الدولة العثمانية : السلطان مصطفى الرابع

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


السلطان مصطفى الرابع ابن السلطان عبد الحميد الأول 1222 - 1223 هـ

جلس هذا السلطان على التخت وعمره 29 سنة ولما كانت أحوال العاصمة في اضطراب شديد سلك مسلكاً يخالف مسلك من سلفه لأن أصناف العساكر اضطرته لأن ينبذ الاصطلاحات الجديدة النافعة التي كانت أدخلت ويعيد الأصول والمراسيم والعوائد القديمة وبذلك تأخرت الدولة في طريق التقدّ نحو نصف قرن آخر.

وفي مدة حكمه القصيرة التي بلغت أربعة عشر شهراً كانت مداخلات الجنود الثائرة في إدارة الحكومة تتزايد يوماً عن يوم حتى أصبحت الحالة قريبة من الفوضى وقد اغتصب القائمقام موسى باشا أموال الذين قتلوا في الثورة.

ولما علم أمره أقبل من منصبه ونفى إلى بروسه وبعد عشرة أيام من ذلك عزل أيضاً شيخ الإسلام عطاء الله أفندي لتحريضه الثائرين على أفعالهم القبيحة فهاجت عند ذلك الجنود وتشيعوا له وأجلسوه في منصبه ثانية فطغى واستبد فازدادت الأحوال تكدرا وقد كان وصول خبر خلع السلطان سليم إلى إمبراطور فرانسا نابليون الأول وقت فوزه على قيصر الروسيا وعقده معه معاهدة تلسيت (TILSITT) الشهيرة.

وتداخل نابليون في الصلح حتى عقدت هدنة بين الدولة العلية والروسيا ثم انسحبت الجيوش من حدود المملكتين وعادا الجيش السلطاني إلى أدرنه لأن تلك المهادنة صارت صلحاً دائمياً ثم إن نابليون غير بعد ذلك سياسته مع الدولة وتعاهد سراً مع الروسيا على تقسيم الممالك العثمانية بينهما بمعنى أن فرانسا تأخذ بوسنة والبانيا ويانيا وموره وتساليا ومقدونيا وتأخذ الروسيا الإفلاق والبغدان والبلغار والرومللي وتعطي الصرب للنمسا ولما شاع هذا الأمر أرسلت الدولة سفير إلى نابليون يدعى محب أفندي للمفاوضة معه واستطلاع نواياه نحوها.


موت السلطان سليم:

اعلم أن مصطفى باشا البيرقدار المتقدّم الذكر وإن كان أمياً إلاَّ أنه كان جريئاً جسوراً سليم العقل كريم الخلق ذا حمية ووطنية أظهر في حروب الروسيا الأخيرة من الشجاعة والإقدام ما جعله معدوداً من أعاظم الرجال وقد أنعم عليه السلطان برتبة الوزارة ووجه إليه ولاية سلسترة ولما كانت مقادير الرجال لاتقدّر قيمتها وقت الاختلالات والاضطرابات وكثيراً ما قاومهم الحساد وقع بينه وبين الصدر الأعظم جلبي مصطفى باشا نفور ثم تصالحا وعاد إلى روسجق ولما دعيا إلى استانبول امتنعا من مبايعة السلطان مصطفى وسعياً في إرجاع السلطان سليم إلى كرسيه ثانية لميلهما إلى سياسته ولما أحس السلطان مصطفى بذلك بعث أناساً فخنقوا السلطان سليم وأرسل آخرين لخنق أخيه الأمير محمود.

إلا أن مصطفى باشا البيرقدار تدارك الأمر وأرسل من طرفه أناساً أحضروا الأمير محمود عنده لحمايته من كل من يريد به شراً ونادوا في الحال بالسلطان سليم إلا أنهم لما علموا بموته أرسل مصطفى باشا في الحال جماعة من طرفه فقبضوا على السلطان مصطفى وخلعوه وأجلس السلطان محمود على كرسي السلطنة وسنه 24 سنة.