الدولة العثمانية : السلطان سليم الاول

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


السلطان سليم الأول الملقب بياوز 918 ـ 926 هـ

قبض على زمام الملك وسنه 46 سنة وكانت الأحوال الداخلية في ارتباك لأن السلطان أحمد كان يدعى الحق في السلطنة لأنه أكبر سناً ولأن والده كان انتخبه قبل تنازله عن السلطنة وصادق على ذلك كبراء الدولة فساق جيشاً تحت قيادة ولده الأمير علاء الدين، وفي تلك الأثناء وفد من كان ببروسة من أولاد السلاطين إلى استانبول وبايعوا السلطان سليم وأخذوا منه الإذن فأذن لهم بالعودة والإقامة ببروسة ثم بعد ذلك تزايدت أدعاءات أخيه السلطان أحمد وأخذت أفكار كبار الأناضول تتغير وتميل إلى جهته فخاف السلطان نتيجة ذلك ودبر حيلة لإطفاء نار هذه الثورة الداخلية فأمر بقتل جميع إخوته وأولاد إخوته وأقاربه الذين صرح لهم قبلاً بالإقامة في بروسة وكانوا كثيرين وبعد قتلهم خاف أخوه قور قود وأرسل للسلطان تنازلاً عن جميع حقوقه ومدعياته ولكنه مع ذلك قتل بإغراء بعض أصحاب الغايات ولما وصل للسلطان أحمد خبر هذه الحوادث خاف على نفسه ولم يجد طريقة للتخلص سوى كونه توجه بنفسه إلى الاستانة والتجأ لمرحمة أخيه ومع ذلك قتله السلطان خوفاً منه في المستقبل وكان للأمير أحمد هذا ولدان التجأ أحدهما بعد قتل أبيهما وهو الأمير مراد إلى بلاد العجم عند الشاه إسماعيل الصفوى مؤسس الدولة الصفوية والتجأ الآخر وهو الأمير علاء الدين إلى الملك الأشرف قانصوه الغوري ملك مصر ولما طلبهما منهما امتنعا عن تسليمهما فكان ذلك داعية لوقوع الحرب بينه وبين هذين الملكين.


حرب إيران 920هـ:

قد كان الشاه إسماعيل الصفوي يجتهد كثيراً في إيجاد القلاقل والاضطرابات في داخلية الدولة العثمانية فبث لذلك بذور الفساد في جميع الجهات المتاخمة له منها ولهذا رأى السلطان سليم أن من الضروري جداً استئصال بذور هذا الفساد ولما بلغه أن كثيراً من رعايا الحومة العثمانية تمذهب بمذهب الشيعة على أيدي دراويش القزل باش الذي بثهم الشاه إسماعيل بالجهات أمر بحصرهم وتعدادهم في السر فبلغوا أربعين ألفا أو نحوها وقصده في ذلك أخذ الاحتياطات اللازمة ليمكنه تجنب ما عساه أن يحدثوه بداخليه البلاد إذا اشتبكت الدولة في حرب أجنبية.

ثم عقد السلطان بمدينة أدرنة مجلساً جمع إليه جميع الوزراء والقوّاد وبعد مداولات استمرت طويلاً أقروا جميعاً على إعلان الحرب على الشاه إسماعيل ثم خرج السلطان من أدرنة 920هـ قاصداً استانبول فأقام بها أياماً ثم ترك ابنه الأمير سليمان نائباً عنه بتلك المدينة وانتقل إلى مدينة إسكدار وبعد أن تمت لديه الاستعدادات خرج من إسكدار قاصداً بلاد العجم وبينما هو يسير في الطريق إذ قبضت جنودهعلى جاسوس إيراني ولما أتوا به في حضرة السلطان أمر بإطلاق سراحه وأعطاه مكتوباً يتضمن إعلان الحرب إلى الشاه إسماعيل وما زال الجيش العثماني يتقدم من مدينة إلى مدينة حتى وصل إلى سيواس وهناك استعرضه السلطان وأمر بإحصائه فبلغ 140000 جندي ترك منه40000 للمحافظة بين سيواس وقيصرية.

وتقدّم هو بالباقي، عند ذلك أخذ محمد خان حاكم جهات دياربكر في تخريب المزارع وهدم القرى ببلاد كردستان ثم انكمش بجيوشه داخل بلاد العجم وكذا الشاه إسماعيل لم يتجاسر على الظهور أمام العثمانيين ولم يجاوب أيضاً على الكتابين اللذين أرسلهما له السلطان تباعاً ثم لما تقدمت الجيوش العثمانية في صحارى بلاد الفرس اعتراهم الضجر واستولى عليهم الملل وأخذوا يتكلمون فيما بينهم بأن هذه المحاربة لا نتيجة منها ولما بلغ السلطان تذمر الجنود خاف سوء العاقبة فقبض على بعض أصحاب الجراءة منهم وقتلهم إرهاباً للغير وأمر بالتقدم إلى مدينة تبريز وعندما وصلوا إلى مدينة طراجان إذ باليكجرية فوضوا خيامهم بغتة وأخذوا في إطلاق بنادقهم على خيمة السلطان عند ذلك ركب السلطان وخلفه وزراؤه ونادى في الجنود قائلاً من أراد النوم على بساط الراحة في بيته فليرجع ومن أراد ملاقاة الأعداء في ساحة الوغي فليأت معي وإن أحببتم جميعكم العودة فلكم ذلك وأنا أتقدّم بمفردي ولم يكد يتم كلامه حتى أشار الجنود بأجمعهم بعلامة الطاعة والانقياد.

وبعد ذلك بأيام أتى جواب الشاه إسماعيل رداً لمكاتيب السلطان الثلاثة ومعه كأس به نوع معجون فأجابه السلطان في مقابلة تعريفه هذا بأن أرسل له كسوة من لباس النساء يحرضه بذلك على الخروج إلى حربه وفي آخر الأمر خرج الشاه إسماعيل بجنوده حتى أشرف على طليعة العثمانيين التي كان على قيادتها شهسوار زاده علي بك وعلي بك ابن ميخال وغيرهما ثم تلاقى الجيشان بصحراء جالديران عند ذلك أخذ العثمانيون في تعبية جنودهم على الطريقة المتبعة إذ ذاك في جيوشهم ووقف السلطان خلف الجنود في مكان يشرف منه على ميدان القتال ومعه وزراؤه وهم هرسك زاده أحمد باشا وأحمد باشا ابن دوقه كين ومصطفى باشا وجعل الجنود المدافع خلف ظهورهم ليخفوها عن أعين الفرس ووضعوا أمامهم عربات النقل والجمال وقد كان الجيشان في العدد سواء إلا إننا لوا اعتبرنا ما أصاب العثمانيين من الضعف الذي استولى عليهم من السير مدّة أشهر وسط بلاد قاحلة وصحار مقفرة لقلنا أنهم أضغف حسا ومعنى من أعدائهم.

وقد كان جيش الإيرانيين مؤلفاً جميعه من الخيالة ومنهم فرق تلبس الزرد وفرق من طوائف الفداوية المشهورين وكان بمعية الشاه كثير من الأمراء والأعيان والمشايخ وغيرهم ولم يكن بجيشهم أسلحة نارية ولما استعد الشاه للمحاربة قسم جيشه إلى فرقتين جعل إحداهما تحت رياسته والأخرى تحت رياسة أشهر قوّاده ثم أغار بفرقته على الجناح الأيسر لجيش العثمانيين المؤلف من عساكر الرومللي فهزمهم وقتل منهم كثيراً من ضمنهم رئيسهم حسن باش ولما أرادت الفرقة الأخرى الهجوم على الجناح الأيمن قابلها العثمانيون بجنان ثابت وأعملوا مدافعهم قصدوها بعد أن ألحقوا بها خسائر جمة ثم تقدّموا إلى قلب الجيش فبددوا شمله وقتلوا منه مقتلة عظيمة عند ذلك ولى الفرس الأدبار واستولى العثمانيون على مضاربهم وما كان معهم من الذخائر والأدوات وجرح الشاه إسماعيل فسقط عن جواده وكاد يقع في قبضة العثمانيين لولا أن أغاثه اثنان من مماليكه ووقعت خيمته وحرمه وخزائن أمواله في قبضة العثمانيين وقتل في ذلك اليوم من الفرس أربعة عشر أميراً ومن العثمانيين أربعة عشر من أمراء السناجق غير ما قتل من جنود الطرفين.

وفي اليوم الثاني من هذا الانتصار تقدّم الجيش العثماني يقصد تبرير فدخلها ظافراً ولما كان في نية السلطان تمضية فصل الشتاء بمدينة أذربيجان والعودة في السنة المقبلة لتعقب الشاه وإزالة بناء الدولة الصفوية من الأساس لم يمكث بتبرير غير ثمانية أيام تفرّج في أثنائها على آثار تلك المدينة وصلى الجمعة بجامعها الأعظم وخطب له باسمه على منبره وعند وصول السلطان إلى مشتاقره باغ أخذ في محاسبة جنوده وقوّاده فقتل منهم من استحق القتل عقاباً وكافأ من استحق المكافأة جزاء وكانت هذه المحاربة سبباً في أفول نجم الشاه إسماعيل بالمرة.


العثمانيين على مصر 922هـ 923هـ:

قد سبق ذكر الفتور في العلاقات الذي حدث بين ملوك الجراكسة حكام الديار المصرية والشامية وبين السلطان محمد خان الفاتح وما تسبب عن ذلك من الحروب التي قامت بينهم وبين السلطان بايزيد خان وتوسط فيها العلماء وملك تونس حقناً للدماء حتى أصلحوا ذات البين إلا أنه لما كانت حكومة ذي القدرية هي الحد الفاصل بين مصر والدولة العثمانية وكانت مركزاً للفتن والدسائس اهتم السلطان بإزالة حكومتها وقتل أمرائها فوقع هذا العمل عند الملك الأشرف قانصوه الغوري موقعاً سيئاً وطلب من السلطان الترضية عن ذلك بأن تستمر الخطبة في الأقليم المذكور باسم قانصور فجاوبه السلطان على مكتوبه بألفاظ التهديد والوعيد وبعث له برأس الأمير علاء الدولة آخر أمراء بلاد ذي القدرية. 

فقام الغوري لذلك وقعد وعزم على الأخذ بالثأر وأخبر بذلك محالفة الشاه إسماعيل الذي أخذ في إضرام نار التحريض في قلبه مشجعاً له على محاربة آل عثمان وأعدا إياه بالمساعدات فأخذ السلطان الغوري في جمع الجنود والإكثار من العدة والسلاح على حد قول المثل: استعد بالسلاح إن أردت الصلح والصلاح. 

وفي سنة922 هـ جهز السلطان جيوشه مظهراً أنه يريد الحملة على بلاد إيران مع أنه في الحقيقة مصمم على فتح بلاد مصر ثم خرج الوزير الأعظم خادم سنان باشا طليعة بجيش مؤلف من أربعين ألف مقاتل واتجه إلى قيصرية ومنها إلى ديار بكر ثم قام السلطان بعده بجيش عظيم يبلغ مائة ألف وخمسين ألف مقاتل ومعه المدافع الكثيرة والعدد الوافرة وأرسل المولى ركن الدين قاضي عسكر الرومللي مع قره جه باشا من طرفه إلى سلطان مصر ليقفوا على حالته ونواياه وكان قبل خروجه ترك على مدينة أدرنة ولده الأمير سليمان وعلى إستانبول الوزير بري باشا وعلى بروسة هرسك زاده أحمد باشا وأوصاهم بالمحافظة على الأمن وسير أيضاً اسطولاً عظيماً للذهب إلى مدينة الإسكندرية تحت قيادة القبودان جعفر بك. 

وكان السلطان الغوري يتوجس شراً من استعدادات السلطان وقد قوى عنده هذا الفكر خصوصاً حينما وصلت الأساطيل العثمانية إلى مياه الإسكندرية عند ذلك اهتم بالاستعدادات الحربية وخرج بجيش عظيم إلى مدينة حلب مترقباً ما سيحصل ثم بث العيون في كل مكان ليأتوه بالأخبار وأخذ أيضاً في مخابرة أوزون حسن والشاه وإسماعيل المقهورين ليتفقوا جميعاً على الإغارة على البلاد العثمانية وغير ذلك وبينما الغوري بحلب إذ قدم عليه سفير السلطان فأمر بالقبض عليهما وكبلهما بالقيود وألقاهما في السجن وبعد أيام أخلى سبيلهما وطيب خاطرهما وردهما إلى بلادهما. وبينما هما في الطريق قابلا الجيش العثماني بمكان يقال له بوجاق دره ولما أخبرا السلطان بما حصل لهما وما شاهداه أمر جيشه بالاتجاه نحو الجنوب لأنه كان يروي يقصد في أول الأمر التنكيل بالشاه إسماعيل ثم يقصد مصر بعد ذلك فانحدرت جيوش نحو مصر ولما وصل إلى مدينة عينتاب أتاه واليها المصري المدعو يونس بك طالباً الأمان فأمنه وجعله دليلاً وما زال يقطع الفيافي والقفار حتى وصل إلى مرج دابق القريب من حلب في 26رجب سنة 922 أغسطس 1516م وتلاقت عساكره مع عساكر الغوري وبعد مناوشات بقيت أياماً حصلت بين الطرفين محاربة عظيمة انجلت عن هزيمة المصريين هزيمة منكرة وقتل قانصوه وكثير من أمرائه واغتنم السلطان سليم جميع أمواله وذخائره ثم دخلت الجنود العثمانية مدينة حلب فاغتنمت جميع ما بها من النقود والأشياء النفيسة ثم بعدها استولى السلطان على حماة وحمص ودخل دمشق الشام بكل سهولة وانقادت لسلطانه جميع مشايخ العرب والدروز. 

وبعد أن مكث ببلاد الشام نحو أربعة شهور للنظر في أحوالها استمر سائراً نحو الجنوب وفتح في طريقه قلعة القدس الشريفة وغزة واستصحب معه وإليها جانبرك الغزالي ثم عقد مجلساً من القواد والأمراء فاستقر رأيهم على التقدم لفتح بلاد مصر ولما وصل إلى صحراء السويس بلغه أن طومان باي الذي تبوّأ تخت مصر بعد قانصوه الغوري وكان ولاه عليها قبل سفره يهتم بتجهيز الجيوش وإعداد العدد لصده عن دخول مصر فأرسل له السلطان بأن يكف عن ذلك وهو يبقيه على الديار المصرية بشروط منها الإقرار بالتابعية العثمانية وضرب السكة باسم السلطان وكذا تكون الخطبة فلم يقبل وفي يوم 29 ذي الحجة من السنة المذكورة تقابل مع جنود طومان باي قريباً من الخانقاه بمكان يدعي الريدانية وحصلت معركة شديدة انهزم فيها عساكر طومان باي بعد أن أظهروا من الفروسية والشجاعة ما لا يوصف مع عدم حيازتهم للأسلحة النارية وأسر المصريون سنان باشا فقتله طومان باي ببركة الحج وكذا قتل من أمراء العثمانيين في هذه الواقعة محمود بك ابن رمضان ويونس بك والي عينتان المتقدم وغيرهما. 

وبعد قتل طومان باي دخل السلطان سليم القاهرة عاصمة الديار المصرية وكان قبل ذلك يقيم هو وجنوده بجزيرة الروضة 923هـ ثم أنه رحل إلى الإسكندرية في طائفة من جنوده وأبقى بها حامية تحت قيادة جعفر بك وأسطولاً لحماية البلاد من تلك الجهات ثم عاد إلى القاهرة مهتماً بتنظيم أمورها والنظر فيما تحتاجه.


انتقال الخلافة الإسلامية لسلاطين آل عثمان 922هـ: 

لقد كان فتح الدولة العلية لبلاد مصر ودخول هذه البلاد المشهورة من القديم بالثروة وحسن الموقع في عداد الولايات العثمانية موجباً للفوائد العظيمة مالية كانت أو سياسية ومن حسن حظ السلطان سليم أنه في أثناء إقامته بمصر حضر ابن أبي البركات شريف مكة المكرمة وقدم له بيده مفاتيح الحرمين الشريفين طائعاً مختاراً وهنأه بالفتح بالنيابة عن والده وصارت الخطب التي تتلى بالمساجد في أيام الجمع والأعياد بعد فتح حلب يذكر فيها السلطان بعنوان خادم الحرمين الشريفين وأنه عند عودته إلى القسطنطينية أخذ معه المتوكل على الله آخر الخلفاء العباسيين بمصر وتنازل له المتوكل عن الخلافة الإسلامية فانضمت من وقتئذ الخلافة الإسلامية الكبرى للسلطنة العظيمة العثمانية وأنه في أثناء إقامة السلطان بمصر قدم له الرئيس بارباروس خير الدين الطاعة وبذلك صارت بلاد البر بر معدودة ضمن إلا يالات العثمانية.


وفاته: 

وفي سنة 926 هـ خرج بجيش عظيم كامل العدد والعدد يقصد مدينة أدرنة فمات بالطريق. 

ولقد كان رحمه الله من أكبر السلاطين وأعظمهم همة وأوفرهم عقلاً وأسدهم رأيا وأثبتهم جناناً وأعلمهم وأقدرهم وأمضاهم عزيمة شديد الشكيمة وكان يستدل من أطواره وحركاته تحقيق أقصى أمانى موسى بن نصير وعبد الرحمن الغافقي من المجاهدين السابقين من إدخال البحر المتوسط الأبيض في دائرة الإسلام وضم الممالك الإسلامية المتفرقة إلى رأي واحد ووجهة متحدة ولو أمد الله في أجله لكان حقق هذه الأماني الشريفة وكان يقول الشعر بالبحر الأحمر بواسطة ترعة تمر من برزخ السويس كالتي فتحت حديثاً لولا أن وزراءه ثنوا عزمه عن هذا الأمر وكان قصده منه إرسال الأساطيل بحراً لقتال سلطان المغول ببلاد الهند وهو من سلالة تيمور لنك مقابلة لما فعله بالعثمانيين.