الدولة العثمانية : السلطان عثمان الثاني

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


السلطان عثمان خان الثاني ابن السلطان أحمد الأول 1027 - 1032 هـ

جلس هذا السلطان وكان سنة أصغر من سن سابقة لا يتجاوز 13سنة إلا أنه كانت تلوح عليه علامات الشجاعة والإقدام لنباهته وجودة قريحته وفي أول حكمه أرسلت الدولة السفراء إلى كافة الجهات وعقدت معاهدات الصلح مع فرنسا وأكثر الدول الأوروباوية وسوت أيضاً مسألة بوهيميا مع إمبراطور ألمانيا لأن هذا الإقليم لما كان عصى عليه طلب أهله من الدولة حمايتهم وبما بذله وزراء الدولة من المساعي تحسنت علاقات الإقليم المذكورة مع الإمبراطورية الإلمانية وفي السنة الأولى من حكم هذا السلطان عاد القبودان جلبي علي باشا بالدوننما من البحر الأبيض ومعه ست سفن للقرصان اغتنمها مدة سفره وأكثر من مائتي أسير من أجناس مختلفة ومقدار عظيم من الغنائم ولما عرض على السلطان ما فعله في سفرته هذه من يوم خروجه إلى وقت مجيئه كما هي العادة أنعم عليه وقربه إليه.

ولما كانت أحوال العجم لا زالت تستدعي اهتمام الدولة لسعي ملكها في بث الدسائس وإقلاق الراحة جردت الدولة سنة 1027جيشاً عظيماً تحت قيادة خليل باشا الصدر الأعظم لمحاربة العجم ولما التقى بجيوش الشاه عباس حدثت بينهما معركة انتهت بانتصار العثمانيين انتصاراً باهراً واستخلصوا من الأعجام الجهات التي كانوا اختلسوها من الدولة العثمانية أثناء الوقائع والاختلالات الماضية مثل تبريز وغيرها.

وقبل الشاه عباس تجديد أمر الصلح على أساس مصالحة نصوح باشا وكان السلطان عثمان يرى أن كل الفخر في ظلال السيوف فاجتهد في تنظيم القوة البرية والبحرية والإكثار منهما ومداومة الحروب والغزوات وقد ساعدته المقادير لإتمام بعض أغراضه، من ذلك وهو أن ملك بلاد الأردل كان يرغب في توسيع نطاق ملكه من أقاليم النمسا ولما اطلع السلطان على مرغوبه حسن له الإغارة على بلاد النمسا وسهل عليه فتح عاصمتهم فأصدر السلطان الأوامر بتجهيز الجيوش لمحاربة بولونيا أولاً.

ثم قبل أن يبارح استانبول أمر بأخيه الأمير محمد فقتل اتباعاً للقاعدة القبيحة التي سنها بعض السلاطين خوفاً من أن يخرج عليه أثناء غيبته وأصدر أمراً بتقليل اختصاصات مفتي استانبول ونزع منه ما كان له من السلطة في تعيين وعزل الموظفين وجعل وظيفته قاصرة على الإفتاء ليس إلا مخافة أن يصيبه منه ما أصاب سلفه من العزل إلا أنه لما كان الحذر لا يمنع القدر لم يأت الأمر كما كان يبتغي كما ستعلم.

وبعد هذه الترتيبات خرج بجيش مؤلف من 300 ألف مقاتل وانضم إليه جانيك كراي خان القريم وبتلن غابور أمير الأردل وأمير المملكتين وما زال هذا الجيش يسير بنظام حتى نزل أمام مدينة شوكزم أوخوتين (CH) ثم تلاقى بجيش البولونيين وكان يرأسه القائد (ولنا) أحد مشاهير قوادهم وكان متحصناً في هذه المدينة وبعد أن هاجمه العثمانيون عدّة مرات ارتدوا عنه بلا فائدة لتمرد الانكشارية وطلبهم الكف عن القتال واتفق أن طلب البولونيون أيضاً الصلح لموت قائدهم المذكور وغيره من ضباطهم في القتال فعقد الصلح بين الطرفين وبعد التوقيع على شروطه التي لم يستفد منها العثمانيون أدنى فائدة عاد السلطان إلى استانبول 1029هـ .

ومن حوادث تلك السنة أن اشتدّ البرد جدّاً حتى جمد البوسفور وصار الناس يعبرون على البحر من استانبول إلى أسكدار.

ولما عاد السلطان عين الدفتر دار مصطفى باشا قبودانا للدوننما العثمانية وعزم على السفر إلى بلاد الشام ومصر وشاع أنه متوجه من هناك لتأدية فريضة الحج ولما كان يسعى في تدمير وجاق الانكشارية لما ظهر منهم من التوقف والتمرد في محاربة بولونيا وزيادة طغيانهم وكونهم أصبحوا أصحاب العقد والحل في الدولة هاجوا وماجوا لما بلغهم نية السلطان على الحج وألزموا المفتي بإخراج فتوى مضمونها أن السلاطين لا يتكلفون الحج وبعثوا للسلطان بعض الشيوخ يعلمونه بالمركز الحرج الذي بات فيه فلم يلتفت إلى أقوالهم بل هدّدهم وقال وهو في غضبه: إنني سأدمر وجاق هؤلاء المردة الملاعين فلما عادوا وأخبروهم بما حصل هاجوا هياجاً كبيراً ونادى أحدهم بالسلطان مصطفى وتبعه الباقون ثم هجموا دفعة واحدة على السراي وأخرجوا السلطان مصطفى من حبسه وعند ذلك خاف السلطان وندم على ما فعل وأراد أن يسلم للعصاة دلاور باشا الصدر الأعظم وسليمان أغا أغاي السراي فلم يرضوا بذلك وقال لهم العلماء: إن السلطان مصطفى مسلوب العقل ولا تجوز مبايعته فهجموا على العلماء أيضاً وألزموهم البيعة له وأخيراً قبضوا على السلطان عثمان وأخذوه ماشياً بكل احتقار حتى أوصلوه إلى بعض الثكنات العسكرية وحبسوه فيها 1031هـ ثم نقلوه إلى قلعة يدي قله ولم يكتفوا بخلعه بل قتلوه بأمر داود باشا الذي تقلد الصدارة في أثناء ذلك ولما زاد لهيب الثورة تجمع كثيرون من أهل الفساد وصاروا يقتلون كل من خالفهم وبنهبون خزائن الذولة ثم قامت طائفة تطالب بدم السلطان عثمان المقتول ظلماً فقتلوا داود باشا وكل الذين لهم يد في قتله.


عصيان أباظة باشا:

لما انتشر خبر قتل السلطان عثمان قام أبازه باشا بكلر بك أرضروم مطالباً بثأره واجتمع عليه نحو ثلاثين ألفاً من الأتباع وصار يقتل من يقابله في طريقه من السباهية واليكجرية إلى أن وصل سيواس وألزم بعض أمراء تلك الأطراف بالإنضمام إليه وأخذ يخرب البلاد ويقتل العباد وينادي بأنه سيدخل استانبول وينتقم من كافة طبقات الجنود فهال الدولة أمره وخافت امتداد نفوذه واجتهد الوزراء في توقيف حركته فلم يوفقوا حتى إن السلطان عزل لذلك أربعة من الصدور في مدّة ثلاثة شهور وكان ملك الروسيا أرسل سفيراً إلى الدولة في ذلك الوقت يطلب عقد اتحاد معها ولمحاربة بولونيا ومحو استقلالها فلم تتمكن الدولة من المفاوضة معه بالنسبة لارتباك الأحوال وأخيراً لما رأى رجال الدولة وقواد الجيوش سوء الحالة ندموا على ما حصل منهم من الموافقة على خلع السلطان عثمان وقتله وصمموا على خلع السطان مصطفى ثانية ولما علم السلطان بذلك بادر فخلع نفسه بعد أن حكم سنة وشهرين 14ذي 1032 هـ القعدة وبويع لابن أخيه السلطان مراد الرابع أما السلطان مصطفى فإنه سجن إلى أن مات وعمره 16 سنة.