الدولة العباسية : المعتز

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


ترجمته:
 
المعتز هو أبو عبد اللَّه المعتز المتوكل بن المعتصم بن الرشيد وأمه أم ولد اسمها قبيحة ولد سنة231 وكان أبوه المتوكل جعله ولي عهده بعد المنتصر فلم تتم له الولاية لأن المنتصر أرغمه على أن يخلع نفسه ولما ولي المستعين بعد المنتصر حبسه هو وأخاه المؤيد حتى كانت الفتنة بين قواد المستعين فأخرج المعتز وبويع وتم له الأمر بعد خلع المستعين في رابع محرم سنة252 (25 يناير سنة866) ولم يزل والياً إلى أن خلع لثلاث بقين من رجب سنة255(11 يولية سنة869 )فكانت مدة خلافته بعد خلع المستعين ثلاث سنوات وستة أشهر و 23 يوماً.
 
 
وزراء المعتز:
 
لم يكن للوزارة في هذا العهد كبير شأن لانحطاط أمر الخلافة نفسها وقد كان الوزراء كتاب أموال فمن أمكنه أن يقوم بحاجة كبار الأتراك ومقدميهم بقي في منصبه وإلا عزل وفعلت به الأفاعيل.

أول وزراء المعتز أبو الفضل جعفر بن محمود الإسكافي. 
 
لم يكن له علم ولا أدب ولكنه كان يستميل القلوب بالمواهب والعطايا وكانت وزارته على غير رغبة المعتز لأنه كان يكرهه وكان الأتراك فيه فريقين فثارت بسبب ذلك فتنة فعزل من أجل ذلك.

وتولى الوزارة بعده عيسى بن فرخانشاه ولم يمكث إلا قليلاً حتى عزل بسبب فتنة كالأولى.

دخل صالح بن وصيف مقدم الأتراك على المعتز وقال له: يا أمير المؤمنين ليس للأتراك عطاء ولا في بيت المال مال وقد ذهب ابن إسرائيل وأصحابه بأموال الدنيا فقال له: أحمد بن إسرائيل يا عاصي يا ابن العاصي ثم لم يزالا يتراشقان الكلام بحضرة الخليفة حتى سقط صالح مغشياً عليه من شدة الغيظ والحرفرش على وجهه الماء وبلغ ذلك أصحابه وهم على الباب فصاحوا صيحة واحدة واخترطوا سيوفهم ودخلوا على المعتز فلما رأى ذلك المعتز دخل وتركهم وأخذ صالح بن وصيف أحمد بن إسرائيل الوزير والحسن بن مخلد كاتب قبيحة أم المعتز وأبا نوح عيسى بن إبراهيم فقيدهم وطالبهم بالمال فقال المعتز لصالح قبل أن يحملهم هب لي أحمد فإنه كاتبي وقد رباني فلم يفعل ذلك صالح وبعثت إليه أم المعتز في ابن إسرائيل تقول له: إما حملته إلى المعتز وإما ركبت إليك فيه.
 
فلم يفد هذا ولا ذاك شيئاً. 
 
وهذا دليل على انحطاط عظيم في أمر الخلافة وزاد صالح الأمر شنعة فبعث إلى جعفر بن محمود الإسكافي الذي كره المعتز أن يعمل له وولاه الوزارة رغم أنفه.

وإسكاف التي ينتمي إليها جعفر بن محمود قرية من نواحي النهروان بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي وهي إسكاف العليا وهناك إسكاف السفلى بالنهروان أيضاً.
 
 
العلويون في عهد المعتز:
 
في عهد المعتز مات علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا وهو الإمام العاشر من أئمة الشيعة الإمامية فتولى الشيعة بعده ابنه الحسن العسكري وهو الحادي عشر من أئمتهم وإنما لقب بالعسكري لإقامته بسامرا التي كانت تدعى إذ ذاك بالعسكر.

أما الزيدية فكانوا قد وجدت لهم دولة ببلاد طبرستان على يد الحسن بن زيد كما تقدم وقد اتهم جماعة من الطالبيين في بغداد والكوفة بالدعوة للحسن بن زيد ووجدت مع بعضهم كتب من الحسن فأمر المعتز بحملهم إليه بسامرا فحملوه إليه ولم يعرض المعتز لهم بمكروه وإنما توثق منهم.
 
 
حال الجيش والأتراك:
 
استخلف المعتز وأحوال الجند والأتراك على شر ما يكون فهم أصحاب السلطان والنفوذ وهم فيما بينهم مختلفون لأنه لا يد فوق تقف كلا منهم عند حده ولا حيلة للخليفة إلا مراعاة جانبهم حيناً وإعمال الحيلة والدسائس حيناً وهكذا يفعل كل من سلب سلطانه ولا قدرة على استرداده.

في أول خلافة المعتز كتب بإسقاط اسم وصيف وبغا وهما أكبر قواد الأتراك لما كان من مساعدتهما المستعين وكان هذا الكتاب مرسلاً إلى محمد بن عبد اللَّه بن طاهر أمير بغداد فبلغ ذلك وصيفاً وبغا فجاءا إلى محمد وقالا بلغنا أيها الأمير ما عزم عليه القوم من قتلنا والقوم قد غدروا وخالفواما فارقونا عليه واللَّه لو أرادوا أن يقتلونا ما قدروا فحلف لهم محمد باللَّه أنه لم يعلم بشيء من ذلك فذهب الرجلان وتحرزا وتكلم لهما عند المعتز من أرضاه عنهما ثم اجتمع الأتراك عند المعتز وسألوه الأمر بإحضارهما وقالوا هما كبيرانا ورئيسانا فكتب إليهما بالرضا عنهما فذهبا من بغداد إلى سامرا فذهب لزيارتهما في منزلهما وزير المعتز أحمد بن إسرائيل وردهما المعتز إلى مراتبهما رغم أنفه بناء على إلحاح الأتراك وردت إليه ضياعهما.
 
 
خاتمة المستعين سلف المعتز:
 
قدمنا أن المعتز كتب للمستعين شروطاً عند خلعه منها تأمينه على حياته وقد أكدوا في هذا الكتاب تأكيداً شديداً وارتضى أن يقيم بالبصرة فقيل له: إن البصرة وبيئة فكيف اخترت أن تنزلها فقال المستعين: هي أوبأ أو ترك الخلافة؟ فأشخص المستعين مع محمد بن مظفر بن سيسل وابن أبي حفصة إلى واسط لا إلى البصرة في نحو400 من الفرسان وقبل أن تنتهي السنة بدا للمعتز فعزم على قتل المستعين ولم يبال بكتاب الأمان فأرسل إلى ابن طاهر يأمره أن يكتب إلى عامل البصرة أن يسلم المستعين لمن ندبه المعتز لاستلامه وهو أحمد بن طولون التركي فأخرج المستعين من واسط لست بقيت من شهر رمضان فوافى به القاطول لثلاث خلون من شوال فتسلمه منه سعيد بن صالح وكان في ذلك ختام حياة المستعين وكيفية قتله مبهمة مختلف فيها كثيراً وأتى المعتز فيما قيل برأسه وهو يلعب الشطرنج فقيل هذا رأس المخلوع فقال ضعوه هنالك ثم فرغ من لعبه ودعا به فنظر إليه ثم أمر بدفنه وأجاز سعيد بن صالح بخمسين ألف درهم وولي معونة البصرة.
 
 
خلع المعتز:
 
لما أخذ صالح بن وصيف الكتاب على الشكل الذي أوضحناه قبلاً في تاريخ الوزراء لم يجد عندهم من المال ما يسد مطامعه ومطامع الجنود الذين معه فذهبت الجنود إلى المعتز وقالوا له: إعطنا أرزاقنا حتى نقتل لك صالح بن وصيف فأرسل المعتز إلى أمه ذات الثروة الطائلة يسألها أن تعطيه مالاً ليعطيهم فأبت أن تعطيه شيئاً وأنكرت أن يكون عندها شيء ولما وجد الأتراك أن المعتز وأمه قد امتنعا أن يسمحا لهم بشيء وبيت المال خال اتحدت كلمة الأتراك والفراغنة والمغاربة على خلع المعتز فساروا إليه لثلاث بقين من رجب فلم يرعه إلا صياح القوم وإذا صالح بن وصيف وبايكباك ومحمد بن بغا قد دخلوا عليه في السلاح فجلسوا على باب المنزل الذي ينزله المعتز. 
 
ثم بعثوا إليه اخرج إلينا فبعث إليهم إني أخذت الدواء أمس وقد أجفلني اثنتي عشرة مرة ولا أقدر على الكلام من الضعف فإن كان أمراً لا بد منه فليدخل إلي بعضكم فليعلمني فدخل إليه القوم فجروا برجله إلى باب الحجرة وتناولوه كما قيل ضرباً بالدبابيس فخرج وقميصه مخرق في مواضع وآثار الدم على منكبه فأقاموه في الشمس في الدار في وقت شديد الحر فصار يرفع قدمه ساعة بعد ساعة من حرارة الموضع الذي قد أقيم فيه ثم بعثوا إلى قاضي القضاة فحضر وأمر المعتز أن يمضي على كتاب خلع كتب له فأمضى وشهد عليه الحاضرون. 
 
ويقال إنه بعد الخلع دفع إلى من يعذبه ومنع الطعام والشراب ثلاثة أيام فطلب حسوة من ماء البحر فمنعوه حتى مات وهكذا انتهت حياة هذا الخليفة البائس الذي سعى كثيراً للحصول على هذه الخلافة وركب في سبيل الخلاص ممن توهمهم مزاحمين له ما لا يجوز من خليفة ولا من سوقة فقتل المستعين وخلع أخاه ثم قتله ونفى أخاه الثاني كل ذلك لتهيأ له الخلافة فلم ينل ما أراد بسبب الفساد المستحكم في الدولة.

وكان المعتز أول خليفة أظهر الركوب بحلية الذهب وكان من سلف قبله من خلفاء بني العباس وكذلك جماعة من بني أمية يركبون بالحلية الخفيفة من الفضة والمناطق واتخاذ السيوف والسروج واللجم فلما ركب المعتز بحلية الذهب اتبعه الناس في فعل ذلك.