اثار موقع الفرير في صيدا

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


آثار موقع الفرير:

تقع في حي الدكرمان - شارع رياض الصلح قرب كنيسة الموارنة على بعد نحو ١٠٠ م من القلعة البرية.

إن الناظر لهذا الموقع الأثري يظن انه لا يمثل أية أهمية وذلك لخلوه من المظاهر الأثرية البارزة، ولكن الواقع غير ذلك.

استملكتها مديرية الآثار في العام 1960م، في عهد الأمير موريس شهاب، عقب العثور فيها على عامود تاريخي يعود إلى الحقبة الفارسية، وهو موجود في المتحف في بيروت وبقيت على حالها إلى أن أعطى في العام 1998م المدير العام لمديرية الآثار الإذن للمتحف البريطاني لبدء الحفر والتنقيب عن آثار صيدا.

ومنذ العام 1998 ولغاية الآن تم اكتشاف 52 مقبرة كنعانية تنقسم إلى ثلاثة أنواع هي مدافن للمحاربين ومبنية من الحجر والطين. وهذا دليل أهمية المدفونين فيها وهم من طبقة النبلاء ووُجد في كل قبر فأس وخناجر برونزية وفضيات "وجران" عليها رموز وكتابات فرعونية بدليل أنها جاءت من مصر، بالإضافة إلى مدافن أولاد أعمارهم تتراوح من السنين الأولى حتى عمر ست سنوات. وكانت مدافنهم داخل جرار فخارية.

وعُثر مع الهياكل العظمية على عقود من الأحجار الكريمة والبرونز. كما عُثر على هياكل عظمية تعود لشاب عمره أربعة عشر عاماً ومعه سهماً في يده مصنوعاً من البرونز وحول عنقه عقد. إضافة إلى مدافن على الأرض من الرمل وعلى أرضية كلسية كانت تُفرش تحت الميت وجميعها تعود للحقبة الكنعانية.

كما أُعلن عن اكتشاف ثمان طبقات سكنية تعود للحقبة الكنعانية أيضاً أي من 2000 إلى 3000 سنة قبل الميلاد، وتكمن أهميتها في أنها نادرة الوجود في لبنان، ويتم لأول مرة العثور على هذا التاريخ التسلسلي للعصر الكنعاني من أول بداياته لغاية آخر مراحله، وتدلنا الإكتشافات الجديدة على أننا نتقدم باتجاه العصر الذي يبدأ من 2000 سنة قبل الميلاد ولغاية 1500 سنة قبل الميلاد، وكل طبقة متسلسلة تشكل نمط تسلسلي سيكون الأول من نوعه في لبنان فيما خص هذه الحقبة التاريخية التي مرّت على هذه المنطقة ومنها لبنان.

وأهمية هذه المكتشفات تكمن في الأدوات والمقتنيات التي تم العثور عليها وبينها أرضية من حجر وتنور وجران ومقابر وجدران وأدوات ومقتنيات برونزية وفضية وفخارية متنوعة وجرار تستعمل للتخزين كمستودع وأخرى للطعام.

كما وتم اكتشاف الحقبة من 1500 قبل الميلاد لغاية الـ 1000 قبل الميلاد وعُثر على مبنى وقع من سطحه خشبيات محترقة. ومع استكمال البحث عُثر على طبقة سكنية لهذا العهد وتمتد حتى آخر 2000 قبل الميلاد وهي تمتد بين العهدين الفينيقي والكنعاني وهي حقبة لم تكن مكتشفة في صيدا من قبل.

أما حقبة الألف قبل الميلاد وهي تعود للعهد الفينيقي حيث اكتشف في الحفرية سكن أرضيته كلسية بيضاء امتدت هذه الحقبة حتى 600 قبل الميلاد حيث ظهرت أدوات ومقتنيات تدل على العهد الروماني وملامح هذا العهد كانت مفقودة في صيدا حيث عثرث على بئر وفخاريات تؤسس للعهد الروماني.

لطالما اشتهرت مدينة صيدا على الساحل اللبناني بتاريخها العريق، لكن لم يتسنَّ لأحد الاطلاع على اي من حقباتها التاريخية أو آِثارها المطمورة بين الرمال والابنية السكنية. ولم يكن بالامكان الاطلاع على اي مكتشفات موثقة في الكتب.

تولى خبراء
من المتحف البريطاني البحث والتنقيب بالتعاون مع الأكاديمية
البريطانية والمديرية العامة للآثار في لبنان وخبراء من جامعة برادفورد
للعظام وخبراء من جامعة لندن للفخاريات
، وقاموا بأعمال الكشف الأثري في موقع مدينة صيدا القديم. ومع ان صيدا واحدة من اهم المدن الفينيقية، فإنها ظلت حتى الآن مجهولة للمؤرخين، سوى ما وصلنا عنها عن طريق سجلات الدول المجاورة في مصر وأشور وبابل، ثم عن طريق كتابات الرحالة اليونان.

عرفت صيدا في الازمنة القديمة باسم «مدينة الميناء» او «ارض صيدا عند البحر»، وتضمنت تلاً كبيراً توجد فوقه الآن بقايا قلعة سانت لويس التي اقامها الصليبيون.
 
كان أول ما عثر عليه من البقايا هي الاستحكامات التي تعود الى العصور الوسطى عند قلعة الصليبيين. ثم كشف الاثريون عن بناية ترجع الى العصر البرونزي الأول في الألف الثالث قبل الميلاد، وازاحوا طبقة من الرمال ارتفاعها 90 سم من الطبقة الأرضية التي تعلو هذا الموقع مباشرة وتعود الى بداية الألف الثانية.

وبعد ذلك عثروا على بقايا اثرية ترجع الى العصر البرونزي الوسيط في الفترة ما بين 2000 و 1500 سنة قبل الميلاد، تتمثل في بعض المدافن العائدة لمحاربين كنعانيين على عمق ستة أمتار وقد دفنت معهم فؤوسهم ورماحهم كما كانت العادة بين الاقوام التي سكنت فلسطين وسورية، الى جانب الاواني الفخارية ثم امكن الكشف عن اساسات لبناء جرى تصميمه على شكل هندسي منتظم. وتمكن الاثريون من التعرف على تاريخ هذه البقايا، عن طريق بعض الاختام المصرية التي وجدوها في الموقع.

وتبين ازدياد عدد الدفنات في قبور العصر البرونزي الوسيط وسط الرمال، مما يدل على زيادة عدد سكان مدينة صيدا منذ أربعة آلاف سنة. وهنا عثرت البعثة على 6 مقابر احدها لمقاتل دفنت معه فأس لها يد خشبية، وبعض العظام الحيوانية والأوعية الفخارية، من بينها كأس متعددة الألوان صنعت في جزيرة كريت. وعثر ايضا على أربعة اطفال دفنوا داخل اوعية فخارية، ومعهم جعارين مصرية وبعض الحلي.

ومما ساعد في تحديد الزمن التاريخي لهذه المقابر، ما وجد في ثلاثة منها من بقايا مصرية تعود الى العصر البرونزي الوسيط وفي الطبقة الأرضية التي تعلو هذه المرحلة وترجع الى العصر الحديدي وبداية الالف الأول قبل الميلاد، وجدت كتابات فينيقية للمرة الأولى في صيدا منقوشة على قطع من الفخار.

وضعت البعثة لاحقاً، خطة تهدف الى التعرف على المراحل المختلفة لتاريخ المدينة عن طريق حفر عميق يصل الى الارضية الصخرية التي بنيت عليها المدينة القديمة. وتمكنت من التعرف على بقايا من العصر البرونزي القديم قبل حوالي خمسة آلاف سنة كانت مدفونة على عمق ثمانية امتار من سطح الأرض وقد ازيحت الرمال عن بقايا لبعض المساكن والأدوات الفخارية التي تعود الى العصور الفينيقية الأولى.

اما في الطبقات الأرضية التي تعلو المرحلة الفارسية فعثرت البعثة على صليب محفور يرجع الى العصر الروماني البيزنطي، مما يدل على ان صيدا ظلت معمورة بشكل متواصل خلال تلك العصور. وبهذا الكشف يكتمل التسلسل في موقع الفرير، منذ 3500 سنة قبل الميلاد. وبذا تكون البعثة البريطانية قد اكدت المراحل التاريخية التي مرت بها صيدا، منذ العصر البرونزي الأول (قبل خمسة آلاف سنة) وحتى الحكم البيزنطي قبيل الدولة الاسلامية في القرن السابع للميلاد.

وبالرغم من تحدث المصادر المصرية والاشورية القديمة عن صيدا، التي ورد ذكرها كذلك في الكتب التوراتية والانجيلية الى جانب روايات الرحالة الاغريق، لم يتيسر التعرف بصورة واضحة على معالم المدينة القديمة الا نتيجة التنقيبات الاثرية في العصر الحديث.

وكانت اعمال التنقيب الاثري في صيدا قد بدأت عام 1914 على يد الفرنسي جورج كونتونو، الذي تابع عمله في 1920. ثم جاء فرنسي آخر هو موريس دونان للعمل خلال الحرب العالمية الثانية ثم في منتصف ستينات القرن الماضي. وكان روجيه صيدح اول لبناني يتولى اعمال الكشف الاثري في منطقة الدكرمان بصيدا في الستينات كذلك، وقد استطاع العثور على بقايا تعود الى العصر الحجري في هذا الموقع.

اليونان هم أول من أطلق على سكان الساحل السوري الاوسط والجنوبي اسم «الفينيقيين»، اذ وردت هذه الكلمة للمرة الأولى في كتابات الشاعر الاغريقي هوميروس خلال القرن الثامن ق.م. وسبب هذه التسمية يرجع الى ان لبنان كان ينتج نوعاً من القماش المصبوغ باللون الأحمر الارجواني المائل الى البنفسجي، ويبيعه في البلاد الاغريقية. ولما كانت كلمة «فينيقي» عند اليونان تعني اللون الاحمر، استعملوها للدلالة على الساحل اللبناني وسكانه. وكان المصريون يسمونهم «خارو»،

أما الفينيقيون فاطلقوا على الواحد منهم اسم «كنعاني» وعلى بلادهم ارض «كنعان». واطلق الكتاب اليونان اسم فينيقيا بشكل عام على كل المنطقة الساحلية لبلاد الشام الذي يتضمن السواحل الحالية السورية واللبنانية والفلسطينية، الا انهم استعملوا هذا الاسم كذلك للدلالة على الشريط الساحلي اللبناني الضيق ما بين طرابلس الحالية في الشمال والطنطورة «جنوب حيفا» في الجنوب، وكانت أهم المدن الفينيقية جبيل وصيدا وصور.

وينتمي الفينيقيون الى قبائل الاموريين الكنعانية التي جاءت من الجزيرة العربية في اوائل الألف الثالثة قبل الميلاد. ولأن بلادهم محصورة في شريط ضيق بين مياه البحر والجبال، صار البحر هو الطريق الطبيعي الوحيد المفتوح امامهم وساعدهم وجود غابات الارز فوق الجبال في استخدام اخشابها في صناعة السفن. وصار الفينيقيون من اوائل شعوب العالم التي تجوب البحار وتنقل التجارة ما بين موانئ آسيا وأوروبا وافريقيا حتى أصبحت كلمة «فينيقي» تعني «تاجر» عند معظم الشعوب.

وخرج اول مستعمرين في العالم من المدن الفينيقية وخاصة من صور لبناء مستعمرات لهم في شمال افريقيا والجزر الاغريقية، ويقال انهم وصلوا الى ايرلندا والجزر البريطانية في الشمال. وهكذا تحول الفينيقيون من صيادين للأسماك الى تجار عالميين وبحارة ينقلون التجارة بين الشرق والغرب.

وكانت جبيل هي اقدم مدينة تظهر على الساحل الفينيقي وقد سماها اليونانيون «بيبلوس»، ومن هذا الاسم الذي اشتقت كلمة «بايبل» Bible التي تدل على التوراة والانجيل لدى المسيحيين، بسبب حصول اليونان على ورق البردي المصري المستخدم في الكتابة عن طريقها.

كشفت أعمال التنقيب في موقع حفرية الفرير الأثري عند بوابة صيدا القديمة والتي تقوم بها بعثة المتحف البريطاني بإشراف المديرية العامة للآثار، عن قطع ومكتشفات أثرية هامة تعود الى الألفين الثالث والأول قبل الميلاد وتحديدا الى العصرين الحديدي والفينيقي.

وأبرز المكتشفات: آلة موسيقية دينية من العصر الحديدي تحمل رأس الإلهة حتحور إلهة الموسيقى والحب والعطاء عند المصريين، ورأس فينيقي وخاتم من العصر الروماني وغرفة كبيرة لتخزين القمح يعود لـ 3000 ق.م. وبداخلها قمح محروق، ومعبد طوله 45 متراً كانت تقام فيها احتفالات الولائم الدينية، واكتشاف مدفن كبير الى جانب عدد من الجرار المدفنية ومن الاواني الفخارية وبقايا العظام الحيوانية.

وقالت البعثة: ان الاكتشافات الجديدة اكملت الحلقة المفقودة من تاريخ صيدا ولا سيما في الحقبات بين 3000 و1000 قبل الميلاد، واظهرت ان موقع الفرير موقع ديني تاريخي يضم معابد ومدافن ومباني ضخمة جدا، وانه شهد احتفالات وولائم دينية وهو ما ظهر من خلال ما تم اكتشافه.

واضافت: جديد المكتشفات، آلة موسيقية من البرونز من العصر الفينيقي (1000 ق. م.) كان يطلق عليها اسم "شخشيخة" رمز عبادة الإلهة حتحور (الهة الموسيقى والحب والعطاء عند المصريين). ونرى وجه حتحور عليها مع اذني بقرة وكانت تستعمل في المعابد للطقوس الاحتفالية والولائم الدينية.

وتعد هذه الآلة الموسيقية دليلا آخر على استمرار اقامة الولائم الدينية في موقع الفرير على مدى آلاف السنين.

وهذه القطعة يوجد مثلها في المتحف البريطاني عثر عليها في مصر. ولأول مرة يعثر على آلة موسيقية في موقع الفرير في صيدا، ولأول مرة نجد آلة موسيقية وهي شيء جديد من عصر الألف قبل الميلاد. وتم العثور معها على 16 تمثالا طينيا، موضوعة جنبا الى جنب .

وقالت البعثة: الصورة تتوضح على مر الأيام والسنوات. وبتنا نستطيع ان نبين من 3000 ق.م. الى 1000 ق. م. الى العصر الروماني، تسلسلا واضحا ونادرا لتاريخ صيدا ولبنان. وكلها معلومات جديدة لم تكن موجودة عندنا. واصبح لدينا مجموعة مهمة من الحقبات على مساحة واسعة وعلى طبقات من العصر الروماني الى الحديدي والفينيقي، جديدها، 3 معابد، 16 قطعة فخارية، واحدة وجدت مع الآلة الموسيقية. ومعنى هذا أنه اصبح بإمكاننا رسم صورة مكتملة لصيدا في حقبة 1000 قبل الميلاد. المهم ليس فقط اكتشاف حقبة معينة، بل ان تستطيع ان تصنع منها تسلسلا وقصة وتجد نمط حياة، موسيقى، اعياد مقدسة، طقوس في معابد.

ولفتت البعثة الى أنه تم اكتشاف المزيد من غرف تخزين القمح والشعير الملحقة بالمعابد. وما يميزها اكتشاف مستودع كبير مبني بالحجر ولأول مرة. لأنه عادة، يبنى بالطين. كما ووجد في هذا المستودع اقدم قمح بيتي وجد في الشرق ولم يعد مستخدماً في الوقت الحاضر، اذ يضيف هذا الاكتشاف الجديد الى جانب الـ 160 كيلوغراما من الشعير دلائل على الاحتراق الكامل الذي دمر المبنى حوالي 2500-2400 قبل الميلاد. وبالإضافة الى القمح، وجدت كومة كبيرة من الحطب محروقة كلياً، موضوعة الى جانب احدى غرف التخزين بالقرب من احدى حفر الدعم التي كانت تستخدم لدعم السقف.

واضافت: تم حفر 116 مدفنا تعود الى الالف الثاني ق.م. كما تم اكتشاف قبر جماعي يضم ثمانية افراد، اثنان منهم من الأحداث. كما تم العثور على عدد كبير من الاواني الفخارية وبقايا العظام الحيوانية. وفي محيط المعبد، تم الكشف عن معبد يبلغ طوله حوالي 45 متراً، مكون من 6 غرف كانت تقام فيها احتفالات الولائم الدينية. كذلك وجدت العشرات من الجرار ملقاة على بعضها البعض متخذة اتجاهات مختلفة خارج المعبد في دلالة واضحة الى انها كانت تستخدم خصيصاً لاستهلاك المعبد.

وتوقعت البعثة اكتشاف المزيد من الآثار في موقعي الفرير والصندقلي المجاور له، مع استمرار اعمال التنقيب التي تقوم بها 9 فرق من خبراء وطلاب اثار لبنانيين وأجانب بإشراف المديرية العامة للآثار وبدعم من المتحف البريطاني ومؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة وشركة الترابة الوطنية.
  
كما واكتشف في موقع التنقيب محارب كنعاني يعود الى 2000 عام قبل الميلاد مدفون في مقبرة من الطين مع عتاده ومجوهراته وأختامه، ولعل أهم ما يميّز هذا الموقع انه يتيح التعرّف الى تاريخ صيدا وحقباتها المتلاحقة.

وأشارت البعثة الى ان الطبقات تتوزع على الشكل الآتي: 6 طبقات من الصخر وصعودا ترقى الى العام 3000 ق.م. وهذه تسمى العصر البرونزي القديم. الحقبة الثانية تتألف من 8 طبقات وتسمى عصر البرونزي المتوسط والجديد وترقى الى العام 2000 ق. م.

وأخيرا هناك 5 طبقات تسمى عصر الحديد أو الفينيقي الفارسي وتعود الى ألف عام ق. م. كما وظهرت طبقات اسلامية ورومانية.

واشارت الى ان فرق التنقيب قسّمت بشكل يعمل فيه كل فريق على حقبة معينة. فالفريق الذي يعمل على الحقبة الاقدم عثر على حبوب وشعير. والفريق الثاني الذي يعمل على حقبة الالفي عام، وجد المحارب الكنعاني ومدافن لاطفال ومبنى مهم جدا.

وقالت البعثة: لدينا الكثير من قطع الفخار والبرونز التي عثرنا عليها بحالة جيدة جدا رغم الرطوبة في المنطقة وذلك لانها كانت مطمورة في الرمال، ما حافظ عليها طوال قرون.

وأضافت: ما يعزز اهمية هذا الموقع انه قرب مرفأ صيدا أي قرب مرفأ الحياة. فوجدنا مثلا فخاريات من جزيرة كريت (اليونانية) ومصر. ونستقبل مهتمين من مصر بالاطلاع على الفخاريات المصرية. كما ان الموقع كان أشبه بمركز توزيع لانه لا يتضمن بيوتا انما مباني. وقد وجدنا في احدها 160 كيلوغراما من الشعير.

الموقع مهم جدا لانه يحتوي على مدافن لاغنياء، وجدنا في احدها فضة من الاناضول. كنا سابقا نفتخر بصيدا قبل ان نتعرّف الى تاريخها اما اليوم فبتنا نفتخر مع توضيح الصورة اكثر فأكثر.

تكونت لدينا صورة عن الحياة اليومية والدينية لهذه المدينة. كقطع الاحجية نرسم الصورة. كل حين نضيف جديدا الى لائحة المكتشفات.

وقالت البعثة: إكتشفنا قبر شابة دُفنت بقربها إمرأة يافعة، وعثرنا على أدوات مدفنية معها فريدة من نوعها، هناك علبة مصنوعة من عظام قرون الغزلان، محفور عليها أشكال دائرية، وتحوي في داخلها ثلاث منحوتات صغيرة على شكل " خنافس " كان المصريون الأقدمون يعدّونها بمثابة آلهة ومصدر خير، ووضع داخل العلبة أيضاً ختم أسطواني عليه نحوتات، وزُينت يد تلك الشابة بخاتم من الذهب، أضيفت في وسطه قطعة حديدية صغيرة، وقرب الهيكل العظمي وضعت مجسمات مصغرة لجرار مصرية الشكل للدلالة على الاهمية وليس للإستعمال، لكن هوية الشابة لم تعرف بعد.

وأضافت: لقد تم العثور على خواتم ذهبية وصنانير كبيرة لصيد السمك من 3000 سنة قبل الميلاد، إضافة إلى بعض الهياكل العظمية للأسماك، وخناجر مزخرفة، وحبوب مثل الحمص والفاصوليا البيضاء، وكذلك عثرنا على كأس أهميته أنه مكتوب عليه كتابة هيروغليفية مصرية تشير الى إسم الملكة " تواسغيد " التي تأتي بعد رمسيس الثاني في مصر، وقطعة من زهرة " اللوتيس " المصرية أكملت الكأس الذي وجدناه.

وتابعت: لقد إستخدمنا طريقة جديدة تعتمد على غسل التراب بواسطة ماكينة، وكل يوم نغسل 500 كيلو تراب، ونجد فيها بقايا فاصوليا بيضاء وعدس، تبين أنها تعود لـ 1800 سنة قبل الميلاد، وهذا يعني أيضاً أنه حول هذه المقابر هناك بقايا حيوانات، وبشكل عام فإن الموقع ليس للمدافن فقط، بل هو موقع حياة أيضاً، لأنه تم بناء جدران وغرف وأبواب، وفيه حركة لا توجد عادة في المقابر، ويعتقد أن هذا المبنى الكبير طوله 42 متراً وعرضه فوق 53 متراً ومؤلف من عدة غرف عثرت البعثة في البعض منها على مخازن للحبوب، وإكتشفنا هذه المرة الغرفة التاسعة التي تحوي أسماكاً، وهي تضم تنّوراً ضخماً يزيد قطره على متر، وعثرنا بالقرب منه على عظام أسماك، أربع منها قُطعت رؤوسها وبالقرب من التنّور إكتشفنا أيضاً أربعة سهام تشبه إلى حد كبير تلك التي تستعمل اليوم في الصيد البحري، وكان بالقرب منها كذلك تسعة أحجار من الصوان ناعمة الأطراف، كما لو أن إستعمالها كان لبرش الأسماك.

وأشارت البعثة الى أنه تم الإستعانة بطاقم كبير من العمال، إضافة إلى فريق البعثة البريطانية، فأصبح عددنا نحو 90 شخصاً من الخبراء البريطانيين ومن بلجيكا، يهتمون بدراسة العظام الآدمية والحيوانات، فلدينا أكثر من مليون قطعة فخارية سنعمل على تنظيفها وجمعها وترميمها.

كشفت فحوص الحمض النووي التي اجراها فريق من الباحثين من معهد "ويلكوم سانجر بريطانيا" على 25 هيكلا عظميا ظهرت خلال اعمال التنقيب قرب القلعة الصليبية في مدينة صيدا القديمة أنهم جنود صليبيون قتلوا خلال معركة في القرن الثالث عشر .وتمكن هؤلاء الباحثين من استخلاص الجينوم الكامل من الحمض النووي لتسعة بقايا هياكل عظمية وتحليل بصمتهم الوراثية بمقارنتها بآلاف العينات من جميع أنحاء العالم فاكتشفوا أن ثلاثة من الجنود التسعة كانوا اوروبيين، أربعة كانوا لبنانيين وشخصين كانا خليطا من الاوروبيين والسكان المحليين.

وقالت البعثة: أنه يمكن أن يخبرنا التاريخ الكثيرعن الحروب الصليبية، سلسلة الحروب الدينية بين القرن الحادي عشر والثالث عشر (١٠٩٥-١٢٩١م.)، التي حاول فيها الاوروبيون السيطرة على الشرق الأوسط. لكن في سابقة علمية جديدة تمكن العلماء من إستخراج و دراسة الحمض النووي من تسعة جنود صليبيين قتلوا خلال معركة في صيدا في جنوب لبنان في القرن الثالث عشر. من خلال الحمض النووي يشرح العلماء من كان الصليبيون وكيف تفاعلوا مع السكان المحليين.

وأضافت: تشير نتائج التحاليل أن الجنود في الجيوش الصليبية كانوا يتحدرون من عدة بلدان أوروبية كاسبانيا وسردينيا، ولكنهم استعانوا أيضاً بالسكان المحليين في حروبهم كما أنهم تزوجوا من سكان المناطق التي تواجدوا فيها واولادهم المختلطين شاركوا أيضاً في المعارك. ولكن تأثير الصليبيين على جينات السكان المحليين بقي محدوداً جداً. كما تسلط النتائج الضوء على الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه الحمض النووي في مساعدتنا على فهم الأحداث التاريخية وأصول الشعوب. وتعطينا نتائجنا رؤية غير مسبوقة للاحداث التاريخية التي حدثت خلال القرون الوسطى بما فيها أصول الأشخاص الذين عاشوا في لبنان خلال هذه الفترة والذي تبين تنوع ديموغرافي إستثنائي حيث عاش الاوروبيون واللبنانيون واولادهم المختلطين جنبًا إلى جنب و شاركوا جميعاً في الحروب الصليبية.

كما وكشفت التنقيبات عن الأثار قرب القلعة الصليبية في مدينة صيدا (لبنان) عن بقايا هياكل عظمية من ٢٥ شخصًا تبين أنهم جنود صليبيين قتلوا بطريقة عنيفة خلال معركة في القرن الثالث عشر وتم استخلاص الجينوم الكامل من الحمض النووي لتسعة أشخاص و تحليل بصمتهم الوراثية بمقارنتها بالآف العينات من جميع أنحاء العالم و اكتشفوا أن ثلاثة من الجنود التسعة كانوا اوروبيين، أربعة كانوا لبنانيين وشخصان كانا خليط من الاوروبيين والسكان المحليين. وكان من المفاجئ أن تمكن الباحثون من تحليل الحمض النووي لبقايا الصليبيين التسعة. وذلك لأن الحمض النووي يتحلل بشكل سريع في المناخات الحارة والرطبة مثل مناخ لبنان. كما تبين أيضا أنه تم حرق الجثث عند دفنها، مما صعب مهمة الباحثين. لكن التطورات الحديثة في استخراج وتحليل الحمض النووي جعلت هذه الدراسة ممكنة.

وبحسب البعثة أدت الهجرات البشرية الضخمة و الفتوحات العسكرية على مر التاريخ  مثل حركة المغول عبر آسيا بقيادة جنكيز خان أو وصول المستعمرين الاسبان إلى أمريكا الجنوبية  إلى تغييرات وراثية كبيرة عند سكان تلك المناطق. لكن الباحثين هنا يشيرون إلى أن تأثير الصليبيين كان محدوداً و قصير الأمد، فبالرغم من أن الاختلاط قد حصل، العلامة الوراثية للصليبيين في الحمض النووي الجسمي قد تبددت و غير موجودة في أي مجموعة من سكان لبنان اليوم. فعندما قام الباحثون بتحليل الحمض النووي لأشخاص كانوا يعيشون قبل٢٠٠٠ سنة في جبل موسى في قرنة الدير في لبنان، اكتشفوا أن اللبنانيين اليوم مطابقون وراثياً للبنانيين القدماء . وإذا نظرت إلى العلامات الوراثية للأشخاص الذين عاشوا قبل آلاف السنين في لبنان وقارنتها بالذين يعيشون اليوم، فسترى استمرارية وراثية مذهلة غير موجودة في الكثير من الأماكن التي تمت دراستها سابقاً.

وتستخلص البعثة ان هذه النتائج تشير إلى أنه قد تكون هناك أحداث تاريخية كبيرة لا تظهر في الحمض النووي للأشخاص الذين يعيشون اليوم وهي إذاً بحاجة إلى الحمض النووي من بقايا أشخاص عاشوا قبل مئات أو الآف السنين لمعرفتها . 

كما وأن إذا كانت هذه الأحداث غير موثقة جيدًا بخلاف أحداث الحروب الصليبية، فقد لا نعرف عنها شيئا على الاطلاق. كما تشير النتائج أنه من المفيد النظر إلى الحمض النووي للعينات القديمة من جميع الفترات التاريخية، قد يكون تاريخ البشر مليئا بهذه الأحداث الوراثية العابرة التي اختفت بدون أثر.

ويأمل الباحثون أن تصبح هذه الأنواع من الدراسات أكثر شيوعًا وتشمل تعاونا بين علماء من مجالات مختلفة بالإضافة إلى مؤرخين.

وأضافت: بفعل هذه الحفرية توضحت تدريجياً بعض الميّزات المعزولة والتي كان من الصعب تفسيرها في البداية خلال حملات التنقيب المتتالية ، مما أدّى لفهم أفضل للنظم الدفاعّية لمدينة صيدا خلال العصور الوسطى ما بين القلعتين البريّة والبحرية. وتمّ إكتشاف أبراج نصف دائرية تبعد عن بعضها البعض حوالي ٥٥م وكانت تحمي فيما مضى التحصينات . وأصبح بعد ذلك واضحاً أن تسلسل الطبقات العائدة إلى الفترة الصليبية في صيدا بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من دفاعات القرون الوسطى في المدينة، كانت لا تزال قائمة في الجزء الجنوبي لحفرية الفرير .تتكون واجهة الجدران الخارجية من أحجار رمليّة مربعة الشكل يضاف عليها في بعض الأحيان أعمدة رومانية أعيد إستعمالها للتدعيم أو ربما كميزة زخرفيّة .هذا النمط في العمارة يشبه كثيراً جدران القلعة البحرية ومن المرجح أن يكونا معاصران. وتبيّن أنَ الدفاعات المكتشفة في حفرية موقع الفرير قد بُنيت في مرحلة واحدة، مع عدم وجود مؤشرات ملحوظة لإصلاحات رئيسية أو تغييرات.

وأضافت: كما وتمّ الكشف عن اثنين من الجدران الدفاعية المقوسة والمتوازية، كانا قد بُنيا على الجانبي الشرقي والغربي للخندق، مع وجود فجوة واسعة ما بين الجدران الداخلية والخارجيّة يبلغ قطرها من ١٢ إلى ١٥م. إستعمل لبناء هذه الجدران كتل من الأحجار الرمليّة المقطعة بتأني، تحمل بعضها علامات الإزميل، وعلى إثنين منها علامات البنّاء والتي تشبه الصليب والخط المائل. وتمّ تضييق الخندق عند هذه النقطة لإفساح المجال لبناء مدخل إلى المدينة بعرض ٦-٧م . ثلاثة أجزاء ناتئة حملت ما قد يكون بنية فوقيّة خشبيّة، على الأرجح جسر أو ممشى يمتد فوق الخندق الدفاعي. هياكل عظمية لحيوانات صغيرة بقايا خيليات وخنازير أُلقيت في الحفرة، كما عُثر أيضاً على عملة معدنية برونزية تحت بقايا حصان حديث السن، بالإضافة إلى الهياكل العظميّة البشريّة.

كشفت اعمال التنقيب عن مقبرة أثرية على درجة كبيرة من الأهمية تعود الى العصر الكنعاني ، وجرى الإعلان عنها ولأول مرة مباشرة من موقعها داخل الحفرية وبالتزامن مع عملية التنقيب الجارية في هذا الموقع .

وأهمية هذه المقبرة التي تعود الى القرن التاسع عشر قبل الميلاد تكمن في كونها تعود لمحاربين كنعانيين عثر بجانبهما على سلاح عبارة عن خنجر بثلاثة مسامير وحزام برونزي يعتبر وجودها داخل المقبرة ان هذين المحاربين ينتميان الى طبقة ارستقراطية وراقية ورتبة عالية في المجتمع الكنعاني وأن مثل هذه المدافن كانت تمجد الأعمال البطولية لهؤلاء المحاربين، وهي ظاهرة تشهد عليها بداية الألفية الثانية قبل الميلاد .

وقد تم إكتشاف 171 مدفناً، منها مدفن محفوظ بطريقة جيدة جداً. ويحتوي هذا المدفن على رجلين محاربين دفنا على جانبيهما الأيمن، ويعود تاريخ المدفن الى القرن التاسع عشر قبل الميلاد. وإن السلاح الموجود في المدفن عبارة عن خنجر بثلاثة مسامير، بينما تم وضع حزام برونزي بعناية بالقرب من الهيكل العظمي.

زيّن هذا الحزام بدوائر متحدة المركز ومتصلة ببعضها على الجهة الخلفية بصنارتين مقوستين تستخدمان كقفل.

واذا لاحظتم الدوائر الموجودة على الحزام، ومنقوشة من الخلف ما ادى الى تشكيل هذا الشكل. وهذه الاسلحة من النادر ان نجد مثيلا لها وطريقة حفظها مهمة جدا.

كما وضعت بالقرب من القدمين بقايا عظام حيوانية (أغنام / ماعز) لمرافقة المتوفي في العالم الآخر. المهم ان الكنعانيين لم يقوموا بالفن بهذه الطريقة الا اذا كان الموتى ينتمون الى الطبقة الارستقراطية الكنعانية اي طبقة جدا جدا راقية ولكي يثبتوا ان رتبة هذا المدفون بهذه الطريقة عالية جدا في المجتمع الكنعاني.

وأضافت: لم يستعمل هذا الخنجر البرونزي كأداة عسكرية، بل على الأرجح إتخذ كرمز مرتبط بالوضع الإجتماعي للنخبة التي ينتمي إليها المتوفي.

من الواضح أن مثل هذه المدافن كانت تمجد الأعمال البطولية لهؤلاء المحاربين، وهي ظاهرة تشهد عليها بداية الألفية الثانية قبل الميلاد .

هذه المقبرة تفتح نافذة اضافية على المجتمع الكنعاني الذي كان منتشرا على طول الشاطىء اللبناني.

وقد اظهرت نتائج مطابقة فحوصات DNA أخذت من مقبرة كنعانية مع DNA اخذت لـ 100 لبناني ان 95% منهم اصلهم كنعانيون. فنحن لم نكن مقسمين بل كنا كلنا كنعانيين ثم كنا كلنا فينيقيين ثم جاء الرومان والبيزنطيون ثم العرب.