الدولة العباسية : المعتمد

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


ترجمته:
 
هو أحمد المعتمد على اللَّه بن المتوكل بن المعتصم وأمه أم ولد كوفية اسمها فتيان ولد سنة231 وبويع له بالخلافة من غير عهد سابق يوم الثلاثاء لأربع عشرة ليلة بقيت من رجب سنة256 (19 يونيو 870) ولم يزل خليفة حتى توفي ليلة الاثنين لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة279 (15 أكتوبر سنة892) فكانت مدته23 سنة وثلاثة أيام.
 
 
الأحوال الداخلية:
 
كانت نتيجة طلبات الأتراك أن يتولى أمر الجيش أحد إخوة أمير المؤمنين وألا يرأسهم أحد منهم لما كان بينهم من الخلاف والمنافسة أن ولى المعتمد أخاه أبا أحمد طلحة بن المتوكل أمر الجيش والولايات فولاه في صفر سنة257 الكوفة وطريق مكة والحرمين واليمن ثم ولاه في رمضان من هذه السنة بغداد والسواد وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس. 
 
وفي ربيع الأول سنة258 عقد له على ديار مضر وقنسرين والعواصم فصار السلطان الفعلي لأبي أحمد لا للخليفة وصارت كلمة أبي أحمد هي العليا على الأتراك وقوادهم فكان ذلك مما حسن الأحوال العامة بعض التحسين وإن كانت أحوال المعتمد نفسه ساءت لأنه لم يترك له شيء من التصرف حتى أنه احتاج في بعض الأحيان إلى ثلثمائة دينار فلم يجدها.

كان الذي يولي الوزراء هو أبو أحمد الموفق لأن المعتمد لم يكن له إلا الخطبة والسكة والاسم وما عدا ذلك فهو لأخيه.

كان أول الوزراء عبيد اللَّه بن يحيى بن خاقان وقدمنا ذكره إذ كان وزيراً للمتوكل. ولما عرضت عليه الوزارة كرهها وتنصل منها ولكنهم أبوا إلا إياه فرضي بعد ذلك الإباء وكان عبيد اللَّه خبيراً بأحوال الرعايا والأعمال ضابطاً للأموال ولم يزل وزيراً إلى سنة263حيث مات بسقوطه عن دابته في الميدان وصلى عليه أبو أحمد بن المتوكل ومشى في جنازته.

استوزر بعده الحسن بن مخلد وكان كاتباً لأبي أحمد الموفق فاجتمعت له وزارة المعتمد وكتابة الموفق.

ولي الوزارة بعده سليمان بن وهب وهو الذي كان وزيراً للمهتدي وقد قدمنا صفته وبيته وولي عبد اللَّه بن سليمان كتابة أبي أحمد الموفق إلى ما كان له قبل ذلك من كتابة موسى بن بغا.

وفي سنة264 خرج سليمان بن وهب من بغداد إلى سامرا حيث يقيم الخليفة فلما صار بها غضب عليه المعتمد وحبسه وقيده وانتهب داره وداري ابنيه وهب وإبراهيم وأعاد إلى الوزارة الحسن بن مخلد لثلاث بقين من ذي القعدة فلما علم بذلك الموفق شخص من بغداد ومعه عبد اللَّه بن سليمان فلما قرب من سامرا تحول المعتمد إلى الجانب الغربي فعسكر به ونزل أبو أحمد ومن معه جزيرة المؤيد واختلف الرسل بينهما. 
 
ولما كان بعد أيام خلون من ذي الحجة صار المعتمد إلى حراقة في دجلة وصار إليه أخوه أبو أحمد في زلال فخلع المعتمد عليه وعلى من معه من القواد.

وفي ثامن من ذي الحجة عبر جند أبي أحمد إلى جند المتوكل على وفاق وأطلق سليمان بن وهب ورجع المعتمد إلى الجوسق وهرب الحسن بن مخلد وأحمد بن صالح بن شيرزاد وكتب في قبض أموالهما وأموال أسبابهما.

ولم يدم رضا أبي أحمد طويلاً عن سليمان بن وهب فإنه غضب عليه سنة265 وأمر بحبسه وحبس ابنه عبد اللَّه فحبسا وعدة من أسبابهم في دار أبي أحمد وانتهبت دور عدة من أسبابه ووكل بحفظ داري سليمان وابنه عبد اللَّه وأمر بقبض ضياعهما وأموالهما وأموال أسبابهما وضياعهما خلا أحمد بن سليمان ثم صولح سليمان وابنه عبد اللَّه على900000 دينار وصيرا في موضع يصل إليهما من أحبا.

وقد مات سليمان بن وهب في حبس أبي أحمد سنة272.

ولى الوزارة بعده للمعتمد أبو الصقر إسماعيل بن بلبل وهو عربي ينتسب إلى شيبان ولكن نسبه كان مغموراً ومن مساورة الظنون للمتهم أن ابن الرومي الشاعر مدح أبا الصقر بقصيدة نونية مطلعها.
 
 
السامانيون:
 
تنسب الأسرة السامانية إلى بهرام جور صاحب كسرى هرمز فهي أسرة عريقة المجد في الأمة الفارسية. 
 
كان في عهد المأمون من تلك الأسرة أولاد أسد بن سامان وكان المأمون يرعى حقوق الحرمة لذوي البيوتات فقربهم ورفع من أقدارهم وكانت بلاد ما وراء النهر مقسمة بينهم يلونها من جهة أمير خراسان فكان نوح بن أسد في سمرقند وأحمد بن أسد في فرغانة ويحيى بن أسد في الشاس وأشروسنة وإلياس بن أسد في هراة. وكان أحمد بن أسد عفيف الطعمة مَرْضي السيرة لا يأخذ رشوة ولا أحد من أصحابه. 
 
ولما توفي استخلف ابنه نصراً على أعماله بسمرقند وما وراءها فبقي عاملاً بها إلى آخر أيام الطاهرية. وكان إسماعيل بن أحمد يخدم أخاه نصراً فولاه بخارى سنة261 وكان بين هذين الأخوين خطوب طويلة بسبب سعاة السوء حتى إنه في سنة275 تحارب نصر وإسماعيل فقهر نصر وحمل إلى أخيه إسماعيل فلما رآه ترجل له وقبل يديه ورده من موضعه إلى سمرقند وتصرف هو على النيابة عنه ببخارى.
 
 
أحمد بن طولون:
 
كان طولون مملوكاً تركياً أهداه نوح بن أسد الساماني إلى المأمون سنة200 فكان من عداد الجنود التركية الكفاة وولد له أحمد ابنه بسامرا سنة220 فربيّ في حلبة أولئك الجنود وأفصح بالعربية وحفظ القرآن الكريم وكان ذا خلق قويم ولما بلغت سنه العشرين توفي أبوه طولون فكان بعده في ضمن جنود بايكباك الذي تقدم ذكره.

كانت ولاية مصر مضافة إلى بايكباك وهو الذي يختار أميرها ففي سنة254 اختار لها أحمد بن طولون لما رأى من كفايته وشجاعته فعقد له عليها ودخلها أحمد لتسع بقين من رمضان وكان يتقلد القصبة وحدها وكان معه أحمد بن محمد الواسطي كاتب بايكباك.

لما توفي المعتز سنة255وتولى المهتدي وقتل بايكباك حل محله أماجور وكان صهراً لأحمد بن طولون فإن أحمد كان زوج ابنته فكتب إليه أماجور تسلم من نفسك لنفسك وزاده الأعمال الخارجية عن قصبة مصر فعظمت لذلك منزلته واتسع ملكه وكان يدعى على منابر مصر للخليفة أولاً ثم لأماجور ثم لأحمد بن طولون حتى مات أماجور سنة258 فاستقل أحمد بمصر ودعي له بها وحده بعد الدعاء للخليفة وضبط ابن طولون بلاد مصر أحسن ضبط وخضد شوكة الثائرين الذين كانوا يثورون بها من وقت لآخر.

وفي سنة262 حصل بينه وبين أبي أحمد الموفق تنافر أدى إلى وحشة استحكمت حلقاتها فكتب أبو أحمد إلى ابن طولون يهدده بالعزل فأجابه جواباً فيه بعض الغلظة فسير إليه الموفق جيشاً يقوده موسى ابن بغا فلما بلغ الرقة أقام فيها عشرة أشهر ولم يمكنه المسير لقلة الأموال وطالبته الجنود بالعطايا فلم يكن معه ما يعطيهم فاختلفوا عليه وثاروا بوزيره فاضطر ابن بغا أن يعود إلى العراق وكفى ابن طولون شره وفي سنة263 ولى المعتمد أحمد بن طولون طرطوس ليقوم بحفظ ذلك الثغر عن الروم الذين كانوا قد تطرقوا البلاد لضعف قوة الخلافة.

وفي سنة264 دخل في حوزته بلاد الشام والثغور بعد وفاة أماجور الذي كانت تلك البلاد له فاتسع ملكه اتساعاً عظيماً حتى كانت حدود مملكته تنتهي إلى نهر الفرات وبذلك تم التغلب والانفراد عن بني العباس من أقاصي الغرب إلى نهر الفرات فضاقت مملكة بني العباس واقتصرت على العراق والجزيرة الفراتية على ما فيها من الثورات والاضطرابات وبلاد الري والأهواز.

وكان الموفق في ذلك الوقت مشغولاً بحرب الدعي صاحب الزنج فكان ذلك فرصة عظيمة لأحمد بن طولون أن يقوي أمر ملكه وكان يعلم ما بين المعتمد الخليفة وبين أخيه من الفتور فأراد أن ينتفع من ذلك وصادف أن أرسل المعتمد إلى ابن طولون يشكو له مما هو فيه من استبداد الموفق عليه وأنه ليس له من الخلافة إلا الاسم فأشار عليه ابن طولون أن يلحق به بمصر ولو تم ذلك لانتقلت الخلافة العباسية إلى القطائع مدينة أحمد بن طولون بمصر ولكن حال دونه عامل الموصل والجزيرة الذي أرسل إليه الموفق أن يبذل جهده في منع المعتمد من المسير إلى مصر فلما بارح المعتمد سامرا ووصل إلى عمل الموصل منعه العامل من المسير فعاد ثانية إلى سامرا وبسبب ذلك اتسعت مسافة الخلف بين الموفق وابن طولون حتى أن ابن طولون قطع خطبة الموفق وأسقط اسمه من الطراز فتقدم الموفق إلى المعتمد يبلغه ففضل مكرها لأن هواه كان مع ابن طولون.

وفي سنة270 توفي أحمد بن طولون فخلفه في مصر والشام والثغور الشامية ابنه خمارويه وقد استمر ملك مصر والشام في أعقاب ابن طولون إلى سنة292 وقد ولي من هذا البيت خمسة أمراء وهم

(1) أحمد بن طولون (254-270)

(2) خمارويه بن أحمد (270-282)

(3) أبو العساكر جيش بن خمارويه (282-283)

(4) هارون بن خمارويه (283-292)

(5) شيبان بن أحمد بن طولون (292-292)
 
 
الحوادث الخارجية:
 
ترتب على الاضطراب الذي قصصنا حديثه في عهد المعتمد أن الحدود الرومية كانت محل اضطراب دائم يغير عليها الروم كل وقت فيجدون الدفاع عنها ضعيفاً حتى أنهم أخذوا سنة263 حصن لؤلؤة الذي كان شجى في حلوقهم وغلبوا كثيراً من الجيوش ولم تتحسن الأحوال قليلاً إلا بعد أن أخذ ابن طولون مدينة طرسوس وعهد إليه حماية الثغور الشامية فتولى الغزو بجنوده المصرية والشامية وقد أوقع بالروم وقعة هائلة سنة270 .

وكانت غارات الروم بعد ذلك على ديار ربيعة وثغورها الجزري فكانت ترد السرايا من تلك الجهة فتغير على المسلمين وهم غارون يأخذون منهم كثيراً من الأسرى ولولا جنود المتطوعين لكانت الحال أسوأ مما حصل.
 
 
ولاية العهد:
 
كان أبو أحمد الموفق ولي العهد بعد المعتمد وكانت إليه أمور الخلافة فعلاً فلما توفي سنة278 جعل ولي العهد المفوض بن المعتمد ومن بعده أبو العباس بن أبي أحمد الموفق وكان أبو العباس صاحب الكلمة في الخلافة بعد أبيه فلم يلبث أن خلع المفوض من ولاية العهد وجعل نفسه مقدماً.
 
 
صفات المعتمد:
 
لم يكن للمعتمد نفوذ في إدارة البلاد ولا شيء من سياسة المملكة لأن الأمر كله كان منوطاً بأخيه أبي أحمد وكان المعتمد مشغوفاً بالطرب والغالب عليه المعاقرة ومحبة أنواع اللهو والملاهي لا هم له إلا ذلك وله أحاديث في الغناء والرقص والندامى وهيئة المجالس ومنازل التابع والمتبوع وكيفية مراتبهم وتعبية مجالس الندماء استبدل هذا بتعبية الجيوش وسوقها إلى خوض الغمرات.
 
 
وفاة المعتمد:
 
وكانت وفاة المعتمد على أثر شراب شربه فأكثر منه ثم أتبعه بأكلة هاضته وأتت على حياته لإحدى عشرة ليلة بقيت من رجب سنة279.

أجنت لك الوصل أغصان وكثبان فيهن نوعان تفاح ورمـان

يقول فيها:

قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا لعمري ولكن منه شيبان

كم من أب قد علا بابن له شـرفا كما برسول اللَّه عدنــان