الدولة العباسية : المتقي لله

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


ترجمته:
 
هو إبراهيم المتقي للَّه بن المعتمد بن أبي أحمد الموفق طلحة بن المتوكل وأمه أم ولد اسمها خلوب بويع بالخلافة في20 ربيع الأول سنة329(4 ديسمبر سنة940) ولم يزل خليفة حتى خلع في20صفر سنة333 (12 أكتوبر سنة944) فكانت مدته4 سنوات و 11 شهراً.
 
 
كيف انتخب:
 
لما مات الراضي كان بجكم بواسط، فورد كتابه مع وزيره أبي عبد اللَّه الكوفي يأمره فيه بأن يجتمع مع أبي القاسم سليمان بن الحين وزير الراضي كل من تقلد بالوزارة وأصحاب الدواوين والعلويون والقضاة والعباسيون ووجوه البلد ويشاورهم الكوفي فيمن ينصب للخلافة ممن يرتضي مذهبه وطريقته فجمعهم الكوفي واستشارهم فاتفقوا على إبراهيم بن المقتدر فبايعوه في التاريخ السابق ولقب نفسه المتقي اللَّه وسير الخلع واللواء إلى بجكم بواسط.
 
 
الحال في عهده:
 
كان بجكم أمير الأمراء والتدبير كله إلى وزيره أبي عبد اللَّه الكوفي وليس للخليفة ولا لوزيره سليمان بن الحسن شيء، لم يطل زمن بجكم في الإمارة فإن البريدي كان لا يزال يمني نفسه بالاستيلاء على بغداد فأنفذ من البصرة جيشاً إلى المذار فأنفذ إليه بجكم جيشاً يقوده قائد من كبار قواده اسمه توزون فالتقى الجيشان واقتتلا وكان النصر أولاً لجيش البريدي، فأرسل توزون إلى بجكم يطلب أن يلحق به فسار إليه وصادف أن عادت الكرة لتوزون فأرسل إلى بجكم يخبره بالظفر فأراد الرجوع إلى واسط فأشار عليه بعض أصحابه أن يتصيد، فسار حتى بلغ نهر جور وحينذاك اغتاله رجل من الأكراد الذين يسكنون هناك وكان قتله مفرجاً عن البريدي ومفيداً للمتقي لأنه استولى على داره وما فيها من الأموال فبلغ ما ناله ألف ألف ومائتي دينار. وكانت مدة إمارة بجكم سنتين وثمانية أشهر.

لما قتل بجكم انحدر الديلم إلى البريدي فقوي بهم وعظمت شوكته فسار مريداً الاستيلاء على بغداد ولم يتمكن الخليفة من صده فدخلها في12 رمضان سنة329 ولقيه الوزير والقضاة والكتاب وأعيان الناس فأنفذ إليه المتقي يهنئه بسلامته. 
 
ولم يتم له ما أراده من التأمير لأن الأتراك والديالمة اختلفوا عليه ففارق بغداد بعد أن أقام بها24 يوماً وحينئذ تقدم على الجند كورتكين الديلمي فسماه المتقي أمير الأمراء وخلع عليه. وكانت مدته مضطربة لأن عامة البغداديين تأذوا من الديلم فلم ينكر كورتكين على جنده ما فعلوه لذلك حصلت وقائع بين العامة والديلم ولما رأى المتقي أن كورتكين ليس عنده من المنعة ما يزيل به الاضطراب أرسل إلى ابن رائق وهو بالشام يطلب إليه الرجوع إلى بغداد ليكون أمير الأمراء فعاد. 
 
أما كورتكين فإنه خرج إليه وقابله بعكبراء فوقعت الحرب بينهما عدة أيام وفي 21 ذي الحجة سار ابن رائق بجيشه ليلاً فأصبح ببغداد وقابل المتقي أما كورتكين فإنه لما أحس في الصباح بمسير ابن رائق تبعه إلى بغداد وكانت عليه الهزيمة حين لاقته جنود ابن رائق فاختفى وأخذ ابن رائق من استأمن إليه من الديلم فقتلهم وكانوا نحو400 وحينئذ خلع المتقي على ابن رائق وسماه أمير الأمراء.

طلب المتقي من ناصر الدولة بن حمدان أن يعينه على البريدي فأرسل أخاه سيف الدولة لنصرته فلقيه هو ابن رائق بتكريت فرجع معهما إلى الموصل وهناك جاء ناصر الدولة واغتال ابن رائق لأنه يريد أن يحل محله في إمرة الأمراء وقد كان ذلك فإن المتقي خلع عليه وسماه أمير الأمراء في أول شعبان سنة 330 وخلع على أخيه أبي الحسن علي ولقبه ذلك اليوم بسيف الدولة.

بعد ذلك تجهز ناصر الدولة وسار إلى بغداد معه المتقي ولما قارباها هرب عنها أبو الحسين بن البريدي وسار إلى واسط بعد أن أقام ببغداد ثلاثة أشهر وعشرين يوماً ودخل المتقي بغداد ومعه بنو حمدان في جيوش كثيرة.

ثم خرج بنو حمدان يريدون واسط لأخذها من البريدي فأقام ناصر الدولة بالمدائن وسير أخاه سيف الدولة لقتال البريدي فالتقى به تحت المدائن بفرسخين وكانت مقاومة البريدي شديدة حتى إنه هزم سيف الدولة ومن معه فعاد إلى المدائن فقواهم ناصر الدولة بجنود أخرى فعادوا فقاتلوا أبا الحسين وهزموه.

اختار المتقي بعد رحيل ناصر الدولة لإمارة الأمراء أكبر قواد الديلم واسمه توزون ولم يكن عنده شيء من حسن السياسة فاستوحش منه المتقي وخافه على نفسه فرأى أن يسير إلى الموصل مستعيناً بالحمدانيين فبارح بغداد إليها ولما بلغ ذلك توزون تبعه حتى وصل تكريت وهناك التقى بسيف الدولة فقاتله وهزمه مرتين ثم استولى على الموصل فسار عنها بنو حمدان والمتقي معهم إلى نصيبين. 

ثم ترددت الرسل بين توزون من جهة وبين الحمدانيين والمتقي من جهة على الصلح فتم على أن يضمن ناصر الدولة ما بيده من البلاد ثلاث سنين كل سنة بثلاثة آلاف وستمائة ألف درهم وعاد توزون إلى بغداد ولم يعد معه المتقي بل استمر في الموصل. 
 
ثم أرسل إلى توزون يطلب منه أن يعود إلى بغداد فأظهر توزون الرغبة في ذلك وحلف للمتقي أنه لا يغدر به فاغتر المتقي بتلك اليمين. 

وسار إلى بغداد فلقيه توزون تحت هيت ولما رآه قبل له الأرض وقال: ها أنذا قد وفيت بيمني والطاعة لك ثم وكل به وبعد ذلك سمله وخلعه وبذلك انتهت خلافة المتقي.