الدولة العباسية : المهتدي

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


ترجمته:
 
هو محمد المهتدي باللَّه بن هارون الواثق بن المعتصم بن الرشيد وأمه أم ولد رومية يقال لها قرب، ولد سنة218 وبويع له بالخلافة بعد أن خلع المعتز نفسه لثلاث بقين من رجب سنة255 (11 يوليو سنة869) ولم يزل خليفة إلى أن خلع في 14 رجب سنة256 (17 يونيو سنة870) فكانت مدته 11 شهراً وأياماً.
 
 
كيف انتخب:
 
لما عزم الأتراك على خلع المعتز أرسلوا إلى بغداد فأحضروا محمداً هذا وقد كان المعتز نفاه إليها واعتقله فيها فأتي به في يوم وليلة إلى سامرا فتلقاه الموالي في الطريق ودخل إلى الجوسق فعرضوا عليه الخلافة فأبى أن يقبلها حتى يرى المعتز ويسمع كلامه فأتي بالمعتز وعليه قميص مدنس وعلى رأسه منديل فلما رآه محمد وثب إليه فعانقه وجلسا جميعاً على السرير فقال له محمد يا أخي ما هذا الأمر قال المعتز أمر لا أطيقه ولا أقوم به ولا أصلح له؛ فأراد محمد أن يتوسط أمره ويصلح الحال بينه وبين الأتراك فقال امعتز لا حاجة لي فيها ولا يرضوا بي لها، فقال محمد: فأنا في حل من بيعتك، قال أنت في حل فلما جعله في حل من بيعته حول وجهه عنه فأقيم عن حضرته ورده إلى محبسه وكان من أمره ما قدمنا.
 
 
وزراء المهتدي:
 
أبقى المهتدي محمود بن جعفر الإسكافي على وزارته مدة قليلة ثم عزله واستوزر من بعده سليمان بن وهب بن سعيد.

وكان سليمان أحد كتاب الدنيا ورؤسائها فضلاً وأدباً وكتابة في الدرج والدستور وأحد عقلاء العالم وذوي الرأي منهم واستمر وزيراً للمهتدي إلى أن خلع.
 
 
صفات المهتدي:
 
كان المهتدي من صالح بني العباس يكره الظلم ويحب رفعه وبنى قبة لها أربعة أبواب وسماها قبة المظالم وجلس فيها للعام والخاص للمظالم وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر وحرم الشراب ونهى عن القيان وأظهر العدل وكان يحضر كل جمعة إلى المسجد الجامع ويؤم بهم وكان فيه ديانة وتقشف حتى أن الجند تأسوا به إلا أن الدولة كانت وصلت إلى الدرجة التي لا يصلحها فيها مثل المهتدي في صلاحه وكثرة عبادته في بدء خلافته.
 
 
خلع المهتدي ثم وفاته:
 
كانت كل هذه الأحوال فرصاً لخلاص المهتدي من سيادة القواد الأتراك فلم يفعل بل كان ظاهره مع الرؤساء وباطنه مع الجنود ويظهر أنه أراد استعمال الحيلة في الخلاص منهم فأنقذ جنداً لمحاربة خارجي وفيه موسى بن بغا وبايكباك ومفلح فكتب المهتدي إلى باكيباك يأمره أن يضم العسكر الذي مع موسى إلى نفسه وأن يكون هو أمير الجيش وأن يقتل موسى ومفلحا. 
 
فلما وصل الكتاب بايكباك ذهب إلى موسى وأراه إياه وقال له إني لست أفرح بهذا وإنما هو تدبير علينا جميعاً وإذا فعل بك اليوم شيء فعل بي غداً مثله فما ترى؟ قال أرى أن تصير إلى سامرا وتظهر له أنك في طاعته فإنه يطمئن إليك ثم تدبر في قتله فقدر بايكباك فدخل على المهتدي فأظهر المهتدي الغضب من مخالفته حيث لم يقتل موسى ومفلحاً فاعتذر إليه بايكباك فاحتبسه المهتدي عنده وأخذ سلاحه ولما رأى الجند الذين معه غيبته عنهم جاشوا وأحاطوا بالجوسق فلما رأى المهتدي ذلك استشار صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور فأشار عليه أن يفعل ما فعله المنصور بأبي مسلم فأمر المهتدي بضرب عنق بايكباك فضرب عنقه والأتراك مطيفون بالجوسق بسلاحهم فلم يرعهم إلا رأس بايكباك بين أيديهم أمر المهتدي برميها. 
 
فلما رأوها اضطربوا واستعدوا للقتال فحاربتهم الفراغنة والمغاربة والأشروسنية وكثر بينهم القتل ثم انفصل الفريقان وذهب الأتراك فقووا أنفسهم وجاء منهم زهاء عشرة آلاف وخرج المهتدي وفي عنقه مصحف يدعو الناس إلى نصرته فلما التحم القوم مال الأتراك الذين مع المهتدي إلى إخوانهم وبقي في المغاربة والفراغنة ومن خف من العامة فحملت عليهم الأتراك حملة شديدة ففروا منهزمين معهم المهتدي والسيف في يده مشهور وهو يقول: يا معشر الناس انصروا خليفتكم حتى صار إلى دار محمد بن يزداد وفيها أحمد بن جميل صاحب الشرطة فدخلها ووضع سلاحه فعلم الأتراك خبره فجاؤوا إليه وقبضوا عليه وحملوه إلى داره مهاناً وذلك في14 رجب سنة256 ثم خلعوه لما أبى أن يخلع نفسه ثم مات لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة256.