العقيدة : الوجودية - الفرويدية - الصائبة المندائية

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


الـــوجــوديـــة:

التعــريـــف:

تيار فلسفي يعلي من قيمة الإِنسان ويؤكد على تفرده، وأنه صاحب تفكير وحرية وإرادة واختيار ولا يحتاج إلى موجه، وهو جملة من الاتجاهات والأفكار المتباينة، وليس نظرية فلسفية واضحة المعالم. ونظراً لهذا الاضطراب والتذبذب لم تستطع إلى الآن أن تأخذ مكانها بين العقائد والأفكار.

التأســيس وأبـــرز الشخصــيات:

- يرى رجال الفكر الغربي أن "سورين كير كجورد" (1813 - 1855م) هو مؤسس المدرسة الوجودية. من خلال كتابه: رهبة واضطراب.

- أشهر زعمائها المعاصرين: جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي المولود سنة 1905م وهو ملحد ويناصر الصهيونية له عدة كتب وروايات تمثل مذهبه منها: الوجودية مذهب إنساني، الوجود والعدم، الغثيان، الذباب، الباب المغلق.

- ومن رجالها كذلك: القس كبرييل مارسيل وهو يعتقد أنه لا تناقض بين الوجودية والنصرانية.

- كارل جاسبرز: فيلسوف ألماني.

- بسكال بليز: مفكر فرنسي.

- وفي روسيا: بيرد يائيف، شيسوف، سولوفييف.

الأفـــكار والمعتقــدات:

- يكفرون بالله ورسله وكتبه وبكل الغيبيات وكل ما جاءت به الأديان ويعتبرونها عوائق أمام الإِنسان نحو المستقبل. وقد اتخذوا الإِلحاد مبدأ ووصلوا إلى ما يتبع ذلك من نتائج مدمرة.

- يؤمنون إيماناً مطلقاً بالوجود الإِنساني ويتخذونه منطلقاً لكل فكرة.

- يعتقدون بأن الإِنسان أقدم شيء في الوجود وما قبله كان عدماً وأن وجود الإِنسان سابق لماهيته.

- يعتقدون بأن الأديان والنظريات الفلسفية التي سادت خلال القرون الوسطى والحديثة لم تحل مشكلة الإِنسان.

- يقولون: إنهم يعملون لإِعادة الاعتبار الكلي للإِنسان ومراعاة تفكيره الشخصي وحريته وغرائزه ومشاعره.

- يقولون بحرية الإِنسان المطلقة وأن له أن يثبت وجوده كما يشاء وبأي وجه يريد دون أن يقيده شيء.

- يقولون: إن على الإِنسان أن يطرح الماضي وينكر كل القيود دينية كانت أم اجتماعية أم فلسفية أم منطقية.

- يقول المؤمنون منهم إن الدين محله الضمير أما الحياة بما فيها فمقودة لإِرادة الشخص المطلقة.

- لا يؤمنون بوجود قيم ثابتة توجه سلوك الناس وتضبطه إنما كل إنسان يفعل ما يريد وليس لأحد أن يفرض قيماً أو أخلاقاً معينة على الآخرين.

- أدى فكرهم إلى شيوع الفوضى الخلقية والإِباحية الجنسية والتحلل والفساد.

- رغم كل ما أعطوه للإِنسان فإن فكرهم يتسم بالانطوائية الاجتماعية والانهزامية في مواجهة المشكلات المتنوعة.

- الوجودي الحق عندهم هو الذي لا يقبل توجيهاً من الخارج إنما يسيِّر نفسه بنفسه ويلبي نداء شهواته وغرائزه دون قيود ولا حدود.

- لها الآن مدرستان واحدة مؤمنة والأخرى ملحدة وهي التي بيدها القيادة وهي المقصودة بمفهوم الوجودية المتداول على الألسنة فالوجودية إذاً قائمة على الإِلحاد.

- الوجودية في مفهومها تمرد على الواقع التاريخي وحرب على التراث الضخم الذي خلفته الإِنسانية.

- تمثل الوجودية اليوم واجهة من واجهات الصهيونية الكثيرة التي تعمل من خلالها وذلك بما تبثه من هدم للقيم والعقائد والأديان.

الجــذور الفــكرية والعقائـــدية:

- إن الوجودية جاءت ردة فعل على تسلط الكنيسة وتحكمها في الإِنسان بشكل متعسف باسم الدين.

- تأثرت بالعلمانية وغيرها من الحركات التي صاحبت النهضة الأوروبية ورفضت الدين والكنيسة.

- تأثرت بسقراط الذي وضع قاعدة (اعرف نفسك بنفسك).

- تأثروا بالرواقيين الذين فرضوا سيادة النفس.

الانتشار ومواقــع النفــوذ:

- ظهرت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ثم انتشرت في فرنسا وإيطاليا وغيرهما وقد اتخذت من بشاعة الحروب وخطورتها على الإِنسان مبرراً للانتشار السريع.

- انتشرت أفكارهم المنحرفة المتحللة بين المراهقين والمراهقات في فرنسا وألمانيا والسويد والنمسا وإنجلترا وأمريكا وغيرهما حيث أدت إلى الفوضى الخلقية والإِباحية الجنسية واللامبالاة بالأعراف الاجتماعية والأديان.


الفـــرويديــة:

التعــريـــف:

الفرويدية مدرسة في التحليل النفسي أسسها اليهودي سيجموند فرويد وهي تفسر السلوك الإِنساني تفسيراً جنسياً، وتجعل الجنس هو الدافع وراء كل شيء كما أنها تعتبر القيم والعقائد حواجز وعوائق تقف أمام الإِشباع الجنسي مما يورث الإِنسان عقداً وأمراضاً نفسية.

التأسيـس وأبــرز الشخصــيات:

أولاً: المؤســس وحياتــه:

- ولد سيجموند فرويد في 6 مايو 1856م في مدينة فريبورج بمقاطعة مورافيا بتشيكوسلوفاكيا الحالية من والدين يهوديين.

- استقرت أسرة أبيه في "كولونيا" بألمانيا زمناً طويلاً، وفي القرن الرابع أو الخامس عشر نزحت شرقاً. وفي القرن التاسع عشر هاجرت مرة أخرى من ليتوانيا عن طريق غاليسيا إلى مورافيا التابعة لأمبراطورية النمسا والمجر قبل زوالها عقب الحرب العالمية الأولى.

- ولدت أمه بمدينة برودي في الجزء الشمالي من غاليسيا الواقعة بالقرب من الحدود الروسية، وقد نزح والدها إلى فيينا وهي لا تزال طفلة ولما شبت تزوجت من جاكوب فرويد والد سيجموند فرويد حيث أنجبت له سبعة أبناء.

- و "غاليسيا" المدينة البولندية التي جاء منها والد فرويد كانت معقلاً رئيسياً ليهود شرق أوروبا، وبسبب ظروف الشغب رحلت الأسرة إلى برسلاو بألمانيا وعمر سيجموند حينها ثلاث سنوات، ثم رحلوا مرة أخرى إلى فيينا حيث أمضى معظم حياته (وبقى فيها إلى سنة 1938م حيث غادرها إلى لندن ليقضي أيامه الأخيرة فيها مصاباً بسرطان في خده وقد أدركته الوفاة في 23 سبتمبر 1939).

- تلقى تربيته الأولى وهو صغير على يدي مربية كاثوليكية دميمة عجوز متشددة كانت تصحبه معها أحياناً إلى الكنيسة مما شكل عنده عقدة ضدّ المسيحية فيما بعد.

- نشأ يهودياً، وأصدقاؤه من غير اليهود نادرون إذ كان لا يأنس لغير اليهود ولا يطمئن إلا إليهم.

- دخل الجامعة عام 1873م وكان يصر على أنه يرفض رفضاً قاطعاً أن يشعر بالدونية والخجل من يهوديته. لكن هذا الشعور الموهوم بالاضطهاد ظل يلاحقه على الرغم من احتلاله أرقى المناصب.

- في سنة 1885م غادر فيينا إلى باريس وتتلمذ على شاركوت مدة عام حيث كان أستاذه هذا يقوم بالتنويم المغناطسي لمعالجة الهستيريا وقد أعجب فرويد به وهو الذي أكّد له أن بعض حالات الأمراض العصبية يكون سببها مرتبطاً بوجود اضطراب في الحياة الجنسية.

- في سنة 1886م عاد إلى فيينا وبدأ يشتغل بدراسة الحالات العصبية بعامة والهستيريا بخاصة مستعملاً التنويم المغناطسي.

- عاد مرة أخرى إلى فرنسا ليتعرف على مدرسة نانسي، لكنه خاب أمله عندما علم بأنهم ينجحون في التنويم المغناطيسي مع الفقراء أكثر من نجاحهم مع الأغنياء الذين يتلقون علاجاً على حسابهم الشخصي.

- عاد إلى فيينا من جديد وعاد إلى استعمال التنويم المغناطيسي فحقق نجاحاً مقبولاً.

- أخذ يتعاون مع جوزيف بروير (1842 - 1925م) وهو طبيب نمساوي صديق لفرويد، وهو فيزيولوجي في الأصل لكنه انتقل إلى العمل الطبي وكان ممن يستعملون التنويم المغناطيسي أيضاً.

- بدأ الاثنان باستعمال طريقة التحدث مع المرضى فحقّقا بعض النجاح ونشرا أبحاثهما في عامي 1893 و 1895م وصارت طريقتهما مزيجاً من التنويم والتحدث، ولم يمض وقت طويل حتى انصرف بروير عن الطريقة كلها.

- انضم عام 1895م إلى جمعية (بناي برث) أي أبناء العهد وهذه التي لم تكن تقبل في عضويتها غير اليهود، وكان حينها في التاسعة والثلاثين من عمره، وقد واظب على حضور اجتماعاتها على مدى سنوات، كما ألقى فيها محاضراته عن تفسير الأحلام.

- تابع فرويد عمله تاركاً طريقة التنويم معتمداً على طريقة التحدث طالباً من المريض أن يضطجع ويتحدث مفصحاً عن كل خواطره، وسماها طريقة (الترابط الحر) سالكاً طريقَ رفعِ الرقابة عن الأفكار والذكريات، وقد نجحت طريقته هذه أكثر من الطريقة الأولى.

- كان يطلب من مريضه أن يسرد عليه حلمه الذي شاهده في الليلة الماضية، مستفيداً منه في التحليل، وقد وضع كتاب "تفسير الأحلام" الذي نشره سنة 1900م، ثم كتاب (علم النفس المرضي للحياة اليومية) ثم تتالت كتبه وصار للتحليل النفسي مدرسة سيكولوجية صريحة منذ ذلك الحين.

- أسس في فيينا مركز دائرة علمية، واتصل به أناس من سويسرا وأوروبا عامة، مما أدى إلى انعقاد المؤتمر الأول للمحللين النفسيين سنة 1908م إلا أن هذه الدائرة لم تدم طويلاً إذ انقسمت على نفسها إلى دوائر مختلفة.

- كان يعرف تيودور هرتزل الذي ولد عام 1860م، وقد أرسل فرويد إليه أحد كتبه مع إهداء شخصي عليه، كما سعيا معاً لتحقيق أفكار واحدة خدمة للصهيونية التي ينتميان إليها من مثل فكرة "معاداة السامية" التي ينشرها هرتزل سياسياً، ويحللها فرويد نفسياً.

ثانياً: مِنْ أصحابه وتلاميــذه:

- من أصحابه: ساخس، رايك، سالزمان، زيلبورج، شويزي، فرانكل، روينلز، سيمل، وهم جميعاً يهود.

- لارنست جونز، مؤرخ السيرة الفرويدية، مسيحي مولداً، ملحد فكراً، يهودي شعوراً ووجداناً، حتى إنهم خلعوا عليه لقب: اليهودي الفخري.

- ولهلهم ستكل، وفرنز وتلز: عضوان هامان في جماعة فرويد إلا أنهما قد خرجا عليه لاختلافات بسيطة تناولت النظريات أو الطرائق.

- أوتو رانك (1884 - 1939م) قام بوضع نظرية تقوم أساساً على أفكار فرويد الأصلية مع بعض التعديلات الهامة، وأبرز نقاط نظريته أن صدمة الميلاد العميقة تظل تؤثر في الإِنسان تأثيراً لا ينقطع سعيه بعدها من أجل استعادة اتزانه ونموه.

- الفرد آدلر: ولد في فيينا (1870 - 1937م)، وقد انضم إلى جماعة فرويد مبكراً لكنه افترق عنه بعد ذلك مؤسساً مدرسة سماها مدرسة "علم النفس الفردي" مستبدلاً بالدوافع الجنسية عند فرويد عدداً من الدوافع الاجتماعية مع التأكيد على إرادة القوة والمجهودات الشعورية.

- كارل جوستاف يونج (1875 - 1961م) ولد في زوريخ، وهو مسيحي، نصبه فرويد رئيساً للجمعية العالمية للتحليل النفسي، لكنه خرج على أستاذه معتقداً بأن هذه المدرسة التحليلية ذات جانب واحد وغير ناضجة، وكان لخروجه أثر بالغ على فرويد. وضع نظرية (السيكولوجيا التحليلية) مشيراً إلى وجود قوة دافعة أكبر هي طاقة الحياة مؤكداً على دور الخبرات اللاشعورية المتصلة بالعرق أو العنصر.

ثالثاً: الفرويـديون المحدثــون:

حدث انسلاخ كبير عن الفرويدية الأصلية، وذلك عندما تكونت الفرويدية الحديثة التي كان مركزها مدرسة واشنطن للطب العقلي، وكذلك معهد إليام ألانسون هوايت في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مدرسة تتميز بالتأكيد على العوامل الاجتماعية وعلى أن ملامح الإِنسان إيجابية، وهم يلحّون على نقل التحليل النفسي إلى علم الاجتماع للبحث عن أصول الحوافز البشرية في تلبية مطالب الوضع الاجتماعي، ومن أبرز شخصياتهم:

- هاري ستاك سليفان (1892 - 1949م) الذي يميل إلى تمحيص مظاهر التفاعل بين المريض والآخرين وانعكاسات ذلك على الناحية النفسية.

- أريك فروم: ظهر بين (1941 - 1947م) كان ينظر إلى الإِنسان على أنه مخلوق اجتماعي بالدرجة الأولى بينما ينظر إليه فرويد على أنه مخلوق مكتف بذاته، تحركه عوامل غريزية.

- إبرام كاردينر، ظهر ما بين (1939 - 1945م) وسار في طريق دراسة التفاعل بين المؤسسات الاجتماعية والشخصية الفردية.

- كارن هورني: استعملت طريقة فرويد خمسة عشر عاماً في أوروبا وأمريكا إلا أنها أعادت النظر فيها إذ وضعت نظرية جديدة تحرر فيها التطبيق العلاجي من كثير من القيود التي تفرضها النظرية الفرويدية.

- وعلى الرغم من ذلك فإن الفرويديين المحدثين لا يزالون متمسكين بأشياء كثيرة من نظرية فرويد الأصلية من مثل:

-1 أهمية القوى الانفعالية بوصفها مضادة للدفع العقلي والارتكاسات الاشتراطية وتكوين العادات.

-2 الدفع اللاشعوري.

-3 الكبت والمقاومة وأهمية ذلك في التحليل أثناء العلاج.

-4 الاهتمام بالنزاعات الداخلية وأثرها على التكوين النفسي.

-5 التأثير المستمر للخبرات الطفولية المبكرة.

-6 طريقة التداعي الحر، وتحليل الأحلام، واستعمال حقيقة النقل.

الأفــكار والمعتقــدات:

أولاً: الأســس النظريــة:

- الأسس الثلاثة التي تركز عليها المدرسة التحليلية هي: الجنس - الطفولة - الكبت. فهي مفاتيح السيكولوجية الفرويدية.

- نظرية الكبت: هي دعامة نظرية التحليل النفسي وهي أهم قسم فيه إذ لابدّ من الرجوع إلى الطفولة المبكرة وإلى الهجمات الخيالية التي يراد بها إخفاء فاعليات العشق الذاتي أيام الطفولة الأولى إذ تظهر كل الحياة الجنسية للطفل من وراء هذه الخيالات.

- يعتبر فرويد مص الأصابع لدى الطفل نوعاً من السرور الجنسي (الفموي) ومثل ذلك عض الأشياء، فيما يعدّ التغوط والتبول نوعاً من السرور الجنسي (الأستي) كما أن الحركات المنتظمة للرجلين واليدين عند الطفل إنما هي تعبيرات جنسية طفولية.

- اللبيدو طاقة جنسية أو جوع جنسي، وهي نظرية تعتمد على أساس التكوين البيولوجي للإِنسان الذي تعتبره حيواناً بشرياً فهو يرى أن كل ما نصرح بحبه أو حبّ القيام به في أحاديثنا الدارجة يقع ضمن دائرة الدافع الجنسي، فالجنس عنده هو النشاط الذي يستهدف اللذة وهو يلازم الفرد منذ مولده إذ يصبح الأداة الرئيسية التي تربط الطفل بالعالم الخارجي في استجابته لمنبهاته.

- الدفع: يقول بأن كل سلوك مدفوع، فإلى جانب الأفعال الإِرادية التي توجهها الدوافع والتمنيات هناك الأفعال غير الإِرادية أو العارضة، فكل هفوة مثلاً ترضي تمنياً وكل نسيان دافعه رغبة في إبعاد ذلك الشيء.

- الشلل أو العمى لديه قد يكون سببه الهروب من حالة صعبة يعجز الإِنسان عن تحقيقها، وهذا يسمى انقلاب الرغبة إلى عرض جسدي.

- الحلم عنده هو انحراف عن الرغبة الأصلية المستكنة في أعماق النفس وهي رغبة مكبوتة يقاومها صاحبها في مستوى الشعور ويعيدها إلى اللاشعور، وأثناء النوم عندما تضعف الرقابة تأخذ طريقها باحثة لها عن مخرج.

- يتكلم فرويد عن تطبيق مبدأين هما اللذة والواقع، فالإِنسان يتجه بطبيعته نحو مبدأ اللذة العاجلة لمباشرة الرغبة لكنه يواجه بحقائق الطبيعة المحيطة به فيتجنب هذه اللذة التي تجلب له آلاماً أكبر منها أو يؤجل تحقيقها.

- يفترض فرويد وجود غريزتين ينطوي فيهما كل ما يصدر عن الإِنسان من سلوك وهما غريزة الحياة وغريزة الموت. غريزة الحياة تتضمن مفهوم اللبيدو وجزءاً من غريزة حفظ الذات، أما غريزة الموت فتمثل نظرية العدوان والهدم موجهة أساساً إلى الذات ثم تنتقل إلى الآخرين.

- الحرب لديه هي محاولة جماعية للإِبقاء على الذات نفسياً، والذي لا يحارب يعرض نفسه لاتجاه العدوان إلى الداخل فيفني نفسه بالصراعات الداخلية، فالأولى به أن يفني غيره إذن، والانتحار هو مثل واضح لفشل الفرد في حفظ حياته. وهذا المفهوم إنما يعطي تبريراً يريح ضمائر اليهود أصحاب السلوك العدواني المدمر.

- اللاشعور: هو مستودع الدوافع البدائية الجنسية وهو مقر الرغبات والحاجات الانفعالية المكبوتة التي تظهر في عثرات اللسان والأخطاء الصغيرة والهفوات وأثناء بعض المظاهر الغامضة لسلوك الإِنسان. إنه مستودع ذو قوة ميكانيكية دافعة وليس مجرد مكان تلقى إليه الأفكار والذكريات غير الهامة.

- الـ (هي): مجموعة من الدوافع الغريزية الموجودة لدى الطفل عند ولادته والتي تحتاج إلى الشعور الموجه، وهي غرائز يشترك فيها الجنس البشري بكافة. إنها باطن النفس، وقد نتجت عن (الأنــا) إلا أنها تبقى ممزوجة بها في الأعماق أي حينما تكون (الأنــا) لا شعورية، وهي تشمل القوى الغريزية الدافعة، فإذا ما كبتت هذه الرغبات فإنها تعود إلى الـ (هي).

- (الأنــا): بعد قليل من ميلاد الطفل يزداد شعوراً بالواقع الخارجي فينفصل جزء من مجموعة الدوافع الـ (هي) لتصبح ذاتاً ووظيفتها الرئيسية هي اختيار الواقع حتى يستطيع الطفل بذلك تحويل استجاباته إلى سلوك منظم يرتبط بحقائق الواقع ومقتضياته، إنها ظاهر النفس الذي يرتبط بالمحيط.

- (الأنــا العليــا): هي الضمير الذي يوجه سلوك الفرد والجانب الأكبر منه لا شعوري، إنها ما نسميه بالضمير أو الوجدان الأخلاقي، لها زواجر وأوامر تفرضها على (الأنـا)، وهي سمة خاصة بالإِنسان، إذ إنها أمور حتمية صادرة من العالم الداخلي.

- النقــل: وهي أن المريض قد ينقل حبه أو بغضه المكبوت في أعماق الذكريات إلى الطبيب مثلاً خلال عملية المعالجة. وقد تعرض بروير لحب واحدة من اللواتي كان يعالجهن إذ نقلت عواطفها المكبوتة إليه، فكان ذلك سبباً في انصرافه عن هذه الطريقة بينما تابع فرويد عمله بمعالجة الواحدة منهم بنقل عواطفها مرة أخرى والوصول بها إلى الواقع.

- استفاد كثيراً من عقدة أوديب تلك الأسطورة التي تقول بأن شخصاً قد قتل أباه وتزوج أمه وأنجب منها وهو لا يدري. ولما علم بحقيقة ما فعل سمل عينيه، فقد استغلها فرويد من إسقاطات نفسية كثيرة واعتبرها مركزاً لتحليلاته المختلفة.

- شخصية الإِنسان هي حصيلة صراع بين قوى ثلاث: دوافع غريزية، واقع خارجي، ضمير، وهي أمور رئيسية تتحدد بشكل ثابت بانتهاء الموقف الأوديبي حوالي السنة الخامسة أو السادسة من العمر.

ثانيـاً: الآثــار السلبية للفرويديـة:

- لم ترد في كتب وتحليلات فرويد أية دعوة صريحة إلى الانحلال كما يتبادر إلى الذهن وإنما كانت هناك إيماءات تحليلية كثيرة تتخلل المفاهيم الفرويدية تدعو إلى ذلك، وقد استفاد الإِعلام الصهيوني من هذه المفاهيم لتقديمها على نحو يغري الناس بالتحلل من القيم وييسر لهم سبله بعيداً عن تعذيب الضمير.

- كان يتظاهر بالإِلحاد ليعطي لتفكيره روحاً علمانية، ولكنه على الرغم من ذلك كان غارقاً في يهوديته من قمة رأسه إلى أخمص قدميه.

- كان يناقش فكرة "معاداة السامية" وهي ظاهرة كراهية اليهود، هذه النغمة التي يعزف اليهود عليها لاستدرار العطف عليهم، وقد ردّ هذه الظاهرة نفسياً إلى اللاشعور وذلك لعدة أسباب:

- غيرة الشعوب الأخرى من اليهود لأنهم أكبر أبناء الله وآثرهم عنده (حاشا لله).

- تمسّك اليهود بطقس الختان الذي ينبه لدى الشعوب الأخرى خوف الخصاء ويقصد بذلك النصارى لأنهم لا يختتنون.

- كراهية الشعوب لليهود هو في الأصل كراهية للنصارى المسيحيين، وذلك عن طريق "النقل" إذ إن الشعوب التي تُنزِل الاضطهاد النازي باليهود إنما كانت شعوباً وثنية في الأصل، ثم تحولت إلى النصرانية بالقوة الدموية، فصارت هذه الشعوب بعد ذلك حاقدة على النصرانية لكنها بعد أن توحدت معها نقلت الحقد إلى الأصل الذي تعتمد على النصرانية ألا وهو اليهودية.

- يدعو إلى اشباع الرغبة الجنسية، وذلك لأن الإِنسان صاحب الطاقة الجنسية القوية والذي لا تسمح له النصرانية إلا بزوجة واحدة فإما أن يرفض قيود المدنية ويتحرر منها بإشباع رغباته الجنسية وإما أن يكون ذا طبيعة ضعيفة لا يستطيع الخروج على هذه القيود فيسقط صاحبها فريسة للمرض النفسي ونهبة للعقد النفسية.

- يقول بأن الامتناع عن الاتصال الجنسي قبل الزواج قد يؤدي إلى تعطيل الغرائز عند الزواج.

- عقد فصلاً عن "تحريم العذرة" وقال بأنها تحمل مشكلات وأمراضاً لكلا الطرفين، واستدل على ذلك بأن بعض الأقوام البدائية كانت تقوم بإسناد أمر فض البكارة لشخص آخر غير الزوج، ذلك ضمن احتفال وطقس رسمي.

- لقد برر "عشق المحارم" لأن اليهود أكثر الشعوب ممارسة له بسبب انغلاق مجتمعهم الذي يحرم الزواج على أفراده خارج دائرة اليهود، وهو يرجع هذا التحريم إلى قيود شديدة كانت تغلّ الروح وتعطلها، وهو بذلك يساعد اليهود أولاً على التحرر من مشاعر الخطيئة كما يسهل للآخرين اقتحام هذا الباب الخطير بإسقاط كل التحريمات واعتبارها قيوداً وأغلالاً وهمية. وقد استغل اليهود هذه النظرية وقاموا بإنتاج عدد من الأفلام الجنسية الفاضحة والتي تعرض نماذج من الزنى بالمحارم.

- لم يعتبر (التصعيد) أو الإِعلاء - كما يسميه - إلا طريقاً ضعيفاً من ضغط الدافع الجنسي إذ إن هذا الطريق لن يتيسر خلال مرحلة الشباب إلا لقلة ضئيلة من الناس وفي فترات متقطعة وبأكبر قدر من العنت والمشقة، أما الباقون - وهم الغالبية العظمى - فليس أمامهم إلا المرض النفسي يقعون صرعاه. كما أن أصحاب التصعيد هؤلاء إنما هم ضعاف يضيعون في زحمة الجماهير التي تنزع إلى السير بإرادة مسلوبة وراء زعامة الأقوياء.

- في كفاحه ضدّ القيود والأوامر العليا الموجهة إلى النفس صار إلى محاربة الدين واعتباره لوناً من العصاب النفسي الوسواسي.

- تطورت فكرة الألوهية لديه على النحو التالي:

- كان الأب هو السيد الذي يملك كل الإِناث في القبيلة ويحرمها على ذكورها.

- قام الأبناء بقتل الأب، ثم التهموا جزءاً نيئاً من لحمه للتوحد معه لأنهم يحبونه.

- صار هذا الأب موضع تبجيل وتقدير باعتباره أباهم أصلاً.

- ومن ثم اختاروا حيواناً مرهوباً لينقلوا إليه هذا التبجيل فكان الحيوان هو الطوطم.

- الطوطمية أول صورة للدين في التاريخ البشري.

- كانت الخطوة الأولى بعد ذلك هي التطور نحو الإِله الفرد فتطورت معها فكرة الموت الذي صار بهذا الاعتبار خطوة إلى حياة أخرى يلقى الإِنسان فيها جزاء ما قدم.

- الله - إذن في فهمه - هو بديل الأب أو بعبارة أصح هو أب عظيم، أو هو صورة الأب كما عرفها المرء في طفولته.

- نخلص من هذا بأن العقائد الدينية - في نظره - أوهام لا دليل عليها، فبعضها بعيد عن الاحتمال ولا يتفق مع حقائق الحياة، وهي تقارن بالهذيان، ومعظمها لا يمكن التحقق من صحته، ولا بدّ من مجيء اليوم الذي يصغي فيه الإِنسان لصوت العقل.

- حديثه عن الكبت فيه إيحاءات قوية وصارخة بأن الوقاية منه تكمن في الانطلاق والتحرر من كل القيود، كما يحرم الإِدانة الخلقية على أي عمل يأتيه المريض مركزاً على الآثار النفسية المترتبة على هذه الإِدانة في ازدياد العقد المختلفة مما يحرفه عن السلوك السوي.

- مما ساعد على انتشار أفكاره ما يلي:

- الفكر الدارويني الذي أرجع الإِنسان إلى أصول حيوانية مادية.

- الاتجاه العقلاني الذي ساد أوروبا حينذاك.

- الفكر العلماني الذي صبغ الحياة بثورته ضد الكنيسة أولاً وضد المفاهيم الدينية ثانياً.

- اليهود الذين قدموا فكره للإِنسانية باستخدام مختلف الوسائل الإِعلامية بغية نشر الرذيلة والفساد وتسهيل ذلك على ضمائر البشرية ليسهل لهم قيادة هذا الرعاع من الشعوب اللاهثة وراء الجنس، المتحللة من كل القيود والقيم.

- من أكبر الآثار المدمرة لآراء فرويد، أن الإِنسان حين كان يقع في الإِثم كان يشعر بالذنب وتأنيب الضمير، فجاء فرويد ليريحه من ذلك، ويوهمه بأنه يقوم بعمل طبيعي لا غبار عليه، وبالتالي فهو ليس بحاجة إلى توبة، وبذلك أضفى على
الفساد "صفة أخلاقية" إذا صح التعبير.

الجــذور الفــكرية والعقائــدية:

- لقد دخل التنويم المغناطيسي إلى حقل العلم والطب على يد مسمر 1780 إلا أنه قد مزج بكثير من الدجل مما نزع بالأطباء إلى أن ينصرفوا عنه انصرافاً دام حتى أيام مدرستي باريس ونانسي.

- لقد كان الدكتور شاركوت 1825 - 1893 أبرز شخصيات مدرسة باريس، إذ كان يعالج المصابين بالهستيريا عن طريق التنويم المغناطيسي.

- من تلاميذ شاركوت بيير جانه الذي اهتم بالأفعال العصبية غير الشعورية والتي سماها الآليات العقلية.

- ساهمت مدرسة نانسي بفرنسا بالتنويم المغناطيسي المعتدل وقالت بأنه أمر يمكن أن يحدث لكل الأسوياء، ذلك لأنه ليس إلا حالة انفعال و منشؤها الإِيحاء، وقد استعملته هذه المدرسة في معالجة الحالات العصبية.

- أما فرويد فقد أخذ الأسس النظرية ممن سبقه، وأدخل أفكاره في تحليل التنويم المغناطيسي باستخدام طريقة التداعي الحرّ. لكن لهذا الوجه العلمي الظاهر وجه آخر هو التراث اليهودي الذي استوحاه فرويد واستخلص منه معظم نظرياته التي قدمها للبشرية خدمة لأهداف صهيون.

الانتشـــار ومواقـــع النفــوذ:

- بدأت هذه الحركة في فيينا، وانتقلت إلى سويسرا، ومن ثم عمت أوروبا، وصارت لها مدارس في أمريكا.

- وقد حملت الأيامُ هذه النظرية إلى العالم كله عن طريق الطلاب الذي يذهبون إلى هناك ويعودون لنشرها في بلادهم.

- تلاقي هذه الحركة اعتراضات قوية من عدد من علماء النفس الغربيين اليوم.


الصــــابئة المندائيــــة:

التعـــريــف:

الصابئة المندائية هي الطائفة الصابئة الوحيدة الباقية إلى اليوم والتي تعتبر "يحيى" عليه السلام نبياً لها، يقدّس أصحابها الكواكب والنجوم ويعظمونها، ويعتبر الاتجاه نحو نجم القطب الشمالي وكذلك التعميد في المياه الجارية من أهم معالم هذه الديانة التي يجيز أغلب فقهاء المسلمين أخذ الجزية من معتنقيها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى.

التأسيــس وأبـــرز الشخصــيات:

- يدّعي الصابئة المندائيون بأن دينهم يرجع إلى عهد آدم عليه السلام.

- ينتسبون إلى سام بن نوح عليه السلام، فهم ساميون.

- يزعمون أن يحيى عليه السلام هو نبيهم الذي أرسل إليهم.

- كانوا يقيمون في القدس، وبعد الميلاد طردوا من فلسطين فهاجروا إلى مدينة حران فأثروا هناك بمن حولهم وتأثروا بعبدة الكواكب والنجوم من الصابئة الحرانيين.

- ومن حران هاجروا إلى موطنهم الحالي في جنوبي العراق وإيران وما يزالون فيه، حيث يعرفون بصابئة البطائح.

- منهم الكنزبرا الشيخ عبدالله بن الشيخ سام الذي كان مقيماً في بغداد سنة 1969م وهو الرئيس الروحي لهم، وقد كان في عام 1954م يسكن في دار واقعة بجوار السفارة البريطانية في الكرخ ببغداد.

الأفــكار والمعتقــدات:

أولاً: كتبهم:

لديهم عدد من الكتب المقدسة مكتوبة بلغة سامية قريبة من السريانية وهي:

الكنزاربّا: أي الكتاب العظيم ويعتقدون بأنه صحف آدم عليه السلام، فيه موضوعات كثيرة عن نظام تكوين العالم وحساب الخليقة وأدعية وقصص، وتوجد في خزانة المتحف العراقي نسخة كاملة منه. طبع في كوبنهاجن سنة 1815م، وطبع في لا ييزيغ سنة 1867م.

دراشة إديهيا: أي تعاليم يحيى، وفيه تعاليم وحياة النبي يحيى عليه السلام.

الفلستا: أي كتاب عقد الزواج، ويتعلق بالاحتفالات والنكاح الشرعي والخطبة.

سدرة إدنشماثا: يدور حول التعميد والدفن والحداد، وانتقال الروح من الجسد إلى الأرض ومن ثمّ إلى عالم الأنوار، وفي خزانة المتحف العراقي نسخة حديثة منه مكتوبة باللغة المندائية.

كتاب الديونان: فيه قصص وسير بعض الروحانيين مع صور لهم.

كتاب إسفر ملواشه: أي سفر البروج لمعرفة حوادث السنة المقبلة عن طريق علم الفلك والتنجيم.

كتاب النياني: أي الأناشيد والأذكار الدينية، وتوجد نسخة منه في المتحف العراقي.

كتاب قماها ذهيقل زيوا: ويتألف من 200 سطر وهو عبارة عن حجاب يعتقدون بأن من يحمله لا يؤثر فيه سلاح أو نار.

تفسير بغره: يختص في علم تشريح جسم الإنسان وتركيبه والأطعمة المناسبة لكل طقس مما يجوز لأبناء الطائفة تناوله.

كتاب ترسسر ألف شياله: أي كتاب الاثني عشر ألف سؤال، يتناول الأخطاء في الطقوس وطريقة غفرانها، وكذلك الشعائر الدينية المصاحبة لذلك.

ديوان طقوس التطهير: وهو كتاب يبين طرق التعميد بأنواعه على شكل ديوان.

كتاب كداواكدفياتا: أي كتاب العوذ.

ثانياً: طبقات رجال الدين:

يشترط في رجل الدين أن يكون سليم الجسم، صحيح الحواس، متزوجاً منجباً، غير مختون، وله كلمة نافذة في شؤون الطائفة كحالات الولادة والتسمية والتعميد والزواج والصلاة والذبح والجنازة، ورتبهم على النحو التالي:

الحلالي: ويسمى "الشماس" يسير في الجنازات ويقيم سنن الذبح للعامة، ولا يتزوج إلا بكراً، فإذا تزوج ثيباً سقطت مرتبته ومنع من وظيفته إلا إذا تعمد هو وزوجته (360) مرة في ماء النهر الجاري.

الترميدة: إذا فقه الحلالي الكتابين المقدسين سدره إنشماثا والنياني أي كتابي التعميد والأذكار فإنه يتعمد بالارتماس في الماء الموجود عند "المندي" ويبقى بعدها سبعة أيام مستيقظاً لا تغمض له عين حتى لا يحتلم، ويترقى بعدها هذا الحلالي إلى ترميدة، وتنحصر وظيفته في العقد على البنات الأبكار.

الأبيسق: الترميدة الذي يختص في العقد على الأرامل يتحول إلى أبيسق ولا ينتقل من مرتبته هذه.

الكنزبرا: الترميدة الفاضل الذي لم يعقد على الثيبات مطلقاً يمكنه أن ينتقل إلى كنزبرا وذلك إذا حفظ كتاب الكنزاربّا فيصبح حينئذ مفسراً له، ويجوز له ما لا يجوز لغيره، فلو قتل واحداً من أفراد الطائفة لا يقتص منه لأنه وكيل الرئيس الإِلهي عليها.

الـ (ريش أمه): أي رئيس الأمة، وصاحب الكلمة النافذة فيها، ولا يوجد بين صابئة اليوم من بلغ هذه الدرجة لأنها تحتاج إلى علم وفير وقدرة فائقة.

الربّاني: لم يصل إلى هذه الدرجة إلا يحيى بن زكريا عليهما السلام كما أنه لا يجوز أن يوجد شخصان من هذه الدرجة في وقت واحد. والرباني يرتفع ليسكن في عالم الأنوار وينزل ليبلغ طائفته تعاليم الدين ثم يرتفع كرة أخرى إلى عالمه الرباني النوراني.

ثالثاً: الإِلــه:

- يعتقدون - من حيث المبدأ - بوجود الإِله الخالق الواحد الأزلي الذي لا تناله الحواس ولا يفضي إليه مخلوق.

- ولكنهم يجعلون بعد هذا الإِله (360) شخصاً خلقوا ليفعلوا أفعال الإِله، وهؤلاء الأشخاص ليسوا بآلهة ولا ملائكة يعملون كل شيء من رعد وبرق ومطر وشمس وليل ونهار ... وهؤلاء يعرفون الغيب، ولكل منهم مملكته في عالم الأنوار.

- هؤلاء الأشخاص الـ (360) ليسوا مخلوقين كبقية الكائنات الحية، ولكن الله ناداهم بأسمائهم فخلقوا وتزوجوا بنساء من صنفهم، ويتناسلون بأن يلفظ أحدهم كلمة فتحمل امرأته فوراً وتلد واحداً منهم.

- يعتقدون بأن الكواكب مسكن للملائكة، ولذلك يعظمونها ويقدسونها.

رابعاً: المنـــدي:

- هو معبد الصابئة، وفيه كتبهم المقدسة، ويجري فيه تعميد رجال الدين، يقام على الضفاف اليمنى من الأنهر الجارية، له باب واحد يقابل الجنوب بحيث يستقبل الداخل إليه نجمَ القطبِ الشمالي، ولا بدّ من وجود قناة فيه متصلة بماء النهر، ولا يجوز دخوله من قبل النساء، ولا بدّ من وجود عَلَمِ يحيى فوقه في ساعات العمل.

خامسـاً: الصـــلاة:

- تؤدى ثلاث مرات في اليوم: قبيل الشروق، وعند الزوال، وقبيل الغروب، وتستحبّ أن تكون جماعة في أيام الآحاد والأعياد، فيها وقوف وركوع وجلوس على الأرض من غير سجود، وهي تستغرق ساعة وربع الساعة تقريباً.

- يتوجه المصلي خلالها إلى الجدي بلباسه الطاهر، حافي القدمين، يتلو سبع قراءات يمجد فيها الرب مستمداً منه العون طالباً منه تيسير اتصاله بعالم الأنوار.

سادساً: الصـــوم:

- صابئة اليوم يحرمون الصوم لأنه من باب تحريم ما أحل الله.

- لكنهم يمتنعون عن أكل اللحوم المباحة لهم لمدة (36) يوماً متفرقة على طول أيام السنة.

- ابن النديم المتوفى سنة 385هـ في فهرسته، وابن العبري المتوفى سنة 685هـ في تاريخ مختصر الدول ينصان على أن الصيام كان مفروضاً عليهم لمدة ثلاثين يوماً من كل سنة.

سابعاً: الطهـــارة:

- الطهارة مفروضة على الذكر والأنثى سواء بلا تمييز.

- تكون الطهارة في الماء الحي غير المنقطع عن مجراه الطبيعي.

- الجنابة تحتاج إلى طهارة وذلك بالارتماء في الماء ثلاث دفعات مع استحضار نية الاغتسال من غير قراءة لأنها لا تجوز على جنب.

- عقب الارتماء في الماء يجب الوضوء، وهو واجب لكل صلاة، حيث يتوضأ الشخص وهو متجه إلى نجم القطب، فيؤديه على هيئة تشبه وضوء المسلمين مصحوباً بأدعية خاصة.

- مفسدات الوضوء: البول، الغائط، الريح، لمس الحائض والنفساء.

ثامناً: التعميد وأنواعه:

- يعتبر التعميد من أبرز معالم هذه الديانة ولا يكون إلاّ في الماء الحيّ، ولا تتمّ الطقوس إلاّ بالارتماء في الماء سواء أكان الوقت صيفاً أم شتاءً، وقد أجاز لهم رجال دينهم مؤخراً الاغتسال في الحمامات وأجازوا لهم كذلك ماء العيون النابعة لتحقيق الطهارة.

- يجب أن يتم التعميد على أيدي رجال الدين.

- يكون العماد في حالات الولادة، والزواج، وعماد الجماعة، وعماد الأعياد وهي على النحو التالي:

أ- الولادة: يعمد المولود بعد 45 يوماً ليصبح طاهراً من دنس الولادة حيث يُدخل هذا الوليد في الماء الجاري إلى ركبتيه مع الاتجاه جهة نجم القطب، ويوضع في يده خاتم أخضر من الآس.

ب-عماد الزواج: يتمّ في يوم الأحد وبحضور ترميدة وكنزبرا، يتمّ بثلاث دفعات في الماء مع قراءة من كتاب الفلستا وبلباس خاص، ثم يشربان من قنينة ملئت بماء أخذ من النهر يسمى (ممبوهة) ثم يطعمان (البهثة) ويدهن جبينهما بدهن السمسم، ويكون ذلك لكلا العروسين لكل واحد منهما على حدة، بعد ذلك لا يُلمسان لمدة سبعة أيام حيث يكونان نجسين، وبعد الأيام السبعة من الزواج يعمدان من جديد وتعمد معهما كافة القدور والأواني التي أكلا فيها أو شربا منها.

جـ- عماد الجماعة: يكون في كل عيد (بنجة) من كل سنة كبيسة لمدة خمسة أيام ويشمل أبناء الطائفة كافة رجالاً ونساءً كباراً وصغاراً، وذلك بالارتماء في الماء الجاري ثلاث دفعات قبل تناول الطعام في كل يوم من الأيام الخمسة. والمقصود منه هو التكفير عن الخطايا والذنوب المرتكبة في بحر السنة الماضية، كما يجوز التعميد في أيام البنجة ليلاً ونهاراً على حين أن التعميد في سائر المواسم لا يجوز إلا نهاراً وفي أيام الآحاد فقط.

د- عماد الأعياد: وهي:

العيد الكبير: عيد ملك الأنوار حيث يعتكفون في بيوتهم (36) ساعة متتالية لا تغمض لهم عين خشية أن يتطرق الشيطان إليهم لأن الاحتلام يفسد فرحتهم، وبعد الاعتكاف مباشرة يرتسمون، ومدة العيد أربعة أيام، تنحر فيه الخراف ويذبح فيه الدجاج ولا يقومون خلاله بأي عمل دنيوي.

العيد الصغير: يوم واحد شرعاً، وقد يمتدّ لثلاثة أيام من أجل التزاور ويكون بعد العيد الكبير بمائة وثمانية عشر يوماً.

عيد البنجة: سبق الحديث عنه، وهو خمسة أيام تكبس بها السنة، ويأتي بعد العيد الصغير بأربعة أشهر.

عيد يحيى: يوم واحد من أقدس الأيام، يأتي بعد عيد البنجة بستين يوماً وفيه كانت ولادة النبي يحيى عليه السلام الذي يعتبرونه نبياً خاصاً بهم، والذي جاء ليعيد إلى دين آدم صفاءه بعد أن دخله الانحراف بسبب تقادم الزمان.

هـ- تعميد المحتضر ودفنه:

عندما يحتضر الصابئ يجب أن يؤخذ - وقبل زهوق روحه - إلى الماء الجاري ليتمّ تعميده.

من مات من دون عماد نجس ويحرم لمسه.

أثناء العماد يغسلونه متجهاً إلى نجم القطب الشمالي، ثم يعيدونه إلى بيته ويجلسونه في فراشه بحيث يواجه نجم القطب أيضاً حتى يوافيه الأجل.

بعد ثلاث ساعات من موته يغسل ويكفن ويدفن حيث يموت إذ لا يجوز نقله مطلقاً من بلد إلى بلد آخر.

من مات غيلة أو فجأة، فإنه لا يغسل ولا يلمس، ويقوم الكنزبرا بواجب العماد عنه.

يدفن الصابئ بحيث يكون مستلقياً على ظهره ووجهه ورجلاه متجهة نحو الجدى حتى إذا بعث واجه الكوكب الثابت بالذات.

يضعون في فم الميت قليلاً من تراب أول حفرة تحفر لقبره فيها.

يحرم على أهل الميت الندب والبكاء والعويل، والموت عندهم مدعاة للسرور، ويوم المأتم من أكثر الأيام فرحاً حسب وصية يحيى لزوجته.

لا يوجد لديهم خلود في الجحيم، بل عندما يموت الإِنسان إما أن ينتقل إلى الجنة أو المطهر حيث يعذب بدرجات متفاوتة حتى يطهر فتنتقل روحه بعدها إلى الملأ الأعلى، فالروح خالدة والجسد فان.

تاسعاً: أفكار ومعتقدات أخرى:

- البكارة: تقوم والدة الكنزبرا أو زوجته بفحص كل فتاة عذراء بعد تعميدها وقبل تسليمها لعريسها وذلك بغية التأكد من سلامة بكارتها.

- الخطيئة: إذا وقعت الفتاة أو المرأة في جريمة الزنى فإنها لا تقتل، بل تهجر، وبإمكانها أن تكفر عن خطيئتها بالارتماء في الماء الجاري.

- الطلاق: لا يعترف دينهم بالطلاق إلا إذا كانت هناك انحرافات أخلاقية خطيرة فيتمّ التفريق عن طريق الكنزبرا.

- السنة المندائية: 360 يوماً، في 12 شهراً، وفي كل شهر ثلاثون يوماً مع خمسة أيام كبيسة يقام فيها عيد البنجة.

- يعتقدون بصحة التاريخ الهجري ويستعملونه، وذلك بسبب اختلاطهم بالمسلمين، ولأن ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان مذكوراً في الكتب المقدسة الموجودة لديهم.

- يعظمون يوم الأحد كالنصارى ويقدسونه ولا يعملون فيه أي شيء على الإِطلاق.

- ينفرون من اللون الأزرق النيلي ولا يلامسونه مطلقاً.

- ليس للرجل غير المتزوج من جنة لا في الدنيا ولا في الآخرة.

- يتنبأون بحوادث المستقبل عن طريق التأمل في السماء والنجوم وبعض الحسابات الفلكية.

- لكل مناسبة دينية ألبسة خاصة بها، ولكل مرتبة دينية لباس خاص بها يميزها عن غيرها.

- إذا توفى شخص دون أن ينجب أولاداً فإنه يمرّ بالمطهر ليعود بعد إقامته في العالم الآخر إلى عالم الأنوار ثم يعود إلى حالته البدنية مرة أخرى حيث تتلبس روحه في جسم روحاني فيتزوج وينجب أطفالاً.

- يؤمنون بالتناسخ ويعتقدون بتطبيقاته في بعض جوانب عقيدتهم.

- للرجل أن يتزوج ما يشاء من النساء على قدر ما تسمح له به ظروفه.

- يرفضون شرب الدواء، ولا يعترضون على الدهون والحقن الجلدية.

- الشباب والشابات يأتون إلى الكهان ليخبروهم عن اليوم السعيد الذي يمكنهم أن يتزوجوا فيه، وكذلك يخبرون السائلين عن الوقت المناسب للتجارة أو السفر، وذلك عن طريق علم النجوم.

- لا تؤكل الذبيحة إلا أن تذبح بيدي رجال الدين وبحضور الشهود، ويقوم الذابح - بعد أن يتوضأ- بغمسها في الماء الجاري ثلاث مرات ثم يقرأ عليها أذكاراً دينية خاصة ثم يذبحها مستقبلاً الشمال، ويستزف دمها حتى آخر قطرة، ويحرم الذبح بعد غروب الشمس أو قبل شروقها إلا في عيد البنجة.

- تنص عقيدتهم على أن يكون الميراث محصوراً في الابن الأكبر، لكنهم لمجاورتهم المسلمين فقد أخذوا بقانون المواريث الإِسلامي.

الجــذور الفــكرية والعقائــدية:

- تأثر الصابئة بكثير من الديانات والمعتقدات التي احتكوا بها.

- أشهر فرق الصابئة قديماً أربعة هي: أصحاب الروحانيات، وأصحاب الهياكل، وأصحاب الأشخاص، والحلولية.

- لقد ورد ذكرهم في القرآن مقترناً باليهود والنصارى والمجوس والمشركين انظر الآيات 62/البقرة - 69/المائدة، 17/الحجّ، ولهم أحكام خاصة بهم من حيث جواز أخذ الجزية منهم أو عدمها أسوة بالكتابيين من اليهود والنصارى.

- عرف منهم الصابئة الحرانيون الذين انقرضوا والذين تختلف معتقداتهم بعض الشيء عن الصابئة المندائيين الحاليين.

- لم يبق من الصابئة اليوم إلا صابئة البطائح المنتشرون على ضفاف الأنهر الكبيرة في جنوب العراق وإيران.

- تأثروا باليهودية، وبالمسيحية، وبالمجوسية لمجاورتهم لهم. كما تأثروا أيضاً بالمسلمين.

- تأثروا بالحرانيين الذين ساكنوهم في حران عقب طردهم من فلسطين فنقلوا عنهم عبادة الكواكب والنجوم أو على الأقل تقديس هذه الكواكب وتعظيمها علم الفلك وأخذوا عنهم حسابات النجوم.

- تأثروا بالأفلاطونية الحديثة التي استقرت فلسفتها في سوريا مثل الاعتقاد بالفيض الروحي على العالم المادي.

- تأثروا بالفلسفة الدينية التي ظهرت أيام إبراهيم الخليل، فقد كان الناس حينها يعتقدون بقدرة الكواكب والنجوم على التأثير في حياة الناس، وقد تمثل هذا في قول إبراهيم: "إني لا أحبّ الآفلين".

- تأثروا بالفلسفة اليونانية التي استقلت عن الدين، ويلاحظ أثر هذه الفلسفة اليونانية في كتبهم.

- لدى الصابئة قسط وافر من الوثنية القديمة يتجلى في تعظيم الكواكب والنجوم على صورة من الصور.

الانتشــار ومواقــع النفـــوذ:

- الصابئة المندائيون الحاليون ينتشرون على الضفاف السفلى من نهري دجلة والفرات، ويسكنون في منطقة الأهوار وشط العرب، ويكثرون في مدة العمارة والناصرية والبصرة وقلعة صالح والحلفاية والزكية وسوق الشيوخ والقرنة وهي موضع اقتران دجلة بالفرات، وهم موزعون على عدد من الألوية مثل لواء بغداد، والحلة، والديوانية والكوت وكركوك والموصل. كما يوجد أعداد مختلفة منهم في ناصرية المنتفق والشرش ونهر صالح والجبايش والسليمانية.

- كذلك ينتشرون في إيران، وتحديداً على ضفاف نهر الكارون والدز ويسكنون في مدن إيران الساحلية، كالمحمرة، وناصرية الأهواز وششتر ودزبول.

- يقدر عددهم بعشرة آلاف شخص تقريباً، معظمهم في العراق.

- تهدمت معابدهم في العراق، ولم يبق لهم إلا معبدان في قلعة صالح، وقد بنوا معبداً "مندياً" بجوار المصافي في بغداد، وذلك لكثرة الصابئين النازحين إلى هناك من أجل العمل.

- يعمل معظمهم في صياغة ميناء الفضة لتزيين الحلي والأواني والساعات وتكاد هذه الصناعة تنحصر فيهم لأنهم يحرصون على حفظ أسرارها كما يجيدون صناعة القوارب الخشبية والحدادة وصناعة الخناجر.

- مهارتهم في صياغة الميناء دفعتهم إلى الرحيل للعمل في بيروت ودمشق والإسكندرية ووصل بعضهم إلى إيطاليا وفرنسا وأمريكا.

- ليس لديهم أي طموح سياسي، وهم يتقربون إلى أصحاب الديانات الأخرى بنقاط التشابه الموجودة بينهم وبين الآخرين.