الدولة العباسية : الراضي

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


ترجمته:
 
هو أبو العباس أحمد المقتدر بن أبي أحمد الموفق طلحة بن المتوكل وأمه أم ولد اسمها ظلوم ولد سنة 297 وبويع بالخلافة بعد خلع القاهر في5 جمادى الأولى سنة322(23 إبريل سنة934) ولم يزل خليفة إلى أن توفي في منتصف ربيع الأول سنة329(8 ديسمبر سنة940) فكانت مدته ست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام. 


كيف انتخب:
 
لما قبض على القاهر سأل القواد الخدم عن المكان الذي فيه أبو العباس بن المقتدر فدلوهم عليه وكان هو ووالدته محبوسين فقصدوا وفتحوا عليه ودخلوا فسلموا عليه بالخلافة وأجلسوه على السرير يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الأولى ولقبوه الراضي وبايعه القواد.
 
 
الحال في عهده:

كانت الحال تزيد إدباراً وانتكاساً واضطراباً في عهده فأصحاب السلطان في العراق يتنافسون ويقتتلون والذين يحيطون بهم من المتغلبين يجدون ويجتهدون فدولة الأندلس زهت وعظمت بهمة الرجل العظيم أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر الذي أعلن في بلاده أنه أمير المؤمنين بعد أن لم يكن سلفه يتسمون بذلك وإنما كانوا يسمون بالأئمة. والدولة العبيدية في المغرب والمهدية قد اشتدت وطأتها وهي آخذة في العلو وتحاول الاستيلاء على مصر.
 
وبنو بويه ظهروا واستولوا على كثير من بلاد الجبال والأهواز.
 
والروم انتهزوا هذه الفرص لاقتطاع البلاد الإسلامية وغزوا الثغور وأهل بغداد مع هذا كله مشغولون بأنفسهم ومتكالبون على ما في أيديهم من البلاد العراقية كما ترى.

كانت الكلمة العليا في أول عهد الراضي لوزيره ابن مقلة وحاجبه محمد بن ياقوت فهما اللذان بأيديهما الحل والعقد في البلاد. في سنة223 نظر ابن مقلة فوجد محمد بن ياقوت قد تحكم في البلاد بأسرها وأنه هو لم يعد بيده شيء فسعى به إلى الراضي وأدام السعاية فبلغ ما أراد ففي خامس جمادى الأولى ركب جميع القواد إلى دار الخليفة حسب عادتهم وحضر الوزير ومحمد بن ياقوت ومعه كاتبه فأمر الخليفة بالقبض عليه وعلى أخيه المظفر بن ياقوت وحبسهما وقد مات محمد في الحبس ثم أطلق المظفر بعد أن أخذ عليه ابن مقلة العهد أنه يواليه ولا ينحرف عنه ولا يسعى له ولا لولده بمكروه. 
 
ظن ابن مقلة أن الوقت قد صفا له بحبس ابني ياقوت وأنه لم يعد له منافس في سلطانه ولكنه غفل عن المظفر الذي أطلقه من السجن بعد موت أخيه محمد فإن المظفر كان يظن أن ابن مقلة سم أخاه فكان لذلك يتحين الفرصة للقبض عليه فاتفق مع الجنود الحجرية أن يقبضوا على ابن مقلة فقبضوا عليه وأرسلوا إلى الراضي يعلمونه فاستحسن فعلهم وطلبوا من الخليفة أن يعين وزيراً فرد الاختيار إليهم فاختاروا للوزارة علي بن عيسى وعرضوها عليه فامتنع وأشار بوزارة أخيه عبد الرحمن فاستوزره الراضي وسلم إليه ابن مقلة فصادره.

رأى عبد الرحمن أنه لا يمكنه إدارة الحركة لازدياد الفساد فاستعفى فلم يقبل الراضي منه وقبض عليه وصادره على سبعين ألف دينار وصادر أخاه علياً على مائة ألف.

كتب ابن رائق كتاباً عن الراضي إلى أبي الفتح جعفر بن الفرات يستدعيه ليجعله وزيراً وكان يتولى الخراج بمصر والشام وظن ابن رائق أنه إذا استوزره جبى له أموال الشام ومصر فقدم بغداد ونفذت له الخلع قبل وصوله فلقيته بهيت فلبسها ودخل بغداد وتولى وزارة الخليفة ووزارة ابن رائق جميعاً.
 
 
أمر القرامطة:
 
لم تزل القرامطة على حالهم في الإفساد والعبث واعتراض الحجاج وفي سنة332 أرسل محمد بن ياقوت رسولاً إلى أبي طاهر يدعوه إلى طاعة الخليفة ليقره على ما بيده من البلاد ويقلده بعد ذلك من البلدان ويحسن إليه ويلتمس منه أن يكف عن الحاج جميعهم وأن يرد الحجر الأسود إلى موضعه بمكة فأجاب أبو طاهر إلى أنه لا يعترض للحاج ولا يصيبهم بمكروه ولم يجب إلى رد الحجر الأسود إلى مكة وسأل أن تطلق له الميرة من البصرة ليخطب للخليفة بهجر. 
 
فسار الحاج إلى مكة هذه السنة ولم يعترضهم القرمطي. ولكنه في سنة333 اعترضهم فخرج جماعة من العلويين بالكوفة إلى أبي طاهر فسألوه أن يكف عن الحاج فكف عنهم وشرط عليهم أن يرجعوا إلى بغداد فرجعوا ولم يحج هذه السنة من العراق أحد وسار أبو طاهر إلى الكوفة فأقام بها عدة أيام ورحل عنها.
 
 
الدولة الأخشيدية:
 
وفي عهد الراضي ظهرت الدولة الأخشيدية بمصرها على يد مؤسسها محمد الأخشيد بن طغج وهو من موالي آل طولون وكان ملكه مصر سنة323 واستمر الملك في عقبه إلى سنة358 وهم الذين تسلم منهم الفاطميون مصر وهذا ثبت ملوكهم:

(1) محمد الأخشيد بن طغج (323-334)

(2) أبو القاسم أنوجر بن الأخشيد (334-346)

(3) أبو الحسن علي بن الأخشيد 346-355)

(4) أبو المسك كافور مولى الأخشيد (355-357)

(5) أبو الفوارس أحمد بن علي بن الأخشيد (357-357)

وفي عهد الراضي مات عبيد اللَّه المهدي أول خلفاء الفاطميين بالمهدية وولي بعده ابنه أبو القاسم محمد وكان ملك مصر فلم يتمكن.

ختم الراضي الخلفاء في أشياء منها أنه آخر خليفة دون له شعر وآخر خليفة انفرد بتدبير الملك وآخر خليفة خطب على منبر يوم الجمعة وآخر خليفة جالس الندماء ووصل إليه العلماء وآخر خليفة كانت مراتبه وجوائزه وخدمه وحجابه تجري على قواعد الخلفاء المتقدمين.

وفي أيامه حدث اسم أمير الأمراء في بغداد وصار إلى أمير الأمراء الحل والعقد والخليفة يأتمر بأمره وليس له من نفوذ الكلمة ولا سلطان الخلافة شيء.

وكان الراضي أديباً له شعر مدون يحب محادثة الأدباء والفضلاء والجلوس معهم وكان سمحاً سخياً.