المعاملات : البيع الباطل

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


أنواع البيع الباطل:

نذكر من أنواع البيع الباطل ما يأتي :
 

1- بيع المعدوم:

اتفق أئمة المذاهب على أنه لا ينعقد بيع المعدوم وماله خطر العدم، كبيع نتاج النتاج بأن قال: بعت ولد ولد هذه الناقة، وبيع الحمل الموجود لأنه على خطر الوجود، وبيع الثمر والزرع قبل ظهوره لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن بيع حبل الحبلة" متفق عليه أي نتاج النتاج. ونهى أيضاً عن بيع المضامين والملاقيح (والمضامين : ما في أصلاب الذكور، والملاقيح : ما في بطون الإِناث) ونهى كذلك عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه، كما سيأتي.

ومن الملحق بالمعدوم : بيع لؤلؤ في صدف، وبيع اللبن في الضرع وبيع الصوف على ظهر الغنم، ومثله بيع الكتاب قبل طبعه، فإن بيع ذلك لا يجوز عند جمهور الفقهاء، لأن محل العقد غير موجود بالتأكيد، ولما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تباع ثمرة حتى تطعم، ولا يباع صوف على ظهر ولا لبن في ضرع" رواه الطبراني ولأن بيع اللبن في الضرع مجهول الصفة والمقدار. وجهالة مقداره، لأنه قد يرى امتلاء الضرع من السمن، فيظن أنه من اللبن. وجهالة الصفة : لأنه قد يكون اللبن صافياً، وقد يكون كدراً فأشبه الحمل، لأنه بيع عين لم تخلق، فلم يجز كبيع ما تحمل الناقة، والعادة في ذلك تختلف. وفيه علة أخرى وهي : أنه معجوز التسليم، لأن اللبن لا يجتمع في الضرع دفعة واحدة، بل شيئاً فشيئاً، فيختلط المبيع بغيره على وجه يتعذر التمييز بينهما.

وأما لبن الظئر (أي المرضع) فيجوز للحضانة، للحاجة.

وأما بطلان بيع الصوف على ظهر الغنم، فلأنه يقع الاختلاف في موضع القطع من الحيوان، فيقع الإِضرار به فكان مشتملاً على الغرر، وفيه علة أخرى وهي : أنه معجوز التسليم، لأن الصوف ينمو ساعة فساعة، فيختلط الموجود عند العقد بالحادث بعده على وجه لا يمكن التمييز بينهما.

وخالف الإِمام مالك في الحالتين، فقال : يجوز بيع اللبن في الضرع في الغنم السائمة التي لا يختلف لبنها، لا في الشاة الواحدة، أياماً معلومة، إذا عرف قدر حلابها، لسقي الصبي، كلبن الظئر، لتسامح غالب الناس به أياماً معلومة غالباً، بل رأينا من يسامح بلبن بقرته الشهر وأكثر بطريق الإِباحة أو الهبة. وقال أيضاً : يصح بيع الصوف على ظهر الغنم، لأنه مشاهد يمكن تسليمه.

وهناك رواية عند الحنابلة تقرر مثل هذا الحكم وهو أنه يجوز بيع الصوف على ظهر الغنم، بشرط جزّه في الحال، لأنه معلوم يمكن تسليمه.

رأي بعض الحنابلة في بيع المعدوم : أجاز بعض الحنابلة بيع المعدوم عند العقد إذا كان محقق الوجود في المستقبل بحسب العادة، لأنه لم يثبت النهي عن بيع المعدوم لا في الكتاب ولا في السنة ولا في كلام الصحابة، وإنما ورد في السنة النهي عن بيع الغرر، وهو ما لا يقدر على تسليمه، سواء أكان موجوداً أم معدوماً كبيع الفرس النافر والجمل الشارد، فليست العلة في المنع لا العدم لا الوجود.

بل إن الشرع صحح بيع المعدوم في بعض المواضع، فإنه أجاز بيع الثمر بعد بدء صلاحه، والحب بعد اشتداده، ومعلوم أن العقد إنما ورد على الموجود والمعدوم الذي لم يخلق بعد. وعلى هذا فبيع المعدوم إذا كان مجهول الوجود في المستقبل باطل للغرر لا للعدم، فالأصل إذاً هو الغرر.
 

2- بيع معجوز التسليم:

يرى جمهور الحنفية أنه لا ينعقد بيع معجوز التسليم عند العقد، ولو كان مملوكاً، كالطير الذي طار من يد صاحبه، أو العبد الآبق (الفارّ) واللقطة، ويكون البيع باطلاً، حتى لو ظهر الآبق ونحوه يحتاج إلى تجديد الايجاب والقبول، إلا إذا تراضيا حينئذ، فيكون بيعاً مبتدءاً بالتعاطي.

ولو قدر على التسليم في المجلس لا يعود جائزاً، لأنه وقع باطلاً وقال بعض الحنفية أنه يعود جائزاً.

فإن كان الطائر يذهب ويعود كالحمام الأهلي، ففي ظاهر الرواية : لا يجوز أيضاً بيعه لعدم القدرة على التسليم في الحال، وقال بعض الحنفية : إن كان الطائر داجناً يعود إلى بيته ويقدر على أخذه بلا تكلف جاز بيعه، وإلا فلا.

وكذا يبطل العقد إذا جعل معجوز التسليم ثمناً، لأن الثمن إذا كان عيناً، فهو مبيع في حق صاحبه.

وقال المالكية : لا ينعقد بيع البعير الشارد والبقرة المتوحشة والمغصوب إلا أن يبيعه من غاصبه.

وقال الشافعية والحنابلة : لا يجوز (أي لا ينعقد) بيع مالا يقدر على تسليمه كالطير في الهواء أو السمك في الماء والجمل الشارد، والفرس العائر (أي الهائم على وجهه) والمال المغصوب في يد الغاصب، ومثله بيع الدار أو الأرض تحت يد العدو لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر رواه مسلم، وهذا غرر. وعن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر" رواه أحمد، فقد علل النهي عن بيع السمك بأنه غرر، فدل على أن الغرر : ما لا يقدر على تسليمه. والمراد بالماء الذي لا يجوز بيع السمك فيه هو الماء غير المحصور كماء البحر والنهر، فإن كان الماء محصوراً كماء البركة فقال الحنفية والشافعية والحنابلة في الجملة : يجوز بيع السمك فيه إذا كان يمكن أخذه بدون اصطياد وحيلة. ولكن للمشتري خيار الرؤية عند الحنفية. ومنع المالكية بيع السمك في الغدير أو البركة.

والخلاصة : أن المذاهب الأربعة متفقة على بطلان بيع ما لا يقدر على تسليمه، مع الخلاف في بعض القيود أحياناً أو مع أقوال ضعيفة في المذهب.
 

3- بيع الدين:

الدين : كثمن مبيع، وبدل قرض، ومهر بعد دخول بالمرأة أو قبل الدخول بها، وأجرة مقابل منفعة، وأرش جناية، وغرامة متلف، وعوض خلع، ومسلم فيه. وبيع الدين : إما أن يكون لمن في ذمته الدين، أو لغير من عليه الدين. وفي كل من الحالين إما أن يباع الدين نقداً في الحال، أو نسيئه مؤجلاً.

وبيع الدين نسيئة : هو ما يعرف ببيع الكالئ أي الدين بالدين وهو بيع ممنوع شرعاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ، وقد قيل : أجمع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين، وذلك سواء أكان البيع للمدين، أم لغير المدين.

مثال الأول وهو بيع الدين للمدين : أن يقول شخص لآخر اشتريت منك مداً من الحنطة بدينار على أن يتم تسليم العوضين بعد شهر مثلاً. أو أن يشتري شخص شيئاً إلى أجل، فإذا حل الأجل، لم يجد البائع ما يقضي به دينه، فيقول للمشتري : بعني هذا الشيء إلى أجل آخر بزيادة شيء فيبيعه ولا يجري بينهما تقابض. فيكون هذا رباً حراماً تطبيقاً لقاعدة : "زدني في الأجل، وأزيدك في القدر".

ومثال بيع الدين لغير المدين : أن يقول رجل لغيره : بعتك العشرين مداً من القمح التي لي عند فلان بكذا تدفعها لي بعد شهر.

وبيع الدين نقداً في الحال :

أولاً- بيع الدين للمدين : أجاز أئمة المذاهب الأربعة بيع الدين لمن عليه الدين أو هبته له، لأن المانع من صحة بيع الدين بالدين هو العجز عن التسليم، ولا حاجة إلى التسليم ههنا، فما في ذمة المدين مسلم له. ومثاله : أن يبيع الدائن للمدين ديناً له في ذمته بدين آخر من غير جنسه، فيسقط الدين المبيع، ويجب عوضه.

ثانياً- بيع الدين لغير المدين : قال الحنفية بما أنه لا يجوز بيع معجوز التسليم، فلا ينعقد بيع الدين من غير من عليه الدين، لأن الدين غير مقدور التسليم إلا للمدين نفسه في حق البائع، لأن الدين عبارة عن مال حكمي في الذمة، أو عبارة عن فعل تمليك المال وتسليمه، وكل ذلك غير مقدور التسليم من البائع. ولو شرط التسليم على المدين لا يصح البيع أيضاً، لأن البائع شرط التسليم على غيره، فيكون شرطاً فاسداً، فيفسد البيع.

وقال الشافعية : يجوز بيع الدين المستقر للمدين ولغير المدين قبل القبض، لأن الظاهر القدرة على التسليم من غير منع ولا جحود، ومثال الدين المستقر : قيمة المتلفات، والمال الموجود عند المقترض.

وأما إن كان الدين غير مستقر : فإن كان مسلماً فيه في عقد السلم، فلا يجوز التصرف فيه قبل قبضه، لعموم النهي عن بيع مالم يقبض، ولأن الملك في المسلم فيه غير مستقر، لأنه ربما تعذر تسليمه لفقدانه، فانفسخ البيع فيه.

وإن كان الدين ثمناً ففي قول للشافعي : يجوز التصرف فيه قبل قبضه لخبر ابن عمر في هذا الشأن عن الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا بأس مالم تتفرقا، وبينكما شيء" رواه الترمذي ولأنه لا يخشى انفساخ العقد فيه بالهلاك، فصار ذلك مثل المبيع بعد القبض.

وقال الحنابلة : يصح في الصحيح من المذهب بيع الدين المستقر للمدين كبدل قرض ومهر بعد الدخول. ولا يصح بيع الدين لغير المدين، كما لا تصح هبة الدين لغير من هو في ذمته، لأن الهبة تقتضي وجود معين، وهو منتفٍ هنا. كما لا يصح بيع الدين غير المستقر كأجرة عقار قبل مضي مدة الإِيجار، ومهر قبل دخول بالمرأة، ومسلم فيه قبل القبض.

وقال المالكية : يجوز بيع الدين لغير المدين بشروط ثمانية تبعده عن الغرر والربا وأي محظور آخر كبيع الشيء قبل قبضه، وتتلخص هذه الشروط هنا في شرطين هما :

-1 ألا يؤدي البيع إلى محظور شرعي كالربا والغرر ونحوهما : فلا بد من أن يكون الدين مما يجوز بيعه قبل قبضه، كأن يكون من قرض ونحوه ويكون الدين المبيع غير طعام، وأن يباع بثمن مقبوض أي معجل لئلا يكون ديناً بدين، وأن يكون الثمن من غير جنس الدين المبيع أو من جنسه مع التساوي بينهما حذراً من الوقوع في الربا، وألا يكون الثمن ذهباً إذا كان الدين فضة، حتى لا يؤدي ذلك إلى بيع النقد بالنقد نسيئة من غير مناجزة، فهذه أربعة شروط في شرط.

-2 أن يغلب على الظن الحصول على الدين بأن يكون المدين حاضراً في بلد العقد، ليعلم حاله من عسر أو يسر، وأن يكون المدين مقراً بالدين، حتى لا ينكره بعدئذ، فلا يجوز بيع حق متنازع فيه وأن يكون أهلاً للالتزام بالدين بألا يكون قاصراً ولا محجوراً عليه مثلاً ليكون الدين مقدور التسليم، وألا يكون بين المشتري وبين المدين عداوة حتى لا يتضرر المشتري أو حتى لا يكون في البيع إعنات للمدين بتمكين خصمه منه.

فهذه أربعة شروط أخرى في شرط. ويظهر لنا أن مذهب المالكية هو الراجح بين المذاهب.

خصم الكمبيالة : ذكر الحنفية أن بيع أوراق الكمبيالة المتعارف في زماننا إلى غير الغريم (المدين) أو لمن عليه أموال أميرية بأنقص من الحق غير صحيح.


4- بيع الغرر:

الغرر في اللغة : الخطر، والتغرير : التعريض للهلاك، وأصل الغرر لغة : هو ماله ظاهر محبوب، وباطن مكروه. ولذلك سميت الدنيا متاعالغرور.

الغرر في اصطلاح الفقهاء : بيع الغرر : هو البيع الذي يتضمن خطراً يلحق أحد المتعاقدين، فيؤدي إلى ضياع ماله. أو هو بيع الأشياء الاحتمالية غير المحققة الوجود أو الحدود، لما فيه من مغامرة وتغرير يجعله أشبه بالقمار. والغرر الذي يبطل البيع : هو غرر الوجود : وهو كل ما كان المبيع محتملاً للوجود والعدم. وأما غرر الوصف فمفسد للبيع.

إذاً : الغرر هو الخطر بمعنى أن وجوده غير متحقق، فقد يوجد وقد لا يوجد. وبيع الغرر : بيع ما لا يعلم وجوده وعدمه، أو لا تعلم قلته وكثرته، أو لا يقدر على تسليمه.

حكم بيع الغرر : قد اتفق الفقهاء على عدم صحة بيع الغرر، مثل بيع اللبن في الضرع، والصوف على الظهر، واللؤلؤ في الصدف، والحمل في البطن، والسمك في الماء، والطير في الهواء قبل صيدهما، وبيع مال الغير على أن يشتريه فيسلمه، أي بيع ما سيملكه قبل ملكه له، لأن البائع باع ما ليس بمملوك له في الحال، سواء أكان السمك في البحر، أو في النهر، أو في حظيرة لا يؤخذ منها إلا باصطياد، وسواء أكان الغرر في المبيع أو في الثمن.

ومن البيوع غير الصحيحة بسبب الغرر : بيع المضامين والملاقيح، وبيع الملامسة والمنابذة والحصاة، وبيع ضربة القانص (بأن يقول البائع : بعتك ما يخرج من إلقاء هذه الشبكة مرة بكذا) وضربة الغائص (بأن يقول : أغوص غوصة، فما أخرجته من اللآلئ، فهو لك بكذا) فالمبيع في الأنواع الخمسة الأخيرة مجهول الذات أو المقدار، وقد ثبت النهي عنها، وهي من بيوع الجاهلية.

ومنها بيع المزابنة : وهو بيع الرطب أو العنب على النخل أو الكرمة بتمر مقطوع، أو زبيب مثل كيله خرصاً أي بتقديره حَزْراً أو تخميناً. وبيع المحاقلة : أي بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصاً، لأن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن المزابنة والمحاقلة" متفق عليه لما في ذلك من الربا لجهالة مقدار المبيع، إذ أنه كما هو معلوم يشترط التماثل حقيقة في الأموال الربوية. لكن للحاجة رخص الشافعية والحنابلة، وفي الراجح عند المالكية بيع العرايا : وهو عند الشافعية بيع الرطب على النخل خرصاً بتمر في الأرض كيلاً، أو بيع العنب على الشجر خرصاً بزبيب في الأرض كيلاً، فيما دون خمسة أوسق بشرط التقابض في المجلس عند الفقهاء ما عدا المالكية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورخص في العرايا متفق عليه. وأما الحنفية فقد أجازوا بيع العرايا للضرورة فقط.

ويلاحظ أن هذه البيوع غير الصحيحة بسبب الغرر، منها الباطل، ومنها الفاسد في اصطلاح الحنفية، فالفاسد منها فقط : هو بيع ضربة القانص والغائص والمزابنة والمحاقلة والملامسة والمنابذة وبيع الحصاة، وبيع ثوب من أثواب ونحوها مما فيه جهالة. وأما ماعداها فهو باطل. فبيع الملاقيح والمضامين وحبل الحبلة باطل، لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه، ولما فيه من الغرر، كما بينا في بحث بيع المعدوم.

والدليل على عدم صحة بيع الغرر في الجملة : هو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر. وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "لا تشتروا السمك في الماء، فإنه غرر"، ولأنه غير مقدور على تسليمه، وفيه جهالة فاحشة بمحل العقد أو بمقدار المبيع، ولأنه غير مملوك للبائع محل العقد.

الغرر اليسير : الغرر والجهالة ثلاثة أقسام : كثير ممتنع إجماعاً كالطير في الهواء. وقليل جائز إجماعاً كأساس الدار وقطن الجبة. ومتوسط اختلف فيه : هل يلحق بالأول أو الثاني، فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير، ولانحطاطه عن الكثير، ألحق بالقليل. وقد أجاز الحنفية بيع ما يشتمل على غرر يسير، كالأشياء التي تختفي في قشرها كالجوز واللوز والفستق والباقلاء الأخضر، والأرز والسمسم في قشرها الأعلى، والحنطة في سنبلها، والبطيخ والرمان على أن يكون للمشتري خيار الرؤية كما سيأتي بيانه في بحث هذا الخيار.

أما المالكية والحنابلة فقد أجازوا مطلقاً كل ما فيه غرر يسير، أو التي تدعو إليه الضرورة، كهذه الأشياء التي ذكرناها.

وأما الشافعية : فإنهم أجازوا بيع هذه الأشياء في قشرها الأسفل. أما بيعها بقشرها الأعلى فاختلفوا فيه على رأيين مشهورين في المذهب.

يرجح جواز بيع هذه الأشياء مطلقاً كما رأى المالكية والحنابة لتعارف الناس هذه البيوع، فإذا وجد فيها عيب أمكن فسخ العقد بمقتضى خيار العيب.

حكم التأمين مع شركات التأمين في الإسلام :

التأمين حديث النشأة، فقد طهر بمعناه الحقيقي في القرن الرابع عشر الميلادي في إيطاليا في صورة التأمين البحري. والتأمين (أو السوكرة) نوعان : تأمين تعاوني وتأمين بقسط ثابت.

أما التأمين التعاوني : فهو أن يتفق عدة أشخاص على أن يدفع كل منهم اشتراكاً معيناً، لتعويض الأضرار التي قد تصيب أحدهم إذا تحقق خطر معين. وهو قليل التطبيق في الحياة العملية.

وأما التأمين بقسط ثابت : فهو أن يلتزم المؤمَّن له بدفع قسط محدد إلى المؤمِّن : وهو شركة التأمين المكونة من أفراد مساهمين، يتعهد (أي المؤمن) بمقتضاه دفع أداء معين عند تحقق خطر معين. وهو النوع السائد الآن. ويدفع العوض إما إلى مستفيد معين أوإلى شخص المؤمن أو إلى ورثته، فهو عقد معاوضة ملزم للطرفين.

والفرق بين النوعين : أن الذي يتولى التأمين التعاوني ليس هيئة مستقلة عن المؤمن لهم، ولا يسعى أعضاؤه إلى تحقيق ربح، وإنما يسعون إلى تخفيف الخسائر التي تلحق بعض الأعضاء. أما التأمين بقسط ثابت فيتولاه المؤمن (أي الشركة المساهمة) الذي يهدف إلى تحقيق ربح، على حساب المشتركين المؤمن لهم. وكون المؤمن له قد لا يأخذ شيئاً في بعض الأحيان لا يخرج التأمين من عقود المعاوضات، لأن من طبيعة العقد الاحتمالي ألا يحصل فيه أحد العاقدين على العوض أحياناً.

التأمين التعاوني : لا شك في جواز التأمين التعاوني في الإسلام، لأنه يدخل في عقود التبرعات، ومن قبيل التعاون على البر، لأن كل مشترك يدفع اشتراكه بطيب نفس لتخفيف آثار المخاطر وترميم الأضرار التي تصيب أحد المشتركين، أياً كان نوع الضرر، سواء في التأمين على الحياة، أو الحوادث الجسمانية، أو على الأشياء (بسبب الحريق أو السرقة أو موت الحيوان) أو ضد المسؤولية من حوادث السير، أو حوادث العمل، ويجوز أيضاً للمؤمن له التأمين الإلزامي كالتأمين المفروض على السيارات ضد الغير، وتجوز التأمينات الأجتماعية ضد العجز والشيخوخة والمرض والتقاعد.

التأمين بقسط ثابت- فتوى ابن عابدين : أفتى ابن عابدين بحرمة التأمين البحري، لضمان ما قد يهلك من البضائع المستوردة بطريق النقل البحري، بالمراكب، فلا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من مال المؤمن لأسباب ثلاثة :

-1 إن هذا العقد التزام مالا يلزم، لعدم وجود سبب شرعي من أسباب الضمان الأربعة وهي العدوان من قتل وهدم وإحراق ونحوها، وتسبب الإتلاف كحفر بئر بدون ترخيص في الطريق العام، ووضع اليد غير المؤتمنة كالغصب والسرقة وبقاء المبيع في يد البائع، والكفالة. وليس المؤمن متعدياً، ولا متسبباً في الإتلاف، ولا واضع يد على المؤمن عليه، ويس في التأمين مكفول معين.

-2 ليس التأمين من قبيل تضمين الوديع إذا أخذ أجراً على الوديعة إذا هلكت، لأن المال ليس في يد المؤمن، بل في يد صاحب المركب، ولو كان صاحب المركب هو المؤمن، فإنه يكون أجيراً مشتركاً، لا وديعاً، وكل من الوديع والأجير المشترك لا يضمن ما لا يمكن الاحتراز عنه، كالموت والغرق والحرق الغالب.

-3 ليس التأمين من قبيل تضمين التغرير : لأن الغارّ لا بد من أن يكون عالماً بالخطر، وأن يكون المغرور جاهلاً به غير عالم. والمؤمن (شركة التأمين أو الضمان) لا يقصد تغرير التجار (المؤمن لهم)، ولا يعلم بحصول الخطر - الغرق مثلاً، هل يكون أم لا، أي لا يعلم : هل تغرق المركب أم لا؟

أما في حال العلم بالخطر من المؤمن والتاجر كالخطر من اللصوص وقطاع الطرق، فيجوز الضمان، ولكن ليس التأمين منطبقاً عليها. فلو قال شخص لآخر : أسلك هذا الطريق، فإن كان مخوفاً وأخذ مالك، فأنا ضامن : ضمن.

وأضاف ابن عابدين : أنه إن جرى عقد التأمين الفاسد في بلاد الحرب بين المؤمن وشريك حربي غير مسلم للمؤمن له، أو بين التاجر المؤمن له الموجود في دار الحرب وبين المؤمن، وأخذ بدل الهالك، وأرسله في الحالة الأولى إلى التاجر المسلم، أو قبض التاجر البدل في بلادنا في الحالة الثانية، فالظاهر أنه يحل للتاجر أخذه، لأن العقد الفاسد جرى بين حربيين في بلاد الحرب، وقد وصل إلى التاجر ما لهم برضاه، فلا مانع من أخذه. أما إن كان العقد في بلادنا، والقبض في بلاد الحرب، فلا يحل أخذ البدل، ولو برضا الحربي، لانبنائه على العقد الفاسد الصادر في بلاد الإسلام.

ولا يصح اعتبار التأمين من قبيل شركة المضاربة التي هي مال من طرف وعمل من طرف آخر، لسببين :

أولهما- أن الأقساط التي يدفعها المؤمن له تدخل في ملك شركة التأمين (المؤمن)، وهي مطلقة اليد في أن تتصرف بها كيفما تشاء. ويخسرها المؤمن له إن لم يقع الحادث.

ثانيهما- أن شرط صحة المضاربة أن يكون الربح بين صاحب المال والقائم بالعمل شائعاً بالنسبة كالربع أو الثلث، وفي التأمين يشترط للمشترك المؤمن له قدر معين في الربح 3% أو 4% فتكون هذه المضاربة غير صحيحة. ولو تجاوز العاقد هذا السبب، يظل السبب الأول، كما أنه في حال موت المؤمن له قد لا يذهب المبلغ المؤمن عليه للورثة مطلقاً وإنما للمستفيد، بخلاف حال موت رب المال في المضاربة.

ولا يصح اعتبار التأمين من قبيل الضمان أو الكفالة، لأنه ليس واحداً من أسباب الضمان الأربعة المشروعة المتقدمة، كما أنه في كثير من صور عقد التأمين لا يوجد فيه ما يمكن أن يعتبر مكفولاً، وإن وجد المكفول كما في التأمين من حوادث السيارات، فهو مجهول.

والحقيقة أن عقد التأمين من عقود الغرر - العقود الاحتمالية المترددة بين وجود المعقود عليه وعدمه، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر. ويقاس عليه عقود المعاوضات المالية، فيؤثر الغرر فيها كما يؤثر في عقد البيع.

وعقد التأمين مع الشركات من عقود المعاوضات المالية، فيؤثر فيه الغرر، كما يؤثر في سائر عقود المعاوضات المالية. وقد وضعه رجال القانون تحت عنوان "عقود الغرر"، لأن التأمين لا يكون إلا من حادث مستقبل غير محقق الوقوع، أو غير معروف وقوعه، فالغرر عنصر لازم لعقد التأمين.

والغرر في التأمين كثير، لا يسير، ولا متوسط، لأن من أركان التأمين : "الخطر" والخطر هو حادث محتمل لا يتوقف على إرادة العاقدين.

والحاجة التي من أجلها يجوز العقد المشتمل على الغرر ولو كان كثيراً : (وهي أن يصل المرء إلى حالة بحيث لو لم يتناول الممنوع يكون في جهد ومشقة، ولكنه لا يهلك) يشترط فيها أن تكون عامة، أو خاصة، وأن تكون متعينة.

والحاجة العامة : هي ما يكون الاحتياج فيها شاملاً لجميع الناس. والحاجة الخاصة : هي ما يكون الاحتياج فيها خاصاً بطائفة من الناس كأهل بلد، أو حرفة.

ومعنى كون الحاجة متعينة : أن تسد جميع الطرق المشروعة للوصول للغرض، سوى ذلك العقد الذي فيه الغرر.

ولو سلمنا بوجود حاجة عامة للتأمين في الوقت الحاضر، فإن الحاجة إليه غير متعينة، إذ يمكن تحقيق الهدف منه بطريق التأمين التعاوني القائم على التبرع، وإلغاء الوسيط المستغل لحاجة الناس الذي يسعى إلى الربح، وهو شركة الضمان. فيكون التأمين عقد معاوضة مشتملاً على غرر كثير من غير حاجة، فيمنع في الإسلام.

وبناء عليه لا يحل للتاجر وغيره من المستأمنين أخذ بدل الهالك من مال السوكرة، لأنه مال لا يلزم من التزم به، ولأن اشتراط الضمان على الأمين باطل.


5- بيع النجس والمتنجس:

قال الحنفية : لا ينعقد بيع الخمر والخنزير والميتة والدم، لأنها ليست بمال أصلاً. ويكره بيع العَذِرة، ولا بأس ببيع السرقين أو السرجين : وهو (الزبل) وبيع البعر، لأنه منتفع به، لأنه يلقى في الأرض لاستكثار الريع، فكان مالاً، والمال محل للبيع بخلاف العذرة، لأنه لا ينتفع بها إلا مخلوطة ويجوز بيع المخلوط كالزيت الذي خالطته النجاسة.

ويصح عندهم بيع كل ذي ناب من السباع، كالكلب والفهد والأسد والنمر والذئب والهر ونحوها، لأن الكلب ونحوه مال، بدليل أنه منتفع به حقيقة، مباح الانتفاع به شرعاً على الإطلاق كالحراسة والاصطياد، فكان مالاً. ويصح بيع الحشرات والهوام كالحيات والعقارب إذا كان ينتفع به.

ويصح بيع المتنجس والانتفاع به في غير الأكل كالدبغ والدهان والاستضاءة به في غير المسجد، ما عدا دهن الميتة، فإنه لا يحل الانتفاع به.

والضابط عندهم : أن كل ما فيه منفعة تحل شرعاً، فإن بيعه يجوز، لأن الأعيان خلقت لمنفعة الإنسان بدليل قوله تعالى : {خلق لكم ما في الأرض جميعاً}.

وقال المالكية : لا ينعقد بيع الخمر والخنزير والميتة لحديث جابر، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الله ورسوله حرما بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل : يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن، وتدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس ؟ فقال : لا، هو حرام، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قاتل الله اليهود إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومها جملوه - أذابوه - ثم باعوه فأكلوا ثمنه" رواه البخاري ومسلم وقال في الخمر : "إن الذي حرم شربها حرم بيعها" رواه مسلم.

ولا ينعقد بيع الكلب مع كونه طاهراً، سواء أكان كلب صيد أم حراسة، لأنه نهي عن بيعه، ففي الحديث : "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن".

ولا ينعقد بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره، كزيت وعسل وسمن وقعت فيه نجاسة. أما المتنجس الذي يمكن تطهيره، كثوب، فإنه يجوز بيعه.

ولا ينعقد أيضاً بيع ما نجاسته أصلية كزبل ما لا يؤكل لحمه، وكعذرة وعظم ميتة، وجلدها، ويصح بيع روث البقر وبعر الغنم والإبل ونحوها للحاجة إليها لتسميد الأرض وغيره من ضروب الانتفاع.

وقال الشافعية والحنابلة : لا يجوز بيع الخنزير والميتة والدم والخمر، وما أشبه ذلك من النجاسات، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والصنام" ولأنه يجب اجتناب النجس وعدم الاقتراب، والبيع وسيلة إلى الاقتراب.

ولا يجوز بيع الكلب ولو كان معلماً للنهي الوارد فيه في الحديث السابق : "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ..".

ولا يصح بيع ما لا منفعة فيه كالحشرات وسباع البهائم التي لا تصلح للاصطياد، كالأسد والذئب، والطيور التي لا تؤكل، ولا تصطاد، كالرخمة والحدأة والغراب، لأن ما لا منفعة فيه لا قيمة له، فأخذ العوض عنه من أكل المال بالباطل، وبذل العوض فيه من السفه.

ولا يجوز بيع المتنجس الذي لا يمكن تطهيره من النجاسة كالخل والدبس، ولكن يصح بيع المتنجس الذي يمكن تطهيره كالثوب ونحوه.

ولا يجوز بيع السرجين ونحوه من النجاسات، إلا أن الحنابلة أجازوا بيع السرجين الطاهر كروث الحمام وكل ما يؤكل لحمه.

والخلاصة : أن فقهاء الحنفية يجيزون بيع النجاسات للانتفاع بها إلا ما ورد النهي عن بيعه منها، لأن جواز البيع يتبع الانتفاع، فكل ما كان منتفعاً به جاز بيعه عندهم. وأما فقهاء المالكية والشافعية والمشهور عند الحنابلة : فلا يجيزون بيع النجاسات، لأن جواز البيع يتبع الطهارة، فكل ماكانطاهراً أي مالاً يباح الانتفاع به شرعاً يجوز بيعه عندهم.


6- بيع العربون:

في العربون ست لغات أفصحها فتح العين والراء، وضمن العين وإسكان الراء. وعربان بالضم والإِسكان، وهو أعجمي معرب، وأصله في اللغة : التسليف والتقديم.

وبيع العربون : هو أن يشتري الرجل شيئاً، فيدفع إلى البائع من ثمن المبيع درهماً، أو غيره مثلاً، على أنه إن نفذ البيع بينهما احتسب المدفوع من الثمن، وإن لم ينفذ، يجعل هبة من المشتري للبائع. فهو بيع يثبت فيه الخيار للمشتري : إن أمضى البيع كان العربون جزءاً من الثمن، وإن رد البيع فقد العربون، ومدة الخيار غير محددة بزمن، وأما البائع فإن البيع لازم له.

وقال بعض الحنابلة : لا بد أن تقيد فترة الانتظار بزمن محدد وإلا فإلى متى ينتظر البائع ؟

وقد اختلف فيه العلماء، فقال الجمهور : إنه بيع ممنوع غير صحيح، فاسد عند الحنفية، باطل عند غيرهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان ولأنه من باب الغرر والمخاطرة وأكل المال بغير عوض، ولأن فيه شرطين فاسدين : أحدهما - شرط الهبة، والثاني - شرط الرد على تقدير ألا يرضى، ولأنه شرط للبائع شيئاً بغير عوض، فلم يصح، كما لو شرطه لأجنبي، ولأنه بمنزلة الخيار المجهول، فإنه اشترط أن يكون له رد المبيع من غير ذكر مدة، فلم يصح، كما لو قال : ولي الخيار متى شئت رددت السلعة ومعها درهماً. وهذا هو مقتضى القياس.

وقال أحمد بن حنبل : لا بأس به ودليله ما أخرجه عبد الرازق في مصنفه من حديث زيد بن أسلم أنه "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العربان في البيع فأحله" وما روي فيه عن نافع بن عبد الحارث : "أنه اشترى لعمر دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم، فإن رضي عمر، كان البيع نافذاً، وإن لم يرض فلصفوان أربعمئة درهم". وضعف أحمد الحديث المروي في بيع العربان، وقد أصبحت طريقة البيع بالعربون في عصرنا الحاضر أساساً للارتباط في التعامل التجاري الذي يتضمن التعهد بتعويض ضرر الغير عن التعطل والانتظار.


7- بيع الماء:

عرفنا سابقاً أنه يشترط في المعقود عليه كونه مالاً محرزاً أي مملوكاً لواحد من الناس، فلا ينعقد بيع شيء غير محرز كالماء والهواء والتراب، فما هو المقصود بالماء، وما هي مذاهب العلماء في تملكه وبيعه ؟

قال الحنفية : المياه أربعة أنواع :

الأول- ماء البحار : وهو مشاع لجميع الناس، ولكل إنسان حق الانتفاع به على أي وجه شاء كالانتفاع بالشمس والقمر والهواء، فله أن ينتفع به لحوائجه الخاصة ولسقاية أراضيه أي أن له ما يسمى بحق الشفة وحق الشرب أو سقي الأراضي الزراعية والأشجار.

الثاني- ماء الأودية العظام، مثل أنهار دجلة والفرات والنيل وبردى والعاصي وسيحون وجيحون ونحوها من الأنهار العامة. وللناس فيها حق الشفة مطلقاً، وحق سقي الأراضي إن لم يضر السقي بمصلحة الجماعة، فإن أضربهم فلا يجوز السقي، لأن دفع الضرر العام واجب، ويجوز أيضاً تركيب المطاحن المائية على هذه الأنهار إن لم يكن هناك ضرر عام.

الثالث- الماء المملوك لجماعة مخصوصة كأهل قرية تختص بنهر صغير أو عين ماء أو بئر. ومنه الماء المأخوذ من الأنهار العامة الذي يجري في المقاسم أي المجاري المملوكة بشق الجداول ونحوها. ويثبت فيه لكل إنسان حق الشفة فقط للضرورة المقتضية إباحته لاحتياج الناس إليه، ولعدم إمكان استصحاب الماء إلى كل مكان.

الرابع- الماء المحرز في الأواني، وهو مملوك لمن أحرزه، ولا حق فيه لأحد غير صاحبه، ولا يجوز الانتفاع به إلا بإذن مالكه.

وبهذا يظهر أن الماء بالنسبة للتملك والبيع إما مباح، أو غير مباح، والمباح حق للجميع لقوله صلى الله عليه وسلم : "المسلمون شركاء في ثلاث : الماء، والكلأ، والنار" والمقصود بالمباح : ما يشمل النوعين الأولين، وهو ما لا يختص به أحد من الناس. وغير المباح أو المملوك : هو ما يدخل تحت الملكية سواء أكانت لفرد أم لجماعة، ويشمل النوعين الآخرين.

وهذا هو المعنى المقصود أيضاً عند المالكية والشافعية والحنابلة وقد يسمى هذان النوعان : الماء الخاص والماء العام. فالأول : هو الماء الممتلك في الأرض المملوكة كالبئر والعين. والثاني : هو غير المتملك في أرض غير مملوكة كالأنهار والعيون.

حكم بيع الماء : اتفق العلماء على أنه يستحب بذلك الماء بغير ثمن حتى ولو كان مملوكاً ولا يجبر المالك على بذل الماء، إلا في حال الضرورة بأن يكون قوم اشتد بهم العطش، فخافوا الموت، فيجب عليه سقيهم، فإن منعهم، فلهم أن يقاتلوه عليه.

ولكن الحنفية فصلوا فيما يباح به القتال فقالوا : يجوز للمضطر أن يقاتل بالسلاح مالك الماء في الحوض أو البئر أو النهر الذي في ملكه لأنه قصد اتلافه بمنع حقه وهو الشفة، والماء في البئر مباح غير مملوك. أما إن كان الماء محرزاً في الأواني، فيقاتل المضطر بغير السلاح، ويضمن له ما أخذ كما في حال أخذ الطعام عند المخمصة، لأن حل الأخذ للاضطرار لا ينافي الضمان. هذا ااذا كان الماء فاضلاً عن حاجة مالكه بأن كان يكفي لدفع الرمق لكل منهما، وإلا وجب تركه لمالكه.

أما عن بيع الماء، فقال الفقهاء : يجوز بيع غير المباح للناس جميعاً كماء البئر والعين والمحرز في الأواني ونحوها، ولصاحبه أن ينتفع به لنفسه، ويمنع غيره من الانتفاع. فله أن يمنع صاحب الحق في الشفة من الدخول في ملكه إذا كان يجد ماء بقربه، فإن لم يجد، يقال لصاحب البئر ونحوه : إما أن تخرج الماء إليه، أو تتركه ليأخذ الماء.