة إذا خرجت فإن خروجها سيتكفل بالتعريف بها للناس كلهم تعريفاً لا يشوبه شك ولا احتمال ولا ظن ولا يحوج إلى استنتاج أو اجتهاد أو ضرب في الغيب.
-4 خروج الدابة:
قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ (قربت الساعة وأهوالها الموعودة) عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل: 82].
فهذه الدابة نَكِلُ علم نوعها وشكلها إلى الله عزَّ وجلَّ تخرج للناس قبيل الساعة تكلمهم وتصف كلاً منهم بصفته من الإيمان أو الكفر، فتسم الكافر بوسم الكفر، وتسم المؤمن بوسم الإيمان، وهذا كله خارج عن المعتاد والمألوف.
وعن عبد الله بن عمرو قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيتها كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها". رواه مسلم.
-5 طلوع الشمس من مغربها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْآمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]. رواه البخاري.
وطلوع الشمس من مغربها أي أن الشمس تطلع من جهة المغرب بدل أن تطلع من جهة المشرق.
أخي القارئ ما تحقق ووقع من علامات الساعة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمائة عام يشهد بصدق نبوته وبأنه نذير لنا بين يدي عذاب شديد فكما رأينا اليوم علامات الساعة الصغرى، تحققت أمام أعيننا، فسنرى العلامات الكبرى وستقع الساعة دون ريب ولا شك، لأن المخبر بها واحدٌ وهو الصادق المصدوق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
الموت وحقيقته:
أ- معنى الموت:
الموت هو مفارقة الروح للجسد وانتقالها إلى الحياة البرزخية وعودة الجسد إلى أصله الذي جاء منه، وبخروج الروح من الجسد يتوقف عمل كل جهاز من أجهزة جسم الإنسان، وكل خلية من خلاياه، كما تنساح مكونات كل خلية، وتختلط مواد الجسم بعضها ببعض، ويتحول البدن إلى حالة الجماد الذي لا يحس ولا ينمو ولا يتغذى ولا يتحرك ولا يتنفس ولا يفكر، ولا يعمل شيئاً.
وللتحقق من الموت يكون بالعلامات التالية:
-1ً توقف النفس.
-2ً توقف حركة القلب.
-3ً توقف حركة الستيو بلازم (وهو العصير الموجود داخل كل خلية ويدور باستمرار داخل كل خلية وتفقد كل نواة سيطرتها على محتويات الخلية بعضها في بعض، ويتغير تركيب كل خلية من جسم الإنسان.
- والنوم شبيه بالموت إلا أن الفارق هو بقاء الروح متصلة بالجسد عند النوم، وانفصالها تماماً عنه عند الموت.
قال الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى} [الزمر: 42].
ب- ملائكة الموت:
إذا جاء أجل الإنسان وهو انتهاء حياته أرسل إليه ملك الموت الموكل به لقبض روحه.
قال الله تعالى: {قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون* ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم (مطرقونها خزياً وندماً) عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون} [السجدة: 11-12].
وقال تعالى: {ولو ترى إذ الظالمون في غمرات (سكرات الموت وشدائده) الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون} [الأنعام: 93].
ج- الموت حقيقة لا مفرَّ منها:
الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا ينكرها أحدٌ من الناس فهي مشاهدة، فلقد جاءت أجيالٌ قبلنا وها هي اليوم لا وجود لها قد انقضى أجلها فجاء الموت وأخرجهم من الحياة الدنيا إلى الحياة البرزخية وما ترك منهم أحداً.
وجيلنا أيضاً منقضٍ أجله لا شكَّ ولا ريب، وهكذا الأمر في الأجيال إلى أن تقوم الساعة.
قال الله تعالى: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه مُلاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} [الجمعة : 8].
د- عدم تأخر الموت إذا حان وقته:
إن كل إنسان له أجلٌ لا يزيد ولا ينقص، وإذا جاء الأجل المحتوم لا يتأخر الموت عن أحد. قال الله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون} [النحل: 61].
الحياة البرزخية:
الحياة البرزخية: هي الحياة التي تكون بعد الموت وقبل الحياة الآخرة وقد أشير إلى حياة البرزخ في قوله تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون* لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} [الأنبياء: 99 - 100]. فحياة البرزخ هي الحياة التي تفصل بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى وهي حياة الانتظار ليوم القيامة.
أ- السؤال في القبر:
مما يجب الإيمان به سؤال القبر، قال الله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} [إبراهيم: 27].
أمَّا تثبيت الذين آمنوا في الحياة الدنيا مما يصيبهم من الوساوس والشبهات الشيطانية من قبل الإنس والجن وحفظهم من الزيغ والميل إلى الضلال.
وأما تثبيتهم في الآخرة فذاك حين يُسألون في قبورهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}. متفق عليه.
ب- عذاب القبر ونعيمه:
ومما يجب الإيمان به نعيم القبر وعذابه. قال الله تعالى: {وحاق (أحاط) بآل فرعون سوء العذاب* النار يعرضون عليها غدواً وعشياً (صباحاً ومساءً) ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون اشدَّ العذاب} [غافر: 45، 46].
والمعنى: أن قوم فرعون بعدما أحاط بهم سوء العذاب وهو الغرق في البحر انتقلوا بعد موتهم إلى عذاب البرزخ فهم يعرضون على النار صباحاً ومساءً يمسهم عذابها ويلفحهم لهبها وشظاها إلى أن تقوم الساعة فحينئذ يقول الله تعالى: {أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} وهو الشويُّ في جهنم وإذاقتهم ألوان العذاب الشديد الأليم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه، فإنه يسمع قرعَ نعالهم، أتاه ملكان، فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم، فأمَّا المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك في النار، قد أبدلك الله به مقعداً في الجنة فيراهما جميعاً، فيفسح له في قبره.
وأما المنافق أو الكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل، فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لادريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين". متفق عليه.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط (بستان) لبني النجار على بغلة له، ونحن معه إذ حادت (مالت) فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة. فقال صلى الله عليه وسلم من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، فقال صلى الله عليه وسلم: متى ماتوا؟ قال: في الشرك (ماتوا مشركين). فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فلولا أن لا تدافنوا (يعني أنه لوكشف لكم عن عذاب أهل القبور، وسمعتم ذلك لفزعتم وخفتم حتى إنكم تتركون دفن بعضكم من شدة الهلع والخوف، فلولا مخافة عدم التدافن إذا كشفت لكم لدعوت الله أن يكشف، فيسمعكم عذاب أهل القبور) لدعوتُ الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه، ثم أقبل علينا بوجهه صلى الله عليه وسلم فقال: تعوَّذوا بالله من عذاب النار. قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار. قال: تعوذوا من عذاب القبر. فقالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر. قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجَّال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال. رواه مسلم
وورد في أحاديث كثيرة تدل على أن العصاة الذين لم يتوبوا قبل موتهم يعذبون في القبر بمعاصيهم على اختلاف أنواعها.
فمن ذلك عذاب النمَّام (وهو الذي يُفسد بين الناس)، والغيَّاب (الذي يغتاب فيذكر أخاه بما يكره)، والذي لم يستتر ولم يتوقَّ من بوله من النجاسة.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير (أي وما يعذبان في ذنب كبير عند الناس ولكنه عند الله كبير، وهذا نظير قوله تعالى: {وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم} [النور:15] )، أمَّا هذا فكان لا يستتر (لا يتوقى) من بوله، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعسيب رطب فشقه باثنين فغرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا". متفق عليه واللفظ للبخاري
وقال عليه الصلاة والسلام: "القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حُفر النار". رواه الترمذي والطبراني
فالقبر بالنسبة للمؤمن روضة من رياض الجنة يرتاض فيها على حسب إيمانه وعمله، والقبر حفرة من حفر النار بالنسبة للكفار والمصرين على معاصيهم ولم يتوبوا عنها.
ج- تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عذاب القبر وأمره بذلك:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب القبر في آخر صلاته، وفي ذلك تعليم لأمته صلى الله عليه وسلم وإرشاد لهم أن يتعوذوا بالله من عذاب القبر في أقرب أحوالهم إلى ربهم، وهذا في الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه وماذاك إلا لفظاعة عذاب القبر وشدة هوله وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الصلاة يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجَّال، وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم". رواه البخاري ومسلم
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في دبر (آخر الصلاة) الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر". رواه الترمذي.
البعث:
أ- وجوب الإيمان بالبعث ومعناه:
إن من أصول الإيمان، أن يؤمن الإنسان جازماً بأن الله تعالى يبعث الخلائق بعد موتها فيجمع أجزاءها بعد تفرقها ويعيد إليها أرواحها بعد مفارقتها ويعيدها كما بدأها.
قال الله تعالى: {ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون}.
وقال تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104].
ب- أهوال يوم القيامة:
نرى أهوال يوم القيامة من خلال الآيات القرآنية.
قال الله تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل (تغفل وتشغل لشدة الهول) كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد} [الحج: 1 - 2].
وقال تعالى: {إذا وقعت الواقعة (قامت القيامة بالنفخة) * ليس لوقعتها كاذبة * خافضة (خافضة للكافرين بدخول النار) رافعة (رافعة للمؤمنين بدخول الجنة) * إذا رجت الأرض رجاً (إذا زلزلت وحركت تحريكاً شديداً) * وبست الجبل بساً (فتت فتاً) * فكانت هباءً منبثاً (غباراً منتشراً)} [الواقعة: 1 - 6].
وقال تعالى: {فإذا جاءت الصَّاخَّة (الصيحة تعم الآذان لشدتها وذلك عند النفخة الثانية) * يوم يفرُّ* المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه* لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه} [عبس: 33 -37].
وقال تعالى: {إذا الشمس كورت (طويت ولفت)* وإذا النجوم انكدرت ( تساقطت وتهاوت) * وإذا الجبال سيرت (أزيلت من أماكنها) * وإذا العشار (النوق الحوامل) عطلت (أهملت بلا داع من شدة الهول) * وإذا الوحوش حشرت (جمعت من كل مكان) * وإذا البحار سُجرَّت (أوقدت فصارت ناراً تضطرم) * وإذا النفوس زوجت (قرنت كل نفس بشكلها ودخلت الأرواح في أجسامها) * وإذا المؤودة (البنت تدفن حية) سئلت* بأي ذنب قتلت* وإذا الصحف نشرت* وإذا السماء كشطت (قلعت كما يقلع السقف) * وإذا الجحيم سعرت (أوقدت وأضرمت للكفار) * وإذا الجنة أزلفت (قربت وأدنيت من المتقين)} [التكوير: 1 - 13].
ج- النفخة الأولى والنفخة الثانية:
النفخة الأولى: وهي نفخة الإماتة العامة. وعندها تكون ساعة إنهاء النظام القائم في هذه الحياة.
النفخة الثانية: وهي نفخة البعث إلى الحياة بعد الموت.
قال الله تعالى: { ونفخ في الصور (القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل) فصعق (مات بنفخة الأولى) من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى (النفخة الثانية) فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر: 68 ].
- والصور هو قرن ينفخ فيه والموكل بالنفخ هو إسرافيل عليه السلام.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الصور يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم :" قرن ينفخ فيه " رواه أبو داود والترمذي وابن حبان.
وقال صلى الله عليه وسلم : "كيف أنعم وقد التقم صاحب القرنِ القرنَ، وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر فينفخ، فكان ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: كيف نفعل أو كيف نقول؟
فقال صلى الله عليه وسلم: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا". رواه الترمذي وقال: حديث حسن ورواه ابن حبان وأحمد والطبراني.
د- كيفية البعث:
وإذا مات الإنسان وتحلل جسده (إلا من خصه الله بعدم بلي جسده كالأنبياء عليهم السلام فإن الأرض لا تأكل أجسادهم) وعاد إلى التراب إلى أصله.
قال الله تعالى: {قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ} [ق: 4].
وإذا عاد إلى أصله يبقى من الجسد عَجَبُ الذنب (البذرة) وهو الجزء الذي ركب الإنسان منه أولَ مرة وهو شيء صغير جداً، وهذا الجزء لا تأكله الأرض ولا يبلى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً، منه يركَّب الخلق يوم القيامة، قالوا: أيّ عظم هو يا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: عجب الذنب." رواه مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: "كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب منه خُلِقَ ومنه يركَّب". رواه مالك وأبو داود والنسائي.
فإذا جاء موعد البعث يُنزِل الله مطراً من السماء تنبت الأصول (البذور) أي عجب الذنب الذي لم يبلَ.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ثمَّ يَنزِل من السماء ماءً فينبتون كما ينبُتُ البقلة، وليس من الإنسان شيء إلا بَليَ إلا عظمٌ واحدٌ وهو عجبُ الذنب منه يُرَكَّب الخلقُ يومَ القيامة". متفق عليه.
فإذا نبت عجب الذنب من التراب وعاد الجسد، جاءت كل روح إلىجسدها.
قال الله تعالى: {وإذا النفوس زوِّجت (قرنت كل نفسٍ بشكلها)} [التكوير: 7].
- وبهذه الصورة يعود الخلق مرة ثانية كما بدأ أوَّل مرّة.
قال الله تعالى: {كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104].
الحشر:
معنى الحشر:
هو جمع الخلائق كلهم إلى الموقف بعد بعثهم وإخراجهم من بطن الأرض لموقف الحساب.
صور من الحشر:
أ- خروج الناس من القبور:
قال الله تعالى: {واستمع يوم ينادِ المناد من مكان قريب* يوم يسمعون الصيحة (نفخة البعث) بالحق ذلك يوم الخروج* إنا نحن نحي ونميت وإلينا المصير* يوم تشقق (تنفلق وتتصدع) الأرض عنهم سراعاً (مسرعين إلى الداعي) ذلك حشر علينا يسير} [ق: 41- 44].
والمعنى: أن الله يأمر إسرافيل عليه السلام فينادي بالأموات من مكان قريب، فيسمعه كل إنسان، فذلك النفخة الثانية، فيسمع الناس الصيحة فيخرجون من القبور مسرعين المحشر.
وأول من تنشق عنه الأرض فهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أوّل من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع ومشفَّع". رواه مسلم.
ب- تسوية أرض المحشر:
قال الله تعالى: {ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة (ظاهرة لا يسترها شيء) وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً} [الكهف: 47].
فالأرض تكون بارزة كلها لا جبال فيها ولا وديان.
قال الله تعالى: {وحملت (رفعت من أماكنها) الأرض والجبال فدكتا (فدقتا) دكة واحدة}[الحاقة:14]
فالمعنى: أن الأرض وجبالها مسحت ودُقَّ بعضها ببعض.
وقال تعالى: {وتكون الجبال كالعهن (كالصوف المصبوغ بألوان مختلفة) المنفوش (المفرق)} [القارعة: 5].
فالمعنى أنها تصير كالصوف المندوف.
وقال تعالى: {وبست (فتتَ) الجبال بساً فكانت هباءً منبثاً (غباراً متفرقاً منتشراً)} [الواقعة: 5].
فالمعنى أن الجبال تصير كالهباء المنبث في الهواء.
وقال تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها (يقتلعها ويفرقها بالرياح) ربي نسفاً} [طه: 105].
فالمعنى: أن الله ينسفها بالرياح عن وجه الأرض، فتطيرها في الهواء.
وقال تعالى: {وسيرت الجبال فكانت سراباً (كالسراب الذي لاحقيقة له)} [النبأ: 20].
فالمعنى أن الجبال تصير سراباً أي لا شيء كما يرى السراب من بعيد.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء (بياض يضرب إلى الحمرة قليلاً) كقرصة النقي (الدقيق النقي من الغش والنخال) ليس فيها عَلَمٌ لأحد". رواه البخاري ومسلم.
والمعنى أن الناس يحشرون على أرض لونها أبيض يميل إلى الحمرة قليلاً فتكون نقية صافية ليس فيها أي شائبة، وليس فيها علامة سكن لأحد من أبنية مرتفعة أو قصور ممتعة أو تلول أو جبال ممتنعة، ولا بناء ولا أثر ولا شيء من العلامات التي يهتدي بها في الطرقات كالجبل والصخرة البارزة.
قال الله تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها (يقتلعها) ربي نسفاً* فيذرها قاعاً (أرضاً ملساء لا ثبات فيها ولا بناء) صفصفاً (أرضاً لا نبات فيها)* لا ترى فيها عوجاً (مكاناً منخفضاً) ولا أمتاً (مكاناً مرتفعاً) * يومئذٍ يتبعون الداعي لا عوج له (لا يزيغ عنه) وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همساً (إلا صوتاً خفياً خافتاً)} [طه: 105 - 108].
فيحشر الله الناس في أرض مستوية لا ترى فيها انخفاضاً، ولا ارتفاعاً بحيث إن الناظر إليهم ينظرهم والداعي لهم يسمعهم، وقد ازدحمت عليهم الشدائد والأهوال وحلَّت فيهم الكربات والهموم فأحاطت بهم، النار من شتى نواحيهم، ودنت الشمس منهم قدر ميل، وساورتهم الأحزان والغموم ومهما كانت كربات الدنيا عظيمة، وشدائدها أليمة، فإن كربات الآخرة أعظم، وشدائدها أدهى وأمرّ، ومهما كانت هموم الدنيا ثقيلة فإن همَّ الآخرة أثقل إلا من أمنه الله وسلمه وحفظه.
فاللهم نفِّس عنا كرب الدنيا والآخرة
ج- صفة أهل المحشر:
إن الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً غير مختونين.
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً (غير مختونين).
قالت عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله، الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض". رواه البخاري ومسلم.
فكلُّ واحد منهم مشغول بأحواله عن التطلع والنظر إلى غيره {لكل امريء منهم يومنذٍ شأن يغينه} [عبس: 37].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بموعظة فقال: "يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله تعالى حفاة عراة غرلاً ثم قرأ: {كما بدأنا أوَّل خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين} [الأنبياء: 104].
ألا إن أوَّل الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام، ألا إنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: {وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد* إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 117 - 118].
قال: "فيقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم". رواه البخاري ومسلم.
د- أهوال موقف الحشر:
ومن أهوال هذا الموقف العظيم:
دنو الشمس من الناس، وتغيب الناس بعرقها، كلٌّ حسب عمله.
عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل (أي أنها تدنو كثيراً)، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلىكعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حَقْوَيْه (الخاصرة) ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً" - وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فيه (فمه) - رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقوم الناس لربِّ العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه (عرقه) إلى أنصاف أذينة". رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري.
-2 طول الموقف على الكافرين وخفته للمؤمنين:
عن أبي سعيد الخدري قال: قيل: يا رسول الله يومٌ كان مقداره خمسين ألف ألف سنة ما أطول هذا اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخفَّ عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا". رواه أحمد.
وتختلف الخفة باختلاف درجات إيمان المؤمنين.
-3 عموم الحشر للإنس والجن والحيوان:
حشر الإنس والجن:
قال الله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم (قد أضللتم كثيراً) من الإنس ....} [الأنعام: 128].
حشر الدواب والطيور والحيوان:
وقال تعالى: {وما من دآبة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرَّطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون} [الأنعام: 38].
وقال تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} [التكوير: 5].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يُقاد (يقتص) الشة الجَلحاء (التي لا قرون لها) من الشاة القرناء". رواه مسلم.
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان فقال: "يا أبا ذر أتدري فيما تنتطحان قال: قلت: لا، فقال صلى الله عليه وسلم: لكن الله يدري وسيقضي بينهما". رواه أحمد.
العرض:
قال الله تعالى: {وعرضوا على ربك صفاً لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعداً} [الكهف: 48].
فالعباد يعرضون على ربهم مصطفين صفاً صفاً ويقال للكافرين الذين ينكرون الحشر {لقد جئتمونا كما خلقناكم أوَّل مرة} أي حفاة عراة غرلاً ليس معكم شيء مما كنتم تفتخرون به من الأموال والقوة والنفوذ والبنين ولجاه والخدم وغير ذلك فرغم الذي زعمتم {ألن نجعل لكم موعداً} لم يفدكم وجاء وقت الحساب والسؤال.
ويوم القيامة ثلاث عرضات:
-1 عرض الجدال.
-2 عرض معاذير.
-3 تطير الصحف.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يُعرَض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة، فعند ذلك تطير الصحف من الأيدي : فآخذ بيمينه وآخذ بشماله". رواه الترمذي.
العرضة الأولى: يدافعون عن أنفسهم ويجادلون عنها فكل نفس تأتي يوم القيامة تدافع عن نفسها، ولا يهمها شأن غيرها من ولد ووالد، وتعطى كل نفس جزاء عملها خيراً أو شراً، وهم لا يظلمون بزيادة العقاب ولا بنقص الثواب.
قال الله تعالى:{ يوم تأتي كلُّ نفس تجادل عن نفسها وتوفَّى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون} [النحل: 111].
العرضة الثانية: ففيها يعترفون ويعتذرون بمعاذير مختلفة، فمن كان عذره صحيحاً قبله الله تعالى، ومن كان عذره غير صحيح رده الله تعالى، وذلك لأن الله تعالى يقبل العذر الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أحد أحب إليه العذر من الله تعالى .." رواه البخاري ومسلم.
وأمّا قوله تعالى: {هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [المرسلات: 35 -36]
فهذا يكون في بعض المواقف، وذلك إن يوم القيامة هو يوم طويل ذو مواطن متعدده.
العرضة الثالثة: يكون تطاير الصحف وتفرقها على أهلها بغاية السرعة.
السؤال:
قال الله تعالى: {فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعلمون} [الحجر: 92-93].
وقال الله تعالى: {فلنسألنَّ الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين* فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين} [الأعراف: 6-7].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وليلقيَنَّ الله أحدكم يوم القيامة يلقاه ليس بينه وبينه حجاب، ولا ترجمان يترجم له، فليقولن سبحانه: ألم أبعث إليك رسولاً فبلغك؟ فيقول العبد: بلى..." رواه البخاري.
ولا شك أن الرسل قد بلغت رسالات ربِّهم، وأدوا واجبهم على أكمل الوجوه، ونصحوا الأمة، فإن الله يعلم ذلك، ولا يخفى عليه شيء من ذلك، ولكن في هذا السؤال والإتيان بالجواب إقامة حجة على المنكرين والمكذبين للمرسلين، وإعلان للملأ الكبير هناك أنه لا عذر لمعتذر، ولا حجة لمنكر، لأن الرسالات الإلهية بلغها الرسل وأقامت الحجج والبراهين على حقيتها وصدقها.
فيسأل المرء عن كلمة التوحيد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تُسألون عن لا إله إلا الله" رواه الترمذي.
ويُسأل المرء عن الصلاة وهي أول ما يسأل عليها، وعن سائر عمله.
جاء عن قبيصة بن حُريت رضي الله عنه قال: قدمتُ المدينة فقلت: اللهم يَسِّرْ لي جليساً صالحاً يحدثني بحديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلَّ الله ينفعني به، فجلست إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقلت: إني سألت الله تعالى أن يرزقني جليساً صالحاً، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة من عمله الصلاة، فإن صلحت فقد أفلح ونجا، وإن فسدت فقد خاب وخسر، وإن انتقص من فريضة شيئاً قال الرب تبارك وتعالى للملائكة: انظروا هل لعبدي من تطوع (نوافل فوق الفرائض) فيكمَّل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك" رواه الترمذي والنسائي وغيرهما.
ويسأل الإنسان عن أهله وعما استرعاه الله تعالى:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه: حفِظ أم ضيَّع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته (هل أدى واجبه الديني نحو أهل بيته وأحسن رعايتهم وعشرتهم أم أساء)" رواه أبن حبان في صحيحه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته" رواه البخاري ومسلم.
ويسأل الإنسان عن السمع والبصر والفؤاد.
قال الله تعالى: {ولا تَقْفُ (ولا تتبع) ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً} [الإسراء: 36].
والمعنى: أن الله ينهى الإنسان أن يتتبع ما ليس به علم من مسموعات ومبصَرات أو معلومات أو تصديقات قلبية ونحو ذلك بأن يتتبع الأوهام والشكوك والظنون مما لا دليل فيه يثبت العلم.
وذلك أن الإنسان يسأل عن سمعه وبصره وفؤاده أين صرف ذلك، وإلى أي جهة وجهها هل تصرف بسمعه وبصوته وفؤاده، فيما أحل الله أو فيما حرَّم الله؟
فليتقِ الإنسان ربَّه في سمعه وبصره وفؤاده، وليعلم أن كل ما يمرُّ عليه سمعه وبصره وفؤاده ويَتوجه إليه - ضمن قدرته وإرادته - فهو مسؤول عنه أي يسأل عنه يوم القيامة فإذا كان في الخير أثابه الله على ذلك وآجره، وإن كان في الشر خاب وخسر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول الله تعالى: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس (أجعلك رئيساً) وتربَّع (وفي رواية مسلم ترتع ومعنى تربَّع تأخذ ربع الغنيمة لأن الملك كان يأخذ الربع من الغنيمة في الجاهلية)، فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ قال: فيقول العبد: لا، فيقول الله تعالى له: اليوم أنساك كما نسيتني". رواه الترمذي.
أي اليوم أتركك في العذاب كما تركت في الدنيا شربعتي وديني ولم تؤمن بلقائي.
فالمؤمن يستعيذ بالله من شر سمعه وبصره، ومن شر لسانه وشر قلبه وشر منيه، وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه هذا الدعاء:
عن شَكلَ بن حُمَيد رضي الله عنه قال: أتيت النبي عن صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله علمني تعويذاً أتعوذ به، قال: فأخذ بيدي ثم قال: "قل: اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي وبصري، وشر لساني، وشر قلبي وشر منييِّ قال: فحفظتها". رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
- ويسأل الإنسان عن عمره وعلمه وماله وجسمه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزرل قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه ما عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه". رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
أي لا يبرح الإنسان مكانه يوم القيامة عن موقف السؤال حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وصرفه أفي طاعة الله أم في معصيته؟.
ويسأل عن علمه ما عمل به، والناس في العلم على مراتب، فكلُّ يُسأل على حسب ما عنده.
ويسأل عن ماله من أين حصل عليه وجمعه أم من حرام أم من حلال؟ وفي أي شيء صرفه في حلال أم في حرام؟
ويسأل عن جسمه فيما أبلاه، فهذا الجسم وما أودع الله تعالى فيه من القوى والعافية أصرف ذلك في الشهوات المحرمة والأهواء النفسية الباطلة حتى تعب جسمه ووهن عظمه وخارت قواه بسبب عصيانه وانتهاكه لما حرم الله؟ أم صرفه فيما يقربه إلى الله تعالى وينال به سعادة الدنيا والآخرة؟
اللهم استعمل أجسادنا وقواتنا في طاعتك آمين.
- ويسأل المرء عن النعيم. قال الله تعالى: {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} [التكاثر: 8] فالإنسان يسأل عن النعيم الذي أصابه في الدنيا، ونعم به، وتلذذ من صحة البدن والعافية ولذة الشراب والماء البارد، ولذة المطعم والمأكل ولذة الظلال الباردة، وغير ذلك من النعم التي تحفنا كل يوم.
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال الزبير: يا رسول الله، وأي نعيم نسأل عنه وإنما هو الأسودان التمر والماء؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أما أنه سيكون".
يعني سيكون السؤال عن التمر والماء وغيرهما من ألوان الأطعمة والأشربة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال لهما صلى الله عليه وسلم: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟" فقالا: الجوع يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "وأنا الذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، فقوموا" فقاموا معه فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت: مرحباً وأهلاً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أين فلان؟! قالت: ذهب يستعذب لنا الماء، إن جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني.
قال: فانطلق فجاءهم بعِذْقٍ فيه بُسر وتمر رطب (كالعنقود من العنب) فقال: كلوا، وأخذ المدية (السكين) ليذبح الشاة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياك والحلوبَ (لا تذبح شاة حلوباً)" فذبح لهم شاة غير حلوب، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العِذق، وشربوا، فلما شبعوا ورَوَوْا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: "والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم". رواه مسلم.
ويسأل الإنسان عن نيته ومراده من الأعمال الصالحة هل كان في ذلك العمل مخلصاً لله تعالى أم كان مقصوده من ذلك العمل الرياء؟.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد فأتي به فعرَّفه نعمه، فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال الله له: كذبتَ، ولكنك قاتلت لأن يقال: هو جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل تعلم العلم وعلَّمه وقرأ القرآن ، فأتي به فعرَّفه نعمه، فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت ليقال عالم، وقرأت القرآن، ليقال هو قاريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار.
ورجل وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال، فأتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال الله تعالى له: كذبت، ولكنك أنفقت ليقال هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار". رواه مسلم والنسائي والترمذي وابن حبان.
أخذ كتب الأعمال:
قال الله تعالى: {يومئذٍ تُعرضون (وهي العرضة الثالثة وفيها تطاير الصحف) لا تخفى منكم خافية* فأمَّا من أوتي كتابه بيمينه فيقول هآؤم (خذوا أو تعالوا) اقرءوا كتابيه (كتابي، والهاء للسكت) * إني ظننت أني ملاقٍ حسابيه* فهو في عيشة راضية (مرضية) * في جنة عالية* قطوفها دانية (ثمارها قريبة التناول إذا تجنى) * كلوا واشربوا هنيئاً (أكلاً غير منغص ولا مكدَّر) بما أسلفتم في الأيام الخالية* وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه* ولم أدر ما حسابيه* يا ليتها كانت القاضية (الموتة القاطعة لأمري ولم أبعث) * ما أغنى عني (ما دفع عني) ماليه (الذي كان لي من المال) * هلك عني سلطانيه (تسلطي وقوتي) * خذوه فغلوه (اجعلوا القيد في يديه وعنقه) * ثم الجحيم صلوه (أحرقوه في الحميم) * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه (فأدخلوه فيها) * إنه كان لا يؤمن بالله العظيم* ولا يحض (يُحرض) على طعام المسكين* فليس له اليوم ههنا حميم (قريب مشفق يحميه من العذاب الأليم) * ولا طعام إلا من غسلين (صديد أهل النار) * لا يأكله إلا الخاطئون (الكافرون)} [الحاقة: 18 - 37].
وقال تعالى: {يا أيها الإنسان إنك كادحٌ (جاهد في عملك إلى لقاء ربك) إلى ربك كدحاً فملاقيه (فملاق لا محالة جزاء عملك) * فأما من أوتي كتابه بيمينه* فسوف يحاسب حساباً يسيراً* وينقلب إلى أهله مسروراً* وأما من أوتي كتابه وراء ظهره* فسوف يدعو ثبوراً* (ينادي هلاكاً قائلاً يا ثبوراه) ويصلى سعيراً (يدخلها)* إنه كان في أهله مسروراً* إنه ظن أن لن يحور (لن يرجع إلى ربه تكذيباً بالبعث) * بلى إن ربه كان به بصيراً} [الأشقاق: 6 - 15].
وعن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت النار فبكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يبكيك؟ فقالت: ذكرت النار فبكيت، فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أمَّا في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحدٌ أحدٌ: عند الميزان حتى يعلم أيخفُّ ميزانه أم يثقل؟ وعند تطاير الصحف حتى يعلم أين يقع كتابه في يمينه أم في شماله أم وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم". رواه أبو داود.
- من أخذ كتابه بيمينه يبيض وجهه ومن أخذ كتابه بشماله يسود وجهه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يوم ندعو كلَّ أناسٍ بإمامهم} قال: "يدعى أحدهم فيعطى كتابه بيمينه، ويمدّ له في جسمه ستون ذراعاً ويبيض وجهه، ويجعل على رأسه تاج من لؤلؤ يتلألأ، قال: فينطلق إلى أصحابه، فيرونه من بعيد فيقولون: اللهم بارك لنا في هذا حتى يأتيهم فيقول: أبشروا فإن لكل رجل منكم مثل هذا.
وأما الكافر: فيعطى كتابه بشماله ويسوَّد وجهه، ويمد له في جسمه ستون ذراعاً، ويجعل على رأسه تاج من نار، فيراه أصحابه فيقولون: اللهم أخِّره، اللهم لا تأتنا به فيأتيهم فيقول: أبعدكم الله، فإن لكل رجل منكم مثل هذا". رواه الترمذي وحسنة وابن حبان في صحيحه ورواه الحاكم وصححه.
وفي هذا الشأن قال الله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون* وأمَّا الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} [آل عمران: 106 - 107].
الحساب:
معنى الحساب: وهو أن يطلع الله عباده قبل أن ينصرفوا من المحشر على كل ما قد صنعوه وفعلوه في حياتهم الدنيا من تصرفات اعتقادية وقوليه وفعليه سواء كانت خيراً أو شرَّاً.
قال الله تعالى: {إن إلينا إيابهم (رجوعهم) * ثم إن علينا حسابهم} [الغاشية: 25 - 26].
والآيات كثيرة في ذكر الحساب وهول هذا اليوم العظيم، وقد مدح الله الذين يستعدون ليوم الحساب ويخافونه، قال الله تعالى: {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} [الرعد: 21]. وذم الله الذين نسوا يوم الحساب، ولم يخشوا هذا اليوم قال الله تعالى: {إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} [ص:26].
وفي ذلك تحذير من نسيان يوم الحساب، ووعيد لمن نسيه.
وقد بَيَّنَ الله تعالى أن محاسبة عباده سوف تأتي علىجميع الأعمال العلانية والسرية، والجسمية والقلبية، والبادية الظاهرة والنفسية الخفية.
قال الله تعالى: {لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا (تُظهروا) ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير} [البقرة: 284].
فالأعمال القلبية من الحب والبغض والحسد والحقد، والنيات الحسنة والنيات السيئة والهم والعزيمة في الخير والشر، كلُّ أولئك يحاسب به العبد يوم القيامة، فيثاب على خيرها ويعاقب على شرها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة أُقسم عليهن، وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: ما نقص مال من صدقة، وما ظُلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزَّاً، وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله تعالى.
قال وأحدثكم حديثاً فاحفظوه: إنما الدنيا لأربعة فمن: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو يتقي في مال ربَّه، ويصل فيه رحمه، ويعلم أن لله فيه حقاً، فهو في أعلى المنازل، ورجل آتاه الله العلم ولم يؤته مالاً، يقول: لو أن له مثل فلان (مثل الذي معه مال الرجل الذي سبقه في الذكر) لعملت مثله فهو بنيته وأجرهما سواء، ورجل آتاه مالاً ولم يؤته علماً، فهو يخبط في ماله لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، فهذا في أخبث المنازل، ورجل لم يؤته مالاً ولا علماً يقول لو أن لي مثل فلان (صاحب المال الذي لا يتقي فيه ربَّه) لعملت مثله (من إرتكاب الشهوات وفعل الحرام وأنواع الفسق) فهو بنيته ووزرهما سواءً" رواه الترمذي وأحمد.
والهمُّ له اعتباره في الحساب والثواب والعقاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الحسنات والسيئات فمن همَّ بها فعملها كتبت له عشر حسنات إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وإن همَّ بسيئة فلم يعملها (مخافة من الله) كتبت له حسنة كاملة، وإن همَّ بها فعملها كتبت له سيئة واحدة". رواه البخاري ومسلم.
والإرادات العازمة يحاسب عليها الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: "إنه أراد قتل صاحبه (في رواية كان حريصاً على قتل صاحبة)". رواه البخاري ومسلم.
فالمعنى أن القاتل سبقه فلم يحقق المقتول إرادته وهي قتل صاحبه فعلاً.
وأما الخواطر السريعة والوساوس وحديث النفس السيء الذي لم يوطن الإنسان نفسه عليه، ولم يهمَّ به، ولم يعزم صاحبه على إظهاره إلى الوجود، بل يكرهه ويدفعه عن نفسه فهو معفو عنه.
قال الله تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} [البقرة: 286].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى تجاوز لأمتي ما حدَّثت به أنفسها ما لم يعملوا به أو يتكلموا به". رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوه: إنَّا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به! قال: "أوجدتموه؟" قالوا: نعم. قال: "ذلك صريح الإيمان". رواه مسلم.
فما يصيب الإنسان وساوس سيئة، وهو ينكرها، ولا يرتضيها فهو غير مؤاخذ عليها، بل إن إنكاره لها وتأذيِّه منها، ووجود ألم نفسي بسببها، ففي هذا دليل واضح على محض الإيمان وصراحته.
- أصناف الناس الذي يُحاسبون:
أ- صنف يحاسبون حساباً يسيراً وهو أن تعرض على العبد أعماله فيعرَّف بالطاعة والمعصية ثم يثاب على الطاعة ويتجاوز له عن المعصية، فلا شدة فيه على صاحبه ولا مناقشة ولا يطالب بالعذر فيه ولا الحجة عليه فإنه متى طولب بذلك لم يجد عذراً ولا حجة فيفنضح.
قال الله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه* فسوف يحاسب حساباً يسيراً} [الأنشقاق: 7-8].
عن عائشة رضي الله عنهما، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نوقش الحساب عُذِّب".
قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، أليس قد قال الله عزَّ وجلَّ: {فسوف يحاسب حساباً يسيراً} فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس ذاك الحساب إنما ذاك العرض، ومن نوقش يوم القيامة عذِّب". رواه البخاري ومسلم.
فالمعنى: أن أهل الحساب اليسير لم يحاسبوا مناقشة وتدقيقاً وإنما حسابهم عرض أعمالهم ثم التجاوز عن سيئاتهم.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ رجلاً سأله: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يُدني المؤمن فيضع عليه كنفَه ويستره، فيقول: أتعرف ذنبَ كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول العبد: أعرف ربِّ أعرف ربِّ، حتى إذا قرَّره بذنوبه ورأى نفسه أنه قد هلك قال الله تعالى: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى كتاب حسناته".
- وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين". رواه البخاري.
ب- صنف يحاسبون حساباً عسيراً:
وهؤلاء صنف يحاسبهم الله حساباً عسيراً تدقيقاً، ومناقشة، ولابد أن يعذبوا ويهلكوا، وهؤلاء يأخذون كتبهم بشمائلهم أو من وراء ظهورهم أعاذنا الله من ذلك.
وقال الله تعالى: {وأما من أوتي كتابه بشماله* فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه (يقول هذا الكلام بسبب ما سيلاقيه من العذاب الأليم)} [الحاقة:25].
وقال تعالى: {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبوراً (يقول يا ثبوراه أي ينادي هلاكاً) * ويصلى سعيراً (يدخل النار التي هي العذاب الأليم)} [الأنشقاق: 10 - 12].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: "من نوقش الحساب عُذِّب". رواه البخاري ومسلم
ج- صنف يدخلون الجنة بغير حساب:
فهؤلاء يدخلون الجنة بغير حساب بسبب توكلهم على الله توكلاً عالياً خاصاً، ويدخل بمعيتهم أعدادٌ من الناس كثيرة وهذا لكرامتهم وفضلهم عند الله تعالى.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرضت عليَّ الأمم فأخذ النبي يمرُّ ومعه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي يمر معه العشرة، والنبي يمر معه الخمسة، والنبي يمر وحده، فنظرتُ فإذا سواد كثير (أشخاص)، قلت: يا جبريل هؤلاء أمتي؟ فقال: لا، ولكن انظر إلى الأفق، فنظرت فإذا سواد كثير، فقال جبريل هؤلاء أمتك، وهؤلاء سبعون ألفاً قُدَّامَهم لا حساب عليهم ولا عذاب. قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون". رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أعطيتُ سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، وجوههم كالقمر ليلة البدر، قلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدتُ (طلب من الله الزيادة) ربي فزادني مع كل واحد سبعين ألفاً". رواه أحمد.
ومِن جملة الذين لا حساب لهم:
* الشهداء والعافون عن الناس:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دماً، فازدحموا على باب الجنة، فقيل: من هؤلاء؟ قيل: الشهداء كانوا أحياء يرزقون، ثم نادى منادٍ: ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، ثم نادى الثانية: ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة، قيل: ومن ذا الذي أجره على الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: العافون عن الناس، ثم نادى الثالثة : ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة. فقام كذا وكذا الفاً فدخلوها بغير حساب". رواه الطبراني بإسناد حسن.
* والعلماء العاملون:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عزَّ وجلَّ للعلماء يوم القيامة: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي". رواه الطبراني ورواته ثقات.
موقف الشهادات:
لقد دلت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث الشريفة على أن الشهداء يوم القيامة هم أصناف متعددة، وهذا موقف خطير وشأنه كبير تحق فيه الحقائق وتقوم به الحجة، وفي ذلك اليوم لا ينفع الظالمين معذرتهم لأن الحجة قامت عليهم بشهادة الأشهاد فلا جحود ولا عناد. ومن الأصناف التي تشهد يوم القيامة على الناس:
- شهادة الرسل على أممهم:
يشهدون بالإيمان لمن آمن وبالكفر على من كفر.
قال الله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} [البقرة: 143].
وقال تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً* يومئذٍ يودُّ الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوَّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثاً} [النساء: 41-42].
والمعنى أن الكفار يود أحدهم أن يدفن في الأرض وهو لا يكتم الله حديثاً.
- شهادة الملائكة الكرام الكاتبين على العبد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقال للعبد يوم القيامة كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، وبالكرام الكاتبين عليك شهوداً فيختم على فيه (فمه)، ويقال لأركانه انطقي فتنطق بعمله ثم يخلَّى بينه وبين الكلام، فيقول بعداً لكُنَّ وسحقاً، فعنكنَّ كنت أناضلُ" رواه مسلم.
- شهادة الجوارح والجلود على العبد:
قال الله تعالى: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} [النور: 24].
وقال تعالى: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} [يس: 65].
وقال تعالى : {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أوَّل مرة وإليه ترجعون} [فصلت: 21].
- شهادة الأرض على كل عبد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {يومئذ تحدث أخبارها} [الزلزلة: 4]. قال: "أتدرون ما أخبارها؟ قالوا الله ورسوله أعلم. قال: فإن أخبارها أن تشهد على كلِّ عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا، فهذه أخبارها" رواه الترمذي والنسائي وغيرهما.
الميزان:
قال الله تعالى: {والوزن يومئذٍ الحقّ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون* ومّن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون } [ الأعراف: 8-9 ]
- فإن يوم الوزن حق وثابت الوقوع، وهذا الإظهار الحقِّ، حيث يقام موازين حسية وعندئذٍ تتمثل أعمال الإنسان وأقواله بذاتها أو بواسطة صحائفها، فتوزن فمن كان أمره صالحاً فقد ثقلت موازينه ورجحت مقادير حسناته وكان من الناجين المفلحين، ومن كان أمره غير ذلك فقد خفت موازينه ورجحت مقادير سيئاته فهو من الخاسرين الهالكين.
}فأما من ثقلت موازينه* فهو في عيشة راضية* وأما من خفت موازينه* فأمه هاوية (مأواه جهنم يهوي فيها)* وما أدراك ما هيه (ما هي والهاء للسكت) * نارٌ حامية } [القارعة: 6-11 ].
وفي هذا تحذير وتخويف للعباد لئلا يسلكوا طريق النار الحامية بل عليهم أن يباعدوا أنفسهم عن فعل المحرمات والمخالفات التي نهى الله عنها.
- الدقة في الميزان:
وفي يوم الوزن لا تظلم نفس شيئاً فلا ينقص مالها شيء، ولا يزاد فيما عليها شيء، فكله يوزن، ولو كان مثقال حبة من خردل أي صغيراً جداً جداً، وفي هذا إظهار لعدالة الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى:
}ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين} [ الأنبياء: 47 ].
- ويثقل الميزان الحسنات:
ومن جملة الحسنات المثقلة للميزان:
* حسن الخلق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما من شيء يوضع في الميزان يوم القيامة أثقل من حسن الخلق". رواه أبو داود والترمذي.
* الإكثار من التسبيح والتحميد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان حبيبتان إلى الرحمان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"
* شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عزَّ وجلَّ سيخلِّص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق فينشر له تسعة وتسعين سجلاً كل سجلٍّ مدَّ البصر، فيقول الله تعالى له: أتنكر من هذا شيئاً؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا ربِّ. فيقول: أفلك عذر؟ فيقول: لا، يا ربِّ. فيقول الله عزَّ وجلَّ: بلى إن لك عندنا حسنة، فإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فيقول الله: احضُر وزنك، فيقول: يا ربِّ ما هذه البطاقة مع هذه السجلات ؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تُظلم، فتوضع السجلات في كفَّة والبطاقات في كفَّة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، ولا يثقل مع اسمه تعالى شيء". رواه الترمذي.
الصراط:
أ- معنى الصراط:
وهو الجسر الذي ينصب على نار جهنم يوم القيامة، فيجتاز عليه الناس على اختلاف مذاهبهم وأضرابهم وتفاوت درجاتهم، فمنهم من يمرَّ كطرف العين، ومنهم كالبرق، ومنهم كالريح، ومنهم كالطير ومنهم كأجاويد الخيل والركاب ومنهم من يبدو له أن الصراط أدق من السيف، ومنهم من يقع من فوقه ثم يهوي في النار أعاذنا الله من ذلك.
قال الله تعالى: {ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأتىّ يبصرون} [يس: 66].
ب- صفة الصراط :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلَّم : "بلغني أن الجسر (الصراط) أدق من الشعر وأحدُّ من السيف". رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله هل يذكر الحبيب حبيبه يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة أما عند ثلاث فلا، أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا، وأمَّا عند تطاير الكتب فإما أن يعطى بيمينه أو يعطى بشماله، وحين يخرج عنق النار فينطوي عليهم، ويقول ذلك العنق وُكِّلت بثلاثة:
وكِّلت بمن ادعى مع الله إلهاً آخر، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، ووكلت بكل جبار عنيد. قال: فينطوي عليهم (على الثلاثة المذكورين) ويرمى بهم في غمرات النار.
قال: ولجهنم جسر أدق من الشعر وأحد من السيف عليه كلاليب (حديدة معطوفة الرأس يعلق فيها ويقال لها الكلاب) وحسك (وهو نبت ذو شوك وهذا تشبيه لحدة الآلات المحمولة) يأخذون من شاء الله تعالى، والناس عليه كالطرف (كطرفة عين أي سرعة هائلة) وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب. والملائكة يقولون: ربِّ سلِّم سلِّم فناج مُسلَّم، ومخدوش مُسلَّم ومكوَّر ( يُلَّف) في النار على وجهه". رواه أحمد.
ج- أحوال الناس في جوازهم الصراط:
أشار الله تعالى إلى الصراط وإلى صعوبة هذا الموقف العظيم.
{وإن منكم إلا واردها (يرِد النار أي يحضرها بالمرور على الصراط المدود عليها) كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين جثياً (باركين على ركبهم لشدة الهول)} [مريم: 71 - 72].
- والذي يمر على الصراط المستقيم اصناف:
-1 منهم يُسلَّم فلا يخدش، ولا يصيبه أيُّ مكروه، وهم المؤمنون حقاً الصادقون.
-2 ومنهم من يخدش ويناله مكروه من النار ثمَّ بعد ذلك يخلص الذين يمرون على الصراط وهم آمنون مطمئنون، لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
-3 ومنهم من يلفُّ ويلقى، فيسقط في جهنم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ثم يضرب الجسر على جهنم وتحلُّ الشفاعة ويقولون (الأنبياء عليهم السلام): اللهم سلِّم سلِّم، قيل: يا رسول الله وما الجسر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: دحضُ مزلَّة، فيه خطاطيف (حديدة يختطف بها) وكلاليب وحسك تكون بنجد (منطقة في الحجاز) فيها شويكة يقال لها السعدان (نبات ذو شوك) فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب.
فناج مُسلَّمٌ ومخدوش (مخموش ممزق) مرسل، ومكدوس (يلقى بعضهم فوق بعض في جهنم) في نار جهنم. حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده (قسم بالله) ما منكم من أحدٍ بأشدّ مناشدةً لله تعالى في استقصاء الحقّ من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار.
يقولون: ربنا كانوا يصومون، ويصلون ويحجون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم فَتحرَّم صُورهم على النار، فيُخرجون خلقاً كثيراً، قد أخذت النار إلى نصف ساقية وإلى ركبتيه ...". رواه مسلم.
د- الحكمة من المرور على الصراط:
إن من استقام على الصراط المستقيم أي الطريق القويم في الدنيا، خفَّ على صراط الآخرة ونجا، ومن مال عن الاستقامة في الدنيا وأثقل ظهره بالأوزار وعصى، تعثر في أول قدم من الصراط وسقط وهوى.
فالصراط الذي هو جسر ينصب على نار جهنم، إنما هو تجسيد لمعنى الصراط أي الطريق الذي ألزم الله به عباده في الدنيا.
فكن يا أخي سالكاً الطريق المستقيم في الدنيا حتى تسلك الصراط بسهولة يوم القيامة، ولا تكن من الذين مالوا عن الاستقامة في الدنيا، فإنهم لا شك ولا ريب سيميلون عن الصراط في الآخرة، وتزلّ أقدامهم.
اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام.
الشفاعة:
إن الشفاعة يوم القيامة لا يتقدم إليها أحدٌ إلا بإذنه تعالى قال الله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255].
وقال تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28].
- أنواع الشفاعة:
أ- الشفاعة العظمى: هي من خصائص الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، وتكون أول الشفاعات، وهي تعمُّ جميع أهل الموقف على مختلف أديانهم، وبها يتخلصون من أهوال الموقف (أهل المحشر) وكرباته بعد اشتدادها وطولها، ثم ينفضُّ أمرهم إلى العرض والحساب والميزان.
فالشفاعة العظمى هي المقام المحمود:
قال الله تعالى: {ومن الليل فتهجد (الصلاة ليلاً بعد الاستيقاظ) به نافلة (فريضة زائدة خاصة بك) لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً (مقام الشفاعة العظمى)} [الإسراء: 79].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الناس يصيرون يوم القيامة (يجلسون على ركبتيهم) جُثى كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع لنا، حتى تنتهي الشفاعة إليَّ، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود". رواه البخاري.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في دعوةٍ، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه فنهس منها نهسةً، وقال: "أنا سيِّد ولد آدم يوم القيامة، هل تدرون ممَّ ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين على صعيد واحد، فيبصرهم الناظر، ويسمعهم الداعي، وتدنو منهم الشمس، فيبلغ الناس من الغمِّ والكرب مالا يُطيقون ولا يحتملون فيقول الناس: ألا ترون إلى ما أتنم فيه ألا ترون إلى ما بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم، فيأتونه، فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، وأسكنك الجنة، ألا تشفع لنا إلى ربك؟ ألا ترى ما نحن فيه، فيقول: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيتُ، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح، فيأتون نوحاً، فيقولون: يا نوح أنت أوَّل الرسل إلى أهل الأرض، وقد سمَّاك الله عبداً شكوراً، ألا ترى إلى ما نحن فيه، ألا ترى إلى ما بلغنا؟ ألا تشفع لنا عند ربك؟ فيقول: إنَّ ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كان لي دعوة دعوتُ بها على قومي، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى إبراهيم، فيأتون إبراهيم فيقولون: أنت نبيّ الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا عند ربك، أما ترى ما نحن فيه؟
فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده، ترى ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني كنتُ كذبت ثلاث كذباتٍ، فذكرها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى، فيأتون موسى، فيقولون: أنت رسول الله فضلك الله برسالاته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك، أما ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفساً لم أومَرْ بقتلها، نفسي نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى، فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وكلَّمتَ الناس في المهد، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا محمد أنتَ رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ اشفع لنا إلى ربك، قال: فأستأذن على ربي فيؤذن لي، فإذا أنا رأيته، وقعت له ساجداً فيدعني ما شاء الله. فيلهمني الله محامد لا أقدر عليها الآن، فأحمده بتلك المحامد، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، وسلْ تعط واشفع تشفَّع، فارفع رأسي، فأقول: يا ربّ أمتي أمتي، فيقال: يا محمد أدخِل الى الجنة من أمتك مَن لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنَّ بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وهَجَر، أو كما بين مكة وبصرى". رواه البخاري ومسلم والترمذي
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يجمع الله الناس يوم القيامة، فيهتمُّون لذلك، وفي رواية: فيلهمون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم فيقولون: أنتَ آدم أبو الخلق، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا عند ربك حتى يُريحنا من مكاننا هذا، ليقول: لستُ هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب، فيستحيي ربَّه منها، ولكن ائتوا إبراهيم الذي اتَّخذه الله خليلاً، فيأتون إبراهيم، فيقول: لستُ هناكم، وذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي ربَّه منها، ولكن ائتوا موسى الذي كلمَّه الله تعالى، وأعطاه التوراة، قال: فيأتون موسى، فيقول لست هناكم، ويذكر خطيئته التي أصاب، فيستحي ربَّه منها، ولكن ائتوا عيسى روح الله وكلمته، فيأتون عيسى روح الله وكلمته، فيقول: لستُ هناكم، ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيأتونني ، فأستأذن على ربي، فيؤذن لي، فإذا أنا رأيته وقعتُ له ساجداً فيدعني ما شاء الله، فيقال: يا محمد ارفع، قل يُسمع، سل تعطه، اشفع تشفَّع، قال: فأرفع رأسي، فأحمد ربي بتحميد يعلمنيه ربي، ثم أشفع فيحدّ لي حداً، فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، قال الرواي: فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة فأقول: يا ربّ ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود". رواه البخاري ومسلم.
ب- شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوم يدخلون الجنة بغير حساب:
ويدلُّ على ذلك ما تقدم في آخر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: "فأرفع رأسي، فأقول: يا ربِّ أمتي أمتي. فيقال: يا محمد أدخِل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب".
ج- شفاعة رسول الله لعصاة المؤمنين:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكّل بني دعوة مستجابة، فتعجّل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً". رواه مسلم.
وقال عليه الصلاة والسلام: "يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم فيدخلون الجنة يُسَمَّون الجهنميين". رواه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه". رواه البخاري.
د- شفاعة الأنبياء والملائكة والصديقين والعلماء والشهداء والصالحين:
ورد في الحديث الطويل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فيقول الله تعالى: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين ...." رواه البخاري ومسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء". رواه ابن ماجه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أمتي من يشفع للفئام (الجماعات بالقبائل)، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرجل حتى يدخلوا الجنة". رواه الترمذي وأحمد.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فاستظهره (أجاد حفظه)، فأحلَّ حلاله وحرم حرامه أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته قد وجبت لهم النار". رواه الترمذي وابن ماجه.
وقال صلى الله عليه وسلم: "يُصَفُّ أهل النار فيمر بهم أهل الجنة، فيقول الرجل (من أهل النار): يا فلان أما تعرفني؟ أنا الذي سقيتك شربة، وقال بعضهم: أنا الذي وهبت لك وَضوءاً (ماء الوضوء) فيشفع له (الذي هو من أهل الجنة وهو الرجل الصالح) فيدخله الله الجنة". رواه ابن ماجه.
تنبيه: لا يُشفع للكافرين الذين مصيرهم النار خالدين فيها أبداً.
قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء:116].
الحوض:
أ- الحوض مكرمة خصَّ الله تعالى بها محمداً صلى الله عليه وسلم:
وفي سورة الكوثر، إشاره إلى ذلك:
قال الله تعالى: {إنا أعطيناك الكوثر* فصل لربك وانحر* إن شانئك (فبعضك) هو الأبتر (المقطوع الخير)} [الكوثر: 1 - 3].
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: هو الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه.
قال أبو بشير: قلت لسعيد بن جبير: فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة؟ فقال سعيد: النهر الذي في الجنة هو من الخير الذي أعطاه الله إياه. رواه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنهما قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه ضاحكاً، فقيل له: ما أضحكك يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "نزلت عليّ سورة آنفاً (الآن)، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها، قال: أتدرون ما الكوثر؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال إنه نهر وعدنيه ربي عزَّ وجلَّ، عليه خير كثير، وهو حوض تَرِد عليه أمتي يوم القيامة: آنيته عدد نجوم السماء فيُختلج العبد منهم، فأقول: ربِّ إنه من أمتي، فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك". رواه البخاري ومسلم.
وذلك النهر هو في الجنة يسمَّى كوثراً ويمتد فيه إلى الموقف فيسمَّى الحوض ترد عليه أمة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
ب- سعة الحوض وكثرة آنيته وحلاوة مائة وبياض لونه:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء، وماؤه أبيض من الورِق (الفضة) وريحه أطيب من المسك، وكيزانه (كوؤسه) كنجوم السماء فمن شرب منه فلا يظمأ بعده أبداً". رواه مسلم.
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ما آنية الحوض؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لآَنيتُه أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، إلا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ، آخر ما عليه يشخب (يجري) ميزابان من الجنة من شرب منه رواه مسلم.
لم يظمأ، عرضه مثل طوله ما بين عَمَّان (مدينة في عراق الشام على الساحل البحر متوسطة بين مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودمشق. وهذا للإعلام بسعة الحوض) إلى أيْلة (بلدة بالبلقاء في الشام) ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل".
ج- انتظار رسول الله أمته الواردين على الحوض:
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وصلى على شهداء أحدٍ صلاته على الميت ثم انصرف إلى المنبر فقال: "إني فَرَط (الفارط: وهو الذي يتقدم الواردين ليصلح لهم الحياض والدلاء. والمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر أمته الواردين عليه المتبعين له، وذلك ليستقبلهم ويسقيهم) لكم وأنا شهيد عليكم وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها". رواه البخاري ومسلم.
د- استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على الحوض ومعرفته لهم بسيماهم من بين الأمم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن حوضي لأبعدُ من أيْلة من عدن (وهذا تقدير لسعة الحوض)، والذي نفسي بيده إني لأذود عنه (أمنع عن الحوض) الرجال (من غير أمته) كما يذود (كما يمنع) الرجل الإبل القريبة، قالوا: يا رسول وتعرفنا؟ قال: نعم، ترِدون عليَّ غراً مُحجَّلين من آثار الوضوء ليست لأحدٍ غيركم". رواه مسلم.
الغُرَّة : بياض في جبهة الفرس.
والتحجيل : بياض في يديها ورجليها. وسمي النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غرَّة وتحجيلاً وهذا تشبيه بغرة الفرس وتحجيله.
الجنة والنار:
أ- الجنة: وهي دار نعيم قد أعدَّها الله للمؤمنين في الآخرة وهي جزاء لهم بما كانوا يعملون من الأعمال الصالحة.
قال الله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين} [آل عمران: 133].
وقال الله تعالى: {وأمَّا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى* فإن الجنة هي المأوى (هي المرجع والمُقام)} [النازعات:40-41].
وقد بينَّ الله سبحانه وتعالى تفصيلاً في القرآن الكريم عن الجنة ونعيمها وأنهارها وأشجارها وثمارها وطعامها وشرابها وثيابها، وحُلَلْها ومساكنها وغرفها وحورها ... وليعلم أن نعيم الجنة لا يشبه نعيم الدنيا قال الله تعالى: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرَّة أعين (موجبات المسرة والفرح) جزاءً بما كانوا يعملون} [السجدة: 17].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال تعالى: أعددت لعبادي الصالحين، مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر". رواه البخاري ومسلم.
قال الله تعالى في وصف الجنة وأهلها: {والسابقون السابقون* أولئك المقربون * في جنات النعيم * ثلة (أمة من الناس كثيرة) من الأولين * وقليل من الآخرين * على سرر موضونة (منسوجة من الذهب بإحكام) * متكئين عليها متقابلين* يطوف عليهم ولدان مخلدون (مُبَقَّوْن على هيئة الولدان في البهاء) * بأكواب (أقداح لاعرى لها ولا خراطيم) وأباريق (أوان لها عرى وخراطيم) وكأس (قدح فيه خمر) من معين (خمر جارية من العيون) * لا يصدعون (لا يصيبهم صداع بشربها) عنها ولا ينزفون (لا تذهب عقولهم بسببها) * وفاكهة مما يتخيرون * ولحم طير مما يشتهون * وحور عين (نساء بيض واسعات الأعين حسانها) * كأمثال اللؤلؤ المكنون (المصون في أصدافه مما يُغَيِّره)* جزاءً بما كانوا يعملون* لا يسمعون فيها لغواً (كلاماً لا خير فيه أو باطلاً) ولا تأثيماً (ولا نسبة إلى الإثم أو ما يوجبه) * إلا قيلاً سلاماً سلاماً* وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين* في سدر (في شجر النَّبْق يتنعمون به) مخضود (مقطوع شوكه) * وطلح (شجر الموز أو مثله) منضود (نُضِّدَ بالحمل من أسفله إلى أعلاه) * وظل ممدود (دائم لا يتقلص أو ممتد منبسط) * وماء مسكوب (مصبوب يجري في غير أخاديد) * وفاكهة كثيرة* لا مقطوعة ولا ممنوعة* وفرشٍ مرفوعة (على الأسرة) * إنا أنشأنهن إنشاءً* فجعلنهن أبكاراً* عرباً (متحبِّبات إلى أزواجهن) أتراباً (مستويات في السن) * لإصحاب اليمين* ثلة من الأولين* وثلة من الآخرين} [الواقعة: 10-40]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة؟ فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا ربِّ، وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟ فيقول: أحِلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبداً". رواه البخاري.
ب- النار: وهي دار عذاب قد أعدَّها الله للكافرين والمستكبرين عن طاعة الله وعبادته.
قال الله تعالى: {فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أُعِدَّت للكافرين} [البقرة: 24].
وقال الله تعالى: {واتقوا النار التي أُعدَّت للكافرين} [آل عمران: 131].
وقال الله تعالى: {وأمَّا من طغى وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوى (المرجع والمقام)}.
وقد وصف الله تبارك وتعالى الله وقود النار ونيرانها المتأججة ووصف طعامها وشرابها ووصف عذابها بما يدخل الرعب في قلوب المجرمين وقلب كل متكبر جبارٍ أثيم.
وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أهون أهل النار عذاباً فقال: "إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لَرَجلٌ توضع في أخمص (المتجافي عن الأرض من الرجل عند المشي) قدميه كجمرةٌ (قطعة من النار ملتهبة) يغلي منها دماغه". رواه البخاري
قال الله تعالى في وصف النار وأهلها: {إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً، كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً} [النساء: 56].
وقال تعالى: {إن المجرمين في ضلال وسُعر (نيران مسعرة)* يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مسَّ سقر} [القمر: 47 - 48].
وقال تعالى: {وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال* في سموم (ريح شديدة الحرارة تدخل المسام) وحميم (ماء بالغ غاية الحرارة) * وظلٍ من يحموم (دخان شديد السواد أو نار) * لا بارد ولا كريم (لا نافع من أذى الحر) * إنهم كانوا قبل ذلك مترفين (مُنَعمِينَ متبعين أهواء انفسهم) * وكانوا يصرون على الحنث (الذنب العظيم وهو الشرك) العظيم* وكانوا يقولون إئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً إءنا لمبعوثون* أو أباؤنا الأولون* قل إن الأولين والآخرين* لمجموعون إلى ميقاتِ يوم معلوم* ثم إنكم ايها الضالون المكذبون* لآكلون من شجر من زقوم (شجر كريه الرائحة في النار) * فمالئون منها البطون* فشاربون عليه من الحميم* فشاربون شرب الهيم (الإبل العطاش التي لا تروى) * هذا نزلهم (ما أُعِدَّ لهم من الجزاء) يوم الدين (يوم القيامة)} [الواقعة: 41 - 56].
وقال تعالى: {وجوه يومئذٍ خاشعة (ذليلة خاضعة من الخزي)* عاملة (تجرُّ السلاسل والأغلال في النار) ناصبة (تعبة مما تلاقيه فيها من العذاب) تصلى ناراً حامية (تدخل ناراً تناهى حرُّها) * تسقى من عين آنية (بلغت غايتها في الحرارة) * ليس لهم طعام إلا من ضريع (شيء في النار كالشوك مُر منتن) * لا يسمن ولا يغنى من جوع (لا يدفع عنهم جوعاً)} [الغاشية: 2-7].
ج- الخلود في كل من الجنة والنار:
إن نعيم الجنة باقٍ خالد لا نهاية، وعذاب جهنم باقٍ لا نهاية له.
قال الله تعالى في الخلود الأبدي لأهل الجنة: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلاً ظليلاً} [النساء: 57].
وقال تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً وعد الله حقاً ومن أصدق من الله قيلاً} [النساء: 122].
وقال الله تعالى في الخلود الأبدي لأهل النار الكافرين: {كذلك يريهم الله أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النار} [البقرة: 167].
وقال تعالى: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً* إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً} [النساء:168-169].
وقال تعالى: {إن الله لعن الكافرين وأعدَّ لهم سعيراً* خالدين فيها أبداً لا يجدون ولياً ولا نصيراً} [الأحزاب: 64 - 65].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلود أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار: "إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح (يجسد على شكل كبش، ثم يجاء به، ويذبح وفي هذا إشارة إلى الخلود والدوام)، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موتَ، ويا أهل النار لا موتَ، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم". رواه البخاري.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت". رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم: "ينادي منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم أن تصيحوا فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وأن تحيوا فلا تموتوا أبداً".
تنبيه أول: عصاة المؤمنين الذين في النار يُعذَّبون ثم يخرجون فيدخلون الجنة.
قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء:48].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، يقول الله من كان في قلبه مثقال حبة من خردلٍ من إيمان فأخرجوه، فيخرجون قد امتُحِشوا (قد احترقوا) وعادوا حُمَمَاً (فحماً)، فَيُلْقَون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحِبَّة (بذر النبت) في حَميل السَّيْل (غثاؤه وهو ما جاء من طين وغيره، فإذا كان فيه حبة واستقرت على شط الوادي تنبت بسرعة) أو قال: حَمِيَّةِ السَّيْل (معظم جريه واشتداده) - وقال النبي صلىالله عليه وسلم - ألم تروا أنها تخرج صفراء ملتوية". رواه البخاري.
تنبيه ثانٍ: إن أهل الكتاب من اليهود والنصارى كفار ويعذبون في النار ويخلدونَ فيها.
قال الله تعالى: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية (الخليقة والناس)} [البينة: 6].