الدولة العثمانية : السلطان مراد الثالث
السلطان الغازي مراد خان الثالث ابن السلطان سليم الثاني 982 - 1003 هـ
لما توفي السلطان سليم كان ابنه السلطان مراد بمدينة مغنيسيا والياً عليها فأخفى الصدر الأعظم خبر موت السلطان أحد عشر يوماً إلى أن حضر وجلس على تخت أجداده وكان عمره وقتئذ عشرين سنة وبعد دفن أبيه في تربته المخصوصة صرف للجنود عطايا الجلوس المعتادة وقدرها 110000 . من الذهب فمنع بذلك الاضطرابات التي كانت تحدث عادة إذا تأخر صرف تلك الهبات.
واقعة وادي السبيل 983هـ:
اعلم أنه في السنة الثانية من جلوس السلطان مراد جهز دون سبستيان ملك البرتغال حملة قوية ظاهرها مساعدة عم أمير فاس الشريف محمد المتوكل السعدي ونقل الجيوش بالأساطيل العديدة إلى بلاد فاس. فعندها استنجد الشريف عبد الله بالسلطان مراداً فأمر السلطان رمضان باشا بكلر بك الجزائر بالأخذ بناصره بالقوّة بعد أن يتوسط في الصلح أولًا ليمنع إراقة الدماء ولما لم تفلح مساعي الوالي المذكور في التوفيق بين المتخاصمين تلاقى جيش والي الجزائر ومن انضم إليه من شيعة عبد الملك بجيش سبستيان ومحالفه الشريف محمد المتوكل وبعد قتال شديد دار بين الطرفين هزم جيش سبستيان ومحالفه وقتل سبستيان.
الحملة على بلاد العجم:
لما قامت الثورات في بلاد العجم بين أولاد العائلة الملوكية عقب وفاة الشاه طهماسب كتب خسرو باشا والي أرضروم إلى الدولة يعلمها بالحاصل في بلاد العجم ويحرضها على فتحها فعين السلطان لالا مصطفى باشا فاتح قبرس وسر عسكر الشرق قائداً لهذه الحملة فلما وصل إلى أرضروم بالعساكر تقدم إلى حدود العجم وحاربهم بجوار قلعة جلدير وقهر قائدهم طوقان خان وبعد ذلك فتحت الجيوش العثمانية كرجستان ثم دخلت تفليس وتعين جعفر باشا محافظاً لقلعتها.
وسنة 987هـ ساقت العجم أربع فرق لإعادة البلاد التي فتحتها الدولة فقابلهم عثمان باشا ابن أوزتيمور وردهم على أعقابهم خاسرين وفي هذه السنة تعين لالا مصطفى باشا المذكور صدراً أعظم بدلاً عن صوقللي محمد باشا الذي جلس في دست الوزارة 15 سنة خدم فيها الدولة والملة بالصداقة والأمانة مما خلد له أجمل الذكر وأحسن السيرة.
محاربات النمسا 1001-1015هـ:
لما تمردت طائفة اليكجرية وقرع الاختلال أبواب الدولة رأى الوزراء أن من حسن السياسة إشغال العساكر بالمحاربات ثم الالتفات إلى تقرير الأحوال وتسكين الأعمال فأوعزوا إلى حسن باشا والي بلاد البوشناق بشن الغارة على بلاد النمسا لمساعدة ملكهم رودلف الثاني أمة المجر إلا أنه لما تقدّم جيش حسن باشا ببلاد كرواسيا وقع في كمين للنمساويين فقتل هو وغالب عسكره ولم ينج منهم إلا القليل ولما بلغ هذا الخبر الدولة العثمانية أخذ الوزراء يتذاكرون في الديوان العالي فيما إذا كان الواجب الانتقام من دولة النمسا بإعلان الحرب عليها أم لا وكان رأي كثير من الوزراء تجنب الحرب لما فيه من الارتباك حتى إن الشيخ سعد الدين أفندي معلم السلطان قال في ذلك المجلس: إني أكتب تاريخاً للدولة العلية وصلت فيه إلى هذا العصر وأريد أن أجعل خاتمته قولي أن أحد عبيد السلطان أخذ ابن أخي شاه العجم وأحضره بين يديه وأن ملك النمسا عجل بدفع الجزية عن سنتين آتيتين.
وبذلك كان يرجح جانب الصلح غير أن سنان باشا وهو الصدر الأعظم فاتح بلاد اليمن لما كان يحسد فرهاد باشا على ما ناله من الشأن والشهرة في حرب العجم أراد أن يفوقه شهرة فرجح جانب الحرب وقال مخاطباً لسعد الدين يمكنك أن تختم الوقائع بقولك: إن أحد مماليك السلطان قبض على ابن أخي شاه العجم وأخذه رهينة وقبض مملوك آخر على ملك النمسا وأحضره بين يدي السلطان وبمثل ذلك من أقوال الغرور وفتح باب الحرب مكفراً كل من خالفه في رأيه هذا وأمر في الحال بناء على أمر السلطان بسرعة التجهيزات وكان الفصل شتاء ثم تحرك الجيش إلى أن ركز أعلامه بمدينة بلغراد ولما كان حرب النمسا هذا قد طالت مدته وامتدت أيامه أكثر من حرب العجم بحيث لم ينته إلا في زمن السلطان أحمد الأول 1015م بمعاهدة زيدوه تروك (SITOVATOROK) رأينا من المناسب الكلام على ما كان له من النتائج مدة هذا السلطان.
وفاته:
وقد كانت وفاة هذا السلطان سنة 1003هـ وعمره خمسون سنة ويروى أنه لإنهماكه الزائد بالنساء خلف مائة ولد وخمسة عشر ولداً كان له اشتغال ومشاركة ببعض العلوم وله شعر بليغ بالعربية والفارسية والتركية وكان يميل إلى علم التصوف محباً للعلماء تقياً وفي زمنه تطرق الخلل إلى نظامات وقوانين الدولة.