الدولة العباسية : المهدي

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


ترجمته:

هو محمد المهدي بن منصور وأمه أروى بنت منصور الحميرية وكانت تكنى أم موسى ولد سنة126 بالحميمة من أرض الشراة وكانت سنه إذ جاءتهم الخلافة ست سنوات.
 
 
بيعة المهدي:
 
بعد أن أخذ الربيع بيعة المهدي علي بن هاشم والقواد الذين كانوا يرافقون المنصور في حجه ووجه رسولاً إلى مدينة السلام بخبر الوفاة وبعث معه بقضيب النبي صلى اللَّه عليه وسلم وبردته التي يتوارثها الخلفاء وبخاتم الخلافة فقدمت الرسل يوم الثلاثاء للنصف من ذي الحجة وفي ذلك اليوم بايعه أهل مدينة السلام ومكث في خلافته إلى أن توفي ليلة الخميس لثمان بقين من المحرم سنة169 (4 أغسطس سنة785) بما سبذان فتكون مدته عشر سنين وشهراً ونصفاً.
 
 
الحال في عهد المهدي:
 
كانت خلافة المهدي مرفهة عن الناس ما كانوا يلقونه من بعض الشدة أيام المنصور فقد كان المنصور يؤسس ملكاً له خصوم فكان يكتفي بالريبة والظنة فيعاقب بهما وفي مثل ذلك كثيراً ما يؤخذ البريء بالمذنب والمطيع بالعاصي فلما جاء المهدي كانت الخلافة العباسية قد توطدت وأنياب العلويين قد كسرت وإن كانت قد بقيت لهم بقايا يتطلعون للخلافة فهم لا يحتاجون في الاحتراس منهم إلى مثل ما كان المنصور يحتاج إليه من الشدة فإن كبارهم قد وضعوا تحت نظر الخليفة ببغداد والذين كانوا بالمدينة اكتفى بمراقبة الأمير لهم فكانوا يعرضون عليه كل يوم ولذلك كانت حياة المهدي حياة سعيدة لنفسه ولأمته وهو بعد أبيه يشبه في كثير من الوجوه الوليد بن عبد الملك بعد أبيه.

في أول ولايته أمر بإطلاق من كان في سجن المنصور إلا من كان قبله تباعة من دم أو قتل ومن كان معروفاً بالسعي في الأرض بالفساد أو كان لأحد قبله مظلمة أو حق.

ومما أجراه من الإصلاح أمره ببناء القصور في طريق مكة أوسع من القصور التي كان السفاح بناها من القادسية إلى زبالة وأمر بالزيادة في قصور السفاح وترك منازل المنصور التي بناها على حالها. 
 
ومن آثاره زيارته في المسجد الحرام فأدخل فيه دوراً كثيرة.
 
 
الوزارة:
 
كان مظهر الوزارة في عهد المهدي أوضح منه في عهد أبيه المنصور لما كان من ركون المهدي إلى وزرائه واعتماده عليهم أكثر مما كان يعتمد أبوه وكان أول وزرائه كبير الكفاءة فإنه جمع له حاصل المملكة ورتب الديوان وقرر القواعد وكان كاتب الديوان وأوحد الناس حذقاً وعلماً وخبرة وهو أبو عبيد اللَّه معاوية بن يسار مولى الأشعريين كان كاتب المهدي ونائبه قبل الخلافة ضمه المنصور إليه وكان قد عزم على أن يستوزره لكنه آثر به ابنه المهدي فكان غالباً على أموره لا يعصي له قولاً وكان المنصور لا يزال يوصيه به ويأمره بامتثال مشورته فلما مات المنصور وولي المهدي فوض إليه تدبير المملكة وسلم إليه الدواوين وكان مقدماً في صناعته وله ترتيبات في الدولة.
 
 
الأحوال الخارجية:
 
كان منظر الخلافة في داخل المملكة باهراً وكان كذلك مظهرها في نظر الأمم الأخرى إلا أنه مما يؤسف سوء العلاقة بين الخلافة المشرقية ببغداد وبين أمير الأندلس عبد الرحمن الداخل فقد كان المنصور والمهدي يهتمان بأمره ويودان إزالة دولته ولكن الشقة بين الرجلين بعيدة فلم يمكن واحد منهما أن يجرد له جيشاً يخترق صحارى أفريقية ويغزوه في بلاد الأندلس فاكتفى كل من الفريقين بمعاداة الآخر.

أما العلاقات بين المهدي وبين ملك الروم فكانت سيئة فلم تكن الإغارات من الطرفين تبطل بل كانت الصوائف من طرف المسلمين كما كانت الإغارات من ملك الروم وكانت الحرب براً وبحراً.

وفي سنة163 احتفل المهدي بأمر الصائفة وولى أمرها ابنه هارون وفرض البعوث على جميع الأجناس من أهل خراسان وغيرهم وخرج المهدي مع الجيش حتى أتى البردان فأقام به نحواً من شهرين يتعبأ ويتهيأ ويعطي الجنود. 
 
وكانت هذه الغزوة من أهم الغزوات في عهد المهدي فتح اللَّه عليهم فيها فتحاً كثيراً.

وفي سنة165 غزا الصائفة هارون مرة أخرى فوغل في بلاد الروم وكان عدد جيشه95793 رجلاً حمل لهم من العين ديناراً ومن الورق1414800 درهم ولم يزل الجيش سائراً حتى بلغ خليج البحر الذي على القسطنطينية وكان الذي يقوم بأمر الروم إيربني أم الملك نيابة عن ابنها فجرت بينها وبين هارون مكاتبات في طلب الصلح والموادعة وإعطاء الفدية فقبل منها ذلك هارون واشترط عليها أن تقيم الأدلاء والأسواق في طريقه لأنه قد دخل مدخلاً صعباً مخوفاً على المسلمين فأجابته إلى ما سأل.

وفي رمضان سنة168 أي قبل انقضاء مدة الهدنة نقض الروم الصلح وغدروا فوجه إليهم علي بن سليمان بن علي وهو والي الجزيرة وقنسرين يزيد بن بدر البطال في سرية فردوا الروم وغنموا وظفروا.

والنتيجة أن مدة المهدي كان أكثرها حرباً مع المسلمين والروم وكان الفريقان في موقف الدفاع أحياناً والهجوم أحياناً إلا أن الظفر كان في الغلب للمسلمين.


غزو الهند:

كان المسلمون يملكون إلى نهر مهران الفاصل بين السند والهند فأراد المهدي أن يغزي جنوده بلاد الهند ففي سنة159 وجه عبد الملك بن شهاب المسمعي في البحر إلى بلاد الهند وفرض معه لألفين من أهل البصرة من جميع الأجناد وأشخص معه من المطوعة الذين كانوا يلزمون المرابطات ووجه معه قائداً من أبناء الشام في 700 من أهل الشام وخرج معه من متطوعة أهل البصرة 1000 رجل ومن الأسواريين والسبابحة 4000 فكان تمام عدتهم 9200 رجل مضوا حتى أتوا مدينة باربد من بلاد الهند سنة160 فناهضوها بعد قدومهم بيوم وأقاموا عليها يومين فنصبوا المنجنيق وناهضوها بجميع الآلة وتحاشد الناس وحصن بعضهم بعضاً حتى فتحوها عنوة ودخلت خيلهم من كل ناحية حتى ألجأوهم إلى بلدهم فأشعلوا فيها النيران والنفط وغلبوا أهلها على أمرهم بعد أن قتل من المسلمين بضعة وعشرون رجلاً ثم أقاموا بالمدينة حتى يطيب لهم الريح فأصابتهم أمراض مات بسببها نحو ألف منهم ثم انصرفوا حين أمكنهم الانصراف حتى بلغوا ساحلاً من فارس يقال له بحر حمران فعصفت عليهم فيه الريح فكسرت عامة مراكبهم فغرق منهم بعض ونجا بعض ويظهر أن هذه الغزوة ليست إلا إغارة لا عملاً يقصد به توسيع المملكة.
 
 
صفات المهدي:
 
كان المهدي لا يشرب النبيذ وإن كان سماره يشربونه في مجلسه وكان من خلقه الحياء والعفو فكان إذا وقع أحد من خصومه في يده عفا عنه وكان يتأثر بالقرآن كان في حبسه موسى بن جعفر العلوي فقرأ مرة في صلاته: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم} فأتم صلاته والتفت إلى الربيع وأمره بإحضار موسى فلما جيء به قال له: يا موسى إني قرأت هذه الآية فخفت أن أكون قطعت رحمك فوثق لي أنك لا تخرج عليّ، فقال: نعم فوثق له فخلاه.

وكان خليفة عادلاً يجلس للمظالم بنفسه وبين يديه القضاة فيزيل عن الناس مظالمهم ولو كانت قبله وكان إذا جلس للمظالم قال أدخلوا عليّ القضاة فلو لم يكن ردي للمظالم إلا للحياء منهم لكفى.

وكان المهدي ميالاً إلى السنة يحب ألا يخالف سنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فمن ذلك أنه أمر بنزع المقاصير من مساجد الجماعات وتصير منابرها إلى المقدار الذي عليه منبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وكتب بذلك إلى الآفاق فعمل به.
 
 
ولاية العهد:
 
قدمنا أن المهدي نزع من ولاية العهد عيسى بن موسى بن علي وجعل محله ابنه موسى الهادي ثم جعل بعده ابنه هارون الرشيد.
 
 
وفاة المهدي:
 
في سنة169 أراد المهدي الخروج إلى جرجان فلما وصل إلى ماسبذان أدركته هناك منيته ليلة الخميس لثمان بقين من المحرم في قرية يقال لها الروذ وصلى عليه ابنه هارون لأنه كان في صحبته.