الدولة العباسية : القاهر
ترجمته:
هو أبو محمد بن المعتضد بن الموفق طلحة بن المتوكل وأمه أم ولد بربرية اسمها قتول وبويع بالخلافة يوم أن قتل المقتدر في28 شوال سنة320(1 نوفمبر سنة932) ولم يزل خليفة حتى خلع في5 جمادى الأولى سنة322(23 إبريل سنة934) فكانت مدته سنة وستة أشهر وستة أيام.
كيف انتخب:
لما قتل المقتدر كان من رأي مؤنس إقامة ولد أبي العباس أحمد وقال: إنه تربيتي وهو صبي عاقل وفيه دين وكرم ووفاء بما يقول فإذا جلس للخلافة سمحت نفس جدته والدة المقتدر وإخوته وغلمان أبيه ببذلالمال ولم ينتطح في قتل المقتدر عنزان فاعترض عليه أبو يعقوب إسحاق بن إسماعيل النوبختي وقال: بعد الكد والتعب استرحنا من خليفة له أم وخالة وخدم يديرونه فنعود إلى تلك الحال واللَّه لا نرضى ألا برجل كامل يدبر نفسه ويدبرنا وما زال بمؤنس حتى رده عن رأيه وذكر له محمد بن المعتضد وهو أخو المكتفي فأجابه إليه على كره منه فإنه كان يقول: إني عارف شره وسوء نيته ولكنه لا حيلة. فبايعوه واستخلفه مؤنس لنفسه ولحاجبه بليق ولعلي بن بليق وأخذوا خطه بذلك واستقرت له الخلافة وبايعه الناس واستوزر أبا علي بن مقلة واستحجب علي بن بليق.
الحال في عهد القاهر:
كان القاهر كما قال مؤنس شريراً خبيث النية فإنه في أول خلافته اشتغل بالبحث عمن استتر من أولاد المقتدر وحرمه واشتغل بمناظرة أم المقتدر وكانت مريضة قد ابتدأ بها داء الاستسقاء وقد زاد مرضها بقتل ابنها ولما سمعت أنه بقي مكشوفاً جزعت جزعاً شديداً وامتنعت عن الأكل والشرب حتى كادت تهلك فوعظها النساء حتى أكلت شيئاً يسيراً من الخبز والملح.
أحضرها القاهر عنده وهي على تلك الحال من المرض والجزع وسألها عن مالها فاعترفت له بما عندها من المصوغ والثياب ولم تعترف بشيء من المال والجوهر فضربها أشد ما يكون من الضرب وعلقها برجلها وضرب المواضع الغامضة من بدنها فحلفت أنها لا تملك غير ما أطلعته عليه وقالت: لو كان عندي مال لما أسلمت ولدي للقتل ولم تعترف بشيء ثم أخرجها على تلك الحال لتشهد على نفسها القضاة والعدول أنها قد حلت أوقافها ووكلت في بيعها فامتنعت من ذلك وقالت: قد وقفتها على أبواب البر والقرب بمكة والمدينة والثغور وعلى الضعفاء والمساكين ولا استحل حلها ولا بيعها وإنما أوكل في بيع أملاكي فلما علم القاهر بذلك أحضر القاضي والعدول وأشهدهم على نفسه أنه قد حل أوقافها جميعها ووكل في بيعها فبيع ذلك جميعه مع غيره واشتراه الجند من أرزاقهم ثم صادر جميع ولد المقتدر وحاشيته ولم نسمع في التاريخ ما يقارب فعل القاهر نذالة وجبناً وخسة وشراهة نفس.
بعد قتل المقتدر هرب كبار معينيه وخاصة محمد بن ياقوت وابنا رائق وهارون بن غريب ومفلح وعبد الواحد بن المقتدر فلما صاروا بواسط أرسل هارون بن غريب يطلب الأمان لنفسه ويبذل مصادرة ثلثمائة ألف دينار وعلى أن تطلق له أملاكه فأجيب إلى طلبه وظل رفقاؤه سائرين إلى السوس وسوق الأهواز فأقاموا بالأهواز وطردوا عماله فجهز إليهم مؤنس جيشاً أخرجهم منها ثم طلبوا إليه الأمان فأمنهم وتوجهوا معه إلى بغداد ومعهم محمد بن ياقوت فتقدم عند القاهر وعلت منزلته وصار يخلو به ويشاوره فغلظ ذلك على الوزير مؤنس المظفر وبليق الحاجب وابنه لأنهم ما حاربوا المقتدر إلا من أجله وثبت عندهم أن محمد بن ياقوت يدبر عليهم فاستوحشوا من القاهر وضيقوا عليه وأمر مؤنس بتفتيش كل من يدخل الدار ونقل من كان محبوساً بدار الخلافة كوالدة المقتدر التي اشتد عليها المرض مما نالها من الضرب علم القاهر أن العتاب لا يفيد فأخذ في التدبير على القوم الذين أجلسوه هذا المجلس وكان اعتماد مؤنس على العساكر الساجية فأفسد القاهر قلوبهم عليه وأغراهم بمؤنس وأغرى كاتب ابن مقلة به ووعده الوزارة محله فكان يكاتب القاهر بجميع الأخبار.
أما هؤلاء الخصوم فاتفقوا على خلع القاهر وتحالفوا على ذلك ولكنهم لم يبدوا شيئاً من الحكمة أمام مكر القاهر ودهائه فرأى الوزير أن يظهروا أن أبا طاهر القرمطي ورد الكوفة وأن علي بن بليق صائر إليه ليمنعها منه فإذا دخل على القاهر يودعه قبض عليه فكتب ابن مقلة إلى الخليفة بما اتفقوا على إخباره به ولكن لم يتم ذلك لأن الخبر جاء القاهر سراً بما دبر عليه فاحتاط لنفسه وأنفذ إلى الساجية فأحضرهم وفرقهم في دهاليز الدار مستخفين فلما جاء ابن بليق وطلب الإذن لم يؤذن له ورد رداً قبيحاً من الساجية فخرج هارباً من الدار وعلم بليق بما جرى على ابنه فاحتدّ وقال لا بد من المضي إلى دار الخليفة حتى أعلم سبب ما فعل بابني فذهب هو وجميع القواد الذين بدار مؤنس فلما حضر أمر القاهر فقبض عليه وقبض كذلك على أحمد بن زيرك صاحب الشرطة ثم أرسل إلى مؤنس في داره من أحضره بالحيلة وكان قد استولى عليه الضعف والكبر فلما حضر الدار أمر بالقبض عليه واختفى الوزير ابن مقلة وأمر القاهر بالختم على دور مؤنس وبليق وابنه علي وابن مقلة وأحمد بن زيرك والحسن بن هارون ونقل دوابهم ووكل بحرمهم وأمر بإحراق دار ابن مقلة فأحرقت وظهر محمد ياقوت فولي الحجبة.
ولما تمكن القاهر من هؤلاء الأعداء وضبطهم بداره أمر بقتلهم جميعاً فقتلوا ورأى الناس من شدة القاهر ما علموا معه أنهم لا يسلمون من يده وندم كل من أعانه من الجنود حيث لم ينفعهم الندم.
ومن الغريب أن القاهر بعد أن تم له ما أراد أمر بالقبض على أكبر رجل ساعده وهو طريف السبكري الذي كان من قواد مؤنس فخانه.
بقي من أعداء القاهر الوزير ابن مقلة فإنه كان مستتراً لم يظهر عليه وكذلك الحسن بن هارون فكانا يراسلان قواد الساجية والحجرية ويخوفانهم من شر القاهر ويذكران لهم غدره ونكثه مرة بعد مرة وكان ابن مقلة يجتمع بالقواد ليلاً تارة في زي أعمى وتارة في زي مكد وتارة في زي امرأة ويغريهم به حتى ملأ صدورهم فاتفقوا على خلعه وزحفوا إلى الدار وهجموا عليها من سائر الأبواب فلما سمع القاهر الأصوات والجلبة استيقظ مخموراً وطلب باباً يهرب منه فلم يجده فقبضوا عليه وحبسوه ثم سملوا عينيه وبذلك انتهت مدته وكانت جامعة للمعايب والقبائح.
بعد قتل المقتدر هرب كبار معينيه وخاصة محمد بن ياقوت وابنا رائق وهارون بن غريب ومفلح وعبد الواحد بن المقتدر فلما صاروا بواسط أرسل هارون بن غريب يطلب الأمان لنفسه ويبذل مصادرة ثلثمائة ألف دينار وعلى أن تطلق له أملاكه فأجيب إلى طلبه وظل رفقاؤه سائرين إلى السوس وسوق الأهواز فأقاموا بالأهواز وطردوا عماله فجهز إليهم مؤنس جيشاً أخرجهم منها ثم طلبوا إليه الأمان فأمنهم وتوجهوا معه إلى بغداد ومعهم محمد بن ياقوت فتقدم عند القاهر وعلت منزلته وصار يخلو به ويشاوره فغلظ ذلك على الوزير مؤنس المظفر وبليق الحاجب وابنه لأنهم ما حاربوا المقتدر إلا من أجله وثبت عندهم أن محمد بن ياقوت يدبر عليهم فاستوحشوا من القاهر وضيقوا عليه وأمر مؤنس بتفتيش كل من يدخل الدار ونقل من كان محبوساً بدار الخلافة كوالدة المقتدر التي اشتد عليها المرض مما نالها من الضرب علم القاهر أن العتاب لا يفيد فأخذ في التدبير على القوم الذين أجلسوه هذا المجلس وكان اعتماد مؤنس على العساكر الساجية فأفسد القاهر قلوبهم عليه وأغراهم بمؤنس وأغرى كاتب ابن مقلة به ووعده الوزارة محله فكان يكاتب القاهر بجميع الأخبار.
أما هؤلاء الخصوم فاتفقوا على خلع القاهر وتحالفوا على ذلك ولكنهم لم يبدوا شيئاً من الحكمة أمام مكر القاهر ودهائه فرأى الوزير أن يظهروا أن أبا طاهر القرمطي ورد الكوفة وأن علي بن بليق صائر إليه ليمنعها منه فإذا دخل على القاهر يودعه قبض عليه فكتب ابن مقلة إلى الخليفة بما اتفقوا على إخباره به ولكن لم يتم ذلك لأن الخبر جاء القاهر سراً بما دبر عليه فاحتاط لنفسه وأنفذ إلى الساجية فأحضرهم وفرقهم في دهاليز الدار مستخفين فلما جاء ابن بليق وطلب الإذن لم يؤذن له ورد رداً قبيحاً من الساجية فخرج هارباً من الدار وعلم بليق بما جرى على ابنه فاحتدّ وقال لا بد من المضي إلى دار الخليفة حتى أعلم سبب ما فعل بابني فذهب هو وجميع القواد الذين بدار مؤنس فلما حضر أمر القاهر فقبض عليه وقبض كذلك على أحمد بن زيرك صاحب الشرطة ثم أرسل إلى مؤنس في داره من أحضره بالحيلة وكان قد استولى عليه الضعف والكبر فلما حضر الدار أمر بالقبض عليه واختفى الوزير ابن مقلة وأمر القاهر بالختم على دور مؤنس وبليق وابنه علي وابن مقلة وأحمد بن زيرك والحسن بن هارون ونقل دوابهم ووكل بحرمهم وأمر بإحراق دار ابن مقلة فأحرقت وظهر محمد ياقوت فولي الحجبة.
ولما تمكن القاهر من هؤلاء الأعداء وضبطهم بداره أمر بقتلهم جميعاً فقتلوا ورأى الناس من شدة القاهر ما علموا معه أنهم لا يسلمون من يده وندم كل من أعانه من الجنود حيث لم ينفعهم الندم.
ومن الغريب أن القاهر بعد أن تم له ما أراد أمر بالقبض على أكبر رجل ساعده وهو طريف السبكري الذي كان من قواد مؤنس فخانه.
بقي من أعداء القاهر الوزير ابن مقلة فإنه كان مستتراً لم يظهر عليه وكذلك الحسن بن هارون فكانا يراسلان قواد الساجية والحجرية ويخوفانهم من شر القاهر ويذكران لهم غدره ونكثه مرة بعد مرة وكان ابن مقلة يجتمع بالقواد ليلاً تارة في زي أعمى وتارة في زي مكد وتارة في زي امرأة ويغريهم به حتى ملأ صدورهم فاتفقوا على خلعه وزحفوا إلى الدار وهجموا عليها من سائر الأبواب فلما سمع القاهر الأصوات والجلبة استيقظ مخموراً وطلب باباً يهرب منه فلم يجده فقبضوا عليه وحبسوه ثم سملوا عينيه وبذلك انتهت مدته وكانت جامعة للمعايب والقبائح.