الدولة العثمانية : السلطان عثمان الثالث
السلطان عثمان خان الثالث ابن السلطان مصطفى الثاني 1168 - 1171 هـ
جلس هذا السلطان على سرير السلطنة وعمره 58 سنة وقلد السيف بجامع أبي أيوب الأنصاري كالعادة وأتته سفراء أوروبا للتهنئة وحكم ثلاث سنوات فقط لم يحدث بها حروب ولا منازعات خارجية لالتزامه جانب السلم وتفضيله السكينة واهتم في إصلاح الداخلية وأبعد كثيراً من حاشية السراي الذين اشتهروا بخلق الدسائس وتعكير صفاء الأمن منعاً للقلاقل وأصدر أمراً بمنع كل ما يخالف الشرع الشريف حتى إنه منع الحريمات من التجول في الطرق بهيئة تبرج.
وفي السنة الثانية من سلطنته قامت فتنة بين اللاتين والروم في كنيسة بيت لحم تسبب عنها بعض مشاكل خارجية فاهتم بتسويتها ونفى متره بول الكنيسة المذكورة وفي السنة الأولى من حكمه عزل ثلاثة صدور وهم كوسه ماهر مصطفى باشا وحكيم أوغلي علي باشا ونايلي عبد الله باشا ثم بيقلي علي باشا.
وفي سنة 1169هـ أيضاً غير الوزارة فوجهت الصدارة إلى سعيد محمد باشا وهو الذي أسس المطبعة عند عودته من باريس كما سبق، ثم قتل لأسباب خفية وخلفه كوسه ماهر مصطفى باشا ثانية وتعين على البحرية أحد أمرائها القبوذان قره باغلي سليمان باشا ثم التفت السلطان إلى الحرب البحري الحاصل بين سفن وجاقات الغرب وبين سفائن حكومة نابولي فحسمها بالطرق السلمية ولما ثارت بعض قبائل الأكراد وتحصن بعضهم في قلاع موش و بتليس و ملاس و كرد و مونشان وجه عليهم والي أرضروم فسكن الاضطرابات ولما شقت اليكجرية في بلغراد عصا الطاعة وعاثوا في الأرض فساداً حتى التزم كو ريلي زاده أحمد باشا أن يترك المدينة ساق السلطان عليهم الجنود حتى ردهم إلى الطاعة.
وقبض في سنة 1170هـ على قره عثمان أوغلى الذي أخل بالراحة في سنجقية أيدين وقتله وأخذت الحكومة أمواله وبعد ذلك عزل الصدر الأعظم وخلفه محمد راغب باشا صاحب الآراء السديدة والسياسة الشهيرة وهذا الوزير هو الذي باشر تحرير معاهدة بلغراد مذ كان بوظيفة مكتوبجي فزاد بذلك اطلاعاً على سياسة أوروبا وكان قبل ذلك من مندوبي الدولة في عقد المتاركة مع العجم.
وتولى مصر وبغداد ومع ما قام به هذا الوزير من الخدم الجليلة سعى في حقه أغا دار السعادة أبو وقوف أحمد آغا حتى عزل وقد نجاه الله من القتل بوفاة السلطان الذي توفي فجأة يوم 16 صفر سنة 1171هـ وكان يميل إلى السلم وتم في أيامه بناء المسجد الجامع العظيم الذي ابتدأ في تشييده أخوه السلطان محمود خان وسماه نور عثمانية وفي أول جلوسه ابتدأت في أوروبا الحرب المسماة بحرب السبع سنوات الشهيرة.
حرب روسيا:
اعلم أنه في خلال تلك المدة قامت كترينه زوجة بطرس الثالث حفيد بطرس الأكبر وخلعت زوجها من ملك الروسيا وجلست هي مكانه على كرسي المملكة عقب قتله ثم لما توفي أوغست الثاني ملك بولونيا أخذت تسعى في تعديل القانون الأساسي لهذه المملكة لتنصب عليها عشيقها ستانسلاس بونياتوسكي فقام حينئذ حزب الاستقلال الملي في بولونيا وطلب المساعدة من إنكلترا وفرانسا ولما قطع الأمل من مساعدتهما لإيقاف ما كانت كترينه الثانية تنويه لهم من المضار وعينت بونياتوسكي بالقوة استمد الحزب المذكور الحماية من الدولة العثمانية 1187هـ لحفظ بلاده من تعديات الروسيا.
وكانت الدولة الفرنساوية تحرض الدولة العثمانية وتحثها على إعلان الحرب على الروسيا لأن مداخلة كترينه في أحوال بولونيا مضر بسياستها وكان الصدر محسن زاده محمد باشا يمانع ذلك كثيراً لأنه يرى أن من المفيد تأجيل مخاصمة الروسيا حتى يتمم تحصين المعاقل والحصون والقلاع التي بحدود الدولة وشحنها بالمهمات والذخائر الكافية فعارضه في ذلك بقية الوزراء ولم يستحسنوا رأيه ولهذا عزل من منصبه وتولى مكانه سلحدار ماهر حمزة باشا 1182هـ .
وكان من الذين يميلون لإعلان الحرب على الروسيا وأمر فقبضوا على سفير الروسيا أو برشقوف وسجنوه في يدي قلة كالعادة المتبعة وأرسلت الدولة أمراً لكريم كراي خان القريم بفتح باب الخصام فاستند على بعض أعمال أتتها الروسيا مخالفة للمعاهدات وذلك أن بعض فرق القوزاق دخلت مدينة بلطه تتعقب بعض البولونيين واستولت على المدينة وذبحت السكان فساغ حينئذ لأمير القريم ردهم بالقوة فوطىء أرض الروسيا وعاد غانمماً منصوراً ومعه نحو 25 ألف أسير.
وبينما كان يستعد لإغارة أخرى عاجلته منيته وقام من منصبه دولتكراي خان وأغار على بلاد الروسيا فوجهت عليه قوة وبذلك فتح باب الحرب ثم تقدمت الجيوش العثمانية تحت قيادة الصدر الأعظم وقد كانت الأحوال في الدولة سيئة جدا إذ ذاك مالية فارغة وجيش خائر القوى من طول المحاربات وأساطيل ضعيفة وليس بين رجال الدولة من الأكفاء ما يشبهون كو رلي أو غيره من الصدور المشاهير.
والحاصل أن الدولة لم تقدم على حرب قبل ذلك وحالتها الضعف والاختلال وزيادة عن ذلك فإن كثيراً من جهات آسيا لم يكن يعترف للسلطان بالتابعية إلا بالاسم فقط وكانت جهات لبنان وسوريا في حالة تشبه الاستقلال التام ولم تكن الدولة تجبي من تلك الجهات خراجاً إلا النزر اليسير وإن جبته فبشق الأنفس وسبب ذلك عدم تمكنها من الالتفات إلى إدخال هذه البلاد ضمن دائرة النفوذ الفعلي لما هي فيه من الاشتباك في الحروب ولخيانة العمال ومد يدهم لأخذ الرشوة من الجهة الأخرى.
واقعة جشمة البحرية وهزيمة قرتال:
اعلم أن الروسيا كانت أرسلت قبل أن تجرّد عليها الدولة كثيراً من أتباعها التحريك اليونان والصرب والجبل الأسود وغيره من الجهات التي يكثر بها العنصر النصراني الأرثوذوكسي خصوصاً للقيام بالثورة لتوقع الدولة في ارتباك داخلي وتصيبها بجرح دام باطني تضطر بسببه أن تضمده بإحدى يديها وتدافع باليد الأخرى ومن الغريب أن الروسيا استعملت هذه الوسيلة في كل محارباتها مع الدولة وصادفت فيها نجاحاً وكان عمالها يهبون السكان الهبات الوافرة ويمنونهم بكل ما يرتاحون إليه وقد نجحت في ذلك أولاً.
إلا أن الدولة أرسلت الجنود فأوقعوا بالثوار في كل الجهات تقريباً ومع ذلك فإن الدولة اضطرت لأن تبقي بالجهات المذكورة حامية كثيرة لردعها متى تمرّدت ولما لم يكن لدولة الروسيا وقتئذ بحرية بالبحر الأسود يمكنها بها منازلة الأساطيل العثمانية بالبحر المذكور أرسلت من بحر بلطيق عمارة قوية وتداركت بعض سفائن حربية من إنكلترة والفلمنك والبنادقة واستأجرت ضباطاً وأنفار لخدمتها ثم دخلت هذه العمارة من مضيق جبل طارق إلى البحر الأبيض المتوسط تحت قيادة الأميرال ألكسندر أورلوف ومرت هذه الأباطيل أولاً بسواحل مورة وأمدت الثوار بأسلحة ونقود وشجعت رئيسي الثوار هناك وهما باباس أوغلي وبناخي ولما علمت الدولة بذلك عينت محسن زاده محمد باشا سردارا على جيش مورة وأمدّته بجنود جديدة فتمكن هذا القائد من تسكين الاضطراب والقبض على الأشقياء ولكن بعد خسائر كثيرة.
وفي 20 صفر سنة 1184هـ أقلعت الدوننما أقلعت الدوننما العثمانية من خليج دار الخلافة تحت قيادة القبودان حسام الدين باشا إلى البحر الأبيض المتوسط وكانت مركبة من 39 سفينة مختلفة النوع والقدر ولما وصلت إلى ساقر رست في مكان مناسب قريب من ساحل الأناضول ثم تلاقت مع الدوننما الروسية التي تحت قيادة الأميرال أورلوف المذكور وكانت تؤلف من عشرة غلابين وعشر فرقاطات وبعض سفن صغيرة ولما وقعت الحرب بينهما كانت الدوننما العثمانية هي الغالبة في أول الأمر لما بذله القبوذان الثاني حسين باشا الجزائري من المهارة وأساليب القتال البحري المتنوعة التي أبقت له في تاريخ البحرية العثمانية ذكراً حميداً وكان من باب الاحتياط أرسل قبل الاشتباك في الحرب فرقة لإنشاء الاستحكامات في البر ثم حمل بغليونه على غليون الأميرال وضايقه ولما كاد يستولي عليه ألقى الأميرال الروسي المذكور النار بمخزن البارود وبعد أن تركه وانتقل إلى غليون آخر ولما تفرقع الغليون الروسي أصيب حسين باشا بعدّة جراحات وقتل كثير ممن كان معه.
وأخرج القبودان إلى البر لتضميد جروحه ولما احترقت سفينة الأميرال الروسي أمر جعفر بك الربان القواد بادخال سفن الدوننما إلى مينا جشمه ولما كان التجاء الدوننما العثمانية إلى تلك المينا ليس من الصواب في شيء لأنه يصيرها غير قادرة على أي عمل لصغر المينا أتى حسين باشا رغماً عن آلام جراحه وتكلم مع القبودان العام حسام الدين باشا وأنذره بأن بقاء السفن داخل هذا الثغر ينجم عنه ضياعها بتمامها فلم يستصوب القبودان نصيحته ولم يصغ لرأيه الصائب وأحجم عن الخروج إلى عرض البحر فنجم من ذلك ضياع الدوننما كما ستعلمه وذلك أنه كان بين الضباط الذين استأجرتهم الروسيا ثلاثة من الإنكليز كان أحدهم المسمى الفنستون (ELPHINSTONE) أركان حرب للأميرال الروسي.
ولما رأى الدوننما العثمانية دخلت مينا جشمه أشار على الأميرال بمحاصرة مضيق المينا لمنعها من الخروج ثم رتب السفن التي وكل إليها تنفيذ هذا الأمر حسبما أشار به الضابط المذكور وبعد أن أخذت السفن مواقعها ووقفت على شكل خط حرب أخذت في إطلاق المدافع وتولى الضابط الإنكليزي الثاني المدعو غراغ حركة طوبجية عموم الدوننما الروسية واشتغل الثالث المسمى داغدل بتوجيه الحراقات على الدوننما العثمانية التي وقعت بين نيران المدافع ونيران الحراقات على حين لم تكن سفنها قادرة على المدافعة لعدم إمكانها إتيان أي حركة حربية لضيق المينا كما سبق فاحترقت جميعها خلا فرقاطتين بكل واحدة أربعون مدفعاً وخمسة مراكب صغيرة كانت تمكنت من الخروج من بين تلك النيران.
ومع ذلك فإن الدوننما الروسية قبضت عليها فيما بعد وقال المؤرخ الجرماني شيلوز عن هذه الواقعة إن هذا الانتصار الذي ناله الروسيون لم يكن إلا من حسن تدبير الضباط الثلاثة المذكورين ولما وصل خبر هذه النصرة إلى الإمبراطورة كترينه الثالثة فرحت جداً ولقبت الأميرال بلقب جشمسكي تذكار الانتصار هذا وبعد الانتصار ألح الفنستون الإنكليزي على الأميرال الروسي بالمرور بالدوننما من جناق قلعة قوة واقتدارا حتى يدخل القسطنطينية فلم يقدم الأميرال على هذا الأمر الخطر أولاً ثم ارتد خائباً فيما بعد كما سيأتي لأن الدولة العثمانية كانت استقدمت من الرومللي مولدواني علي باشا وأرسلته صحبة الجنرال البارون دي توط الفرنساوي المذكور لتقوية حصون وقلاع البوغاز وتشييد بعض قلاع جديدة أخرى هناك.
ولما وصل الباشا المذكور ورأى أن مأموريته تحتاج لوقت طويل أمر فدهنوا خارج القلاع بالجير لتظهر للرائي كأنه صار إصلاحها وبإرشاد الجنرال توط شيدوا قلعتين بساحل الأناضول ومثلهما بساحل الرومللي لمنع سفن العدو من العبور فشيدوا وسلحوا بالمدافع حتى أنه لما أراد الأميرال أورلوف فيما بعد العبور من بوغاز الدردنيل حصل لسفنه من ضرب أول قلعة من القلاع المذكورة ضرر جسيم فاضطرّ للعدول عن مقصوده وذهب إلى جزيرة ليمنى وحاصر قلعتها واستولى عليها.
هذا أما حسين باشا الجزائري فإنه لما التأمت جراحه وعاد إلى الآستانة طلب من الصدر الأعظم التصريح له باسترداد جزيرة ليمنى وقال له إني لاأرغب أخذ مراكب حربية لذلك بل فقط أرجو التصريح لي بجمع بعض الأهالي ولما صرح له الصدر بذلك جمع من أهالي الآستانة نحو أربعة آلاف نفر وسلحهم بالبنادق ثم سافر بهم سريعاً.
ولما بلغ سفير فرانسا هذا الخبر قابل الصدر وقال له أن ما صنعه حسين باشا الاسترداد قلعة ليمنى لا يجدي نفعاً كلية وأرى أن الأوفق عدم إلقاء العساكر في الهلاك بلا ثمرة فقال له الوزير إنني على يقين من أن ما فعله حسين باشا غير مطابق للفنون الحربية غير أنه إن نجح فقد حصل المقصود وإلا فتكون الحكومة قد ارتاحت من أربعة آلاف نفس من الذين يقلقون الراحة.
أما حسين باشا فإنه توجه تواً إلى الجزيرة المذكورة وأخرج جيشه الصغير إلى البر بزوارق وصنادل استأجرها من الأهالي هناك بدون أن يشعر به الأعداء ثم هجم على الروس بغتة في صباح يوم 10 أكتوبر من السنة المذكورة فأوقع بهم ولما لم يقدروا على المقاومة ولوا الإدبار ونزلوا في السفن فاستردا الجزيرة بذلك وقد خاب الروس أيضاً وارتدوا بالخسارة عندما أرادوا الهجوم على طرابزون وكرجستان.
ولما وصلت هذه الأخبار إلى استانبول سكن جاش الأهالي نوعاً وارتفع الرعب الذي حل بقلوبهم مما فعله الروس وذاع صيت حسين باشا الجزائري واشتهر اسمه ولهج العالم بامتداحه لحسن مهارته ولذلك تعين قبوداناً عاماً للدوننما ومحافظاً لمضيق جنق قلعة ولا يفوت القراء أنه لو كان قومندان الدوننما التي ضاعت في جشمه اقتدى بأقواله وعمل بآرائه لما كانت حوصرت وضاعت بأسرها كما قدمنا.
ولما استلم حسين باشا باشا زمام البحرية أخذ في إصلاح السفن الموجودة بدار الصناعة ثم ضم إليها بعض الغلايين ونحو عشرين سفينة للسحب وكون من مجموع ذلك عمارة ثم أذن له السلطان بالذهاب بها إلى جزيرة ليمنى وهناك التقى بعمارة الأميرال أورلوف ووقع الحرب بينهما مدة ولما شاهد الأميرال الروسي أنه لايمكنه الثبات أمامه وتيقن أنه لو استمر على المحاربة ربما ضاعت منه عمارته ولى الأدبار منهزماً.
ضياع بلاد القديم 1185هـ:
اعلم أنه في خلال استيلاء الروس على طورله المعروفة أيضاً بمنحدر دينستر وعلى بغدان والإفلاق ساقت الروسيا جيشاً تحت قيادة البرنس دولغوروكي (DOLGOROUKI) على القريم إلا أن سر عسكر القريم السلحدار إبراهيم باشا تمكن من صده وقهقرته عند برزخ أورقبو 1184هـ ولما لم يمكن للروس دخول القريم أخذت حكومتهم تبث بين الأهالي الفتن وتحرضهم على الثورة بواسطة عمال السوء كقولهم للأهالي إنكم أنتم التتار سلالة جنكيزخان الشهير بعد أن كنتم أسياد البلاد وحكامها تتمتعون بحكومة مستقلة صرتم عبيد الآل عثمان يستبدون عليكم ويتصرفون فيكم كيف شاؤوا ومتى شاؤوا فإذا اتفقتم مع الروس ساعدوكم على نوالي الاستقلال وأعادوا لكم ما فقدتموه من المجد الأثيل فانصاع قوم لهذه التحريضات الفاسدة التي أخذت تنتشر بين الأهالي فأحدثت أثراً سيئاً وحلت من العزائم قوة وهدت من العصبية ركناً حتى إن الروسيا لما وجهت على القريم تجريدة أخرى وتصدى لها السر عسكر المذكور عند أورقبو لم يتمكن من صدها مع ما بذله من المساعي والثبات ولم يصدق سليم كراي في الدفاع كالسابق فاستولى الروس على البلاد المذكورة 1185هـ.
وفي خلال ذلك توسطت أوستريا والبروسيا في الصلح ولما تهادن الطرفان ابتدأت المذاكرة أولاً في فوكشان من بلاد الإفلاق (FOCKSANY) وتعين من قبل الدولة رئيس الكتاب عبد الرزاق أفندي ومن قبل الروسيا أوبرشقوف واجتمعا في بكرش أي بخارست وعقدا مجلساً لتقرير أمر الصلح 1186هـ-1773م .
وكان أساس المذاكرة التي قدمتها الروسيا استقلال القريم وإن تستولي هي على قلعتي كرتش ويكي قلعة الواقعتين في مدخل بحر أزاق وأن تكون الملاحة حرة لسفن الروسيا التجارية في جميع فرض الدولة والبحر الأسود وأن يكون لها حق حماية المسيحيين الأورثودكس في بلاد الدولة فرفضت الدولة هذه الشروط لإجحافها بحقوقها.
واستأنف الطرفان القتال وتقدم الجنرال رومانزوف بجنوده وقاد الصدر الأعظم محسن زاده محمد باشا الذي ولى الصدارة سنة 1185هـ جيوش الطونة 1186هـ وانتصر على الروس بجوار بزارجق ووارنة وصدهم أيضاً على باشا الداغستاني أمام روسجق وهزمهم سر عسكر سلسترة الغازي عثمان باشا هزيم منكرة قتل فيها منهم تسعة آلاف جندي واغتنم العثمانيون جميع مدافعهم وذخائرهم وأسروا الجنرال رينين وجرح الجنرال واسيمان جرحاً بليغاً مات به وعند تقهقر الروس قتلوا في طريقهم جميع أهالي قره صو وبازارجق لخلوهما من الجنود.
أما تتار القريم فإنهم بعد أن وافقوا الروس عادوا وطلبوا الحماية من الدولة العثمانية التي عينت دولتكراي خان الأسبق وجنيكلي حاجي على باشا لاسترداد القريم ثم عاد العثمانيون إليهم ففروا سريعا.
قال هامر في تاريخه أنه لما فر الروس من بازارجق ودخلها العثمانيون وجدوا اللحم في القدور على النار وهذا يدل على الرعب الذي وقع في قلوبهم من الجيوش العثمانية.
وفاته:
وبينما كان السلطان مصطفى الثالث مصمماً على قيادة الجيوش بنفسه فاجأته الوفاة 1187هـ-1773م وكان رحمه الله من أعاظم الملوك الذين أداروا أمور السلطنة بالجد والإقدام وكان فعالاً يتصرف في الأمور بحكمة مهتماً بجمع المال والرجال والمهمات للدفاع عن بلاده محباً للعلم والعلماء يميل إلى العمارية أنشأ جامع أيازمه في اسكدارولاله لي ووقف عليهما الأوقاف الوافرة وأصلح جامع السلطان محمد الفاتح لأنه كان تهدم بزلزلة وله غير ذلك من الآثار.