الدولة العباسية : المعتصم

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


ترجمته:
 
هو أبو إسحاق محمد بن الرشيد بن المهدي بن المنصور وأمه أم ولد اسمها ماردة ولد سنة179 فبينه وبين أخيه المأمون تسع سنوات وكان في عهد أخيه المأمون والياً على الشام ومصر وكان المأمون يميل إليه لشجاعته فولاه عهده وترك ابنه وفي اليوم الذي توفي فيه المأمون ببلاد الروم بويع له بالخلافة ولقب بالمعتصم باللَّه في19 رجب سنة218 (10 أغسطس سنة833) ولم يزل خليفة إلى أن توفي بمدينة سامرا في 18 ربيع الأول سنة227(4 فبراير سنة842) فكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام.
 
 
الأحوال في عهد المعتصم:
 
بعد أن تمت البيعة للمعتصم ببلاد الروم عاد بالعسكر قاصداً بغداد بعد أن أمر بهدم ما كان المأمون أمر ببنائه بطوانة وحمل ما كان بها من السلاح والآلة وغير ذلك مما قدر على حمله وأحرق ما لم يقدر على حمله وأمر بصرف من كان المأمون أسكنه ذلك من الناس إلى بلادهم. وكان دخول المعتصم بغداد يوم السبت مستهل رمضان سنة218.
 
 
وزراء المعتصم:
 
الفضل بن مروان بن ماسرخس. كان رجلاً نصرانياً من أهل البردان وكان متصلاً برجل من العمال يكتب له وكان حسن الخط ثم صار مع كاتب كان للمعتصم قبل أن يستخلف وهذا الكاتب هو يحيى الجرمقاني فلما مات يحيى صير الفضل في موضعه ولم يزل كذلك حتى بلغ المعتصم الحال التي بلغها والفضل كاتبه.

واستوزر محمد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة المعروف بابن الزيات كان جده أبان رجلاً قروياً من الدسكرة يجلب الزيت من موضعه إلى بغداد فعرف محمد به.

وكان محمد بن عبد الملك مع علمه وأدبه ومعرفته بخدمة الملوك شاعراً ظريفاً.
 
 
العلويون في عهد المعتصم:
 
لأول عهده توفي محمد الجواد بن علي الرضا تاسع أئمة الشيعة الإمامية الاثنى عشرية وكانت وفاته سنة220 وسنة25 سنة وكانت تحته أم الفضل بنت المأمون فحملت إلى قصر عمها المعتصم فتولى الإمامة بعده ابنه أبو الحسن علي الهادي وكانت سنه حين مات أبوه سبع سنين.

وخرج على المعتصم من الزيدية محمد بن القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي. كان مقيماً بالكوفة ثم خرج منها إلى الطالقان من خراسان يدعو الرضا من آل محمد صلى اللَّه عليه وسلم فاجتمع إليه بها ناس كثير فاهتم بأمره عبد اللَّه بن طاهر أمير خراسان وبعث له البعوث فكان بين الفريقين وقعات بناحية الطالقان وجبالها فهزم هو وأصحابه فخرج هارباً يريد بعض كور خراسان كان أهله كاتبوه فلما وصل إلى نسا دل عليه فأخذه عاملها واستوثق منه وبعث به إلى عبد اللَّه بن طاهر فأرسل به إلى المعتصم فحبس بسامرا سنة219 فأقام فيه حتى كانت ليلة الفطر واشتغل الناس بالعيد والتهنئة احتال للخروج بواسطة رجال من شيعته فهرب ولم يعرف له خبر.
 
 
العلاقات الخارجية:
 
قدمنا أن الذي كان يعاصر المعتصم من ملوك الروم توفيل بن ميخائيل وكان ينتهز الفرص لينتقم من المسلمين الذين دوخوه وألزموه أن يدفع الفدية قهراً فحدث أنه لما كان الأفشين يحارب بابك وقد ضيق عليه أن كتب بابك إلى ملك الروم يقول: إن ملك العرب قد وجه معظم عساكره إليّ ولم يبق على بابه أحد فإن أردت الخروج إليه فليس في وجهك أحد يمنعك وكان يطمع أن ملك الروم إذا تحرك ينكشف عنه بعض ما هو فيه فلم يلبث توفيل أن خرج في مائة ألف مقاتل حتى أتى زبطرة ومعه جمع من المحمرة الذين أجلاهم إسحاق بن إبراهيم عن الجبال كما ذكرنا ذلك في حروب البابكية فلما دخل زبطرة قتل من فيها من الرجال وسبى النساء والذرية وأحرق المدينة ومضى من فوره إلى ملطية فأغار على أهلها وعلى أهل حصن من حصون المسلمين وسبى من المسلمات فيما قيل أكثر من ألف امرأة ومثل بمن صار في يده من المسلمين وسمل أعينهم وقطع آذانهم وآنافهم. 

بلغت ذلك الأخبار المعتصم بسامرا فاشتد عليه وصاح في قصره النفير ثم ركب دابته وسمط خلفه شكالاً وسكة حديد وحقيبة فلم يستقم له الخروج إلا بعد التعبئة ولكنه أرسل مقدمته لتكون مدداً لأهل زبطرة فلما شارفتها وجدت ملك الروم قد رحل عنها فوقفوا قليلاً حتى تراجع الناس إلى قراهم واطمأنوا.
 
 
فتح عمورية:
 
فلما انتهى أمر بابك سأل المعتصم أي بلاد الروم امنع وأحصن فقيل عمورية وهي مسقط رأس توفيل كما أن زبطرة مسقط رأس المعتصم ولم تكن غزيت قبل ذلك فتجهز المعتصم جهازاً لم يتجهزه خليفة قبله من السلاح والعدد والآلة وحياض الأدم والبغال والروايا والقرب وآلة الحديد والنفط وكانت التعبئة هكذا على المقدمة أشناس ويتلوه عمد بن إبراهيم المصعبي وعلى الميمنة إيتاخ وعلى الميسرة جعفر بن دينار بن عبد اللَّه الخياط وأمر الأفشين أن يمضي فيدخل بلاد الروم من درب الحدث وسمى له يوماً أمره أن يكون وصوله فيه إلى أنقرة وقدر هذا اليوم بنفسه لأشناس الذي أمره أن يكون دخوله من درب طرسوس. 
 
ولما وصل أشناس إلى مرج الأسقف ورد عليه كتاب من المعتصم يأمره بالتوقف لأنه بلغه عن ملك الروم أنه على نهر اللامس ويريد العبور ليكبس أشناس وجنده فأقام بالمرج ثالاثة أيام ثم علم بواسطة الجواسيس أن ملك الروم ارتحل عن نهر اللامس يريد مقابلة الأفشين فأرسل بخبر ذلك إلى المعتصم فبعث الأدلاء مسرعين يخبرون الأفشين بذلك وأمره أن يقف مكانه حذراً من مواقعة ملك الروم قبل أن تجتمع الجيوش فلم تصل هذه الأدلاء إلى الأفشين فتم على مسيره حتى التقى بملك الروم فكانت بينهما موقعة هائلة كانت على الأفشين أول النهار ثم أعاد الكرة في الفرسان فغلب ملك الروم وهزمه هزيمة منكرة وتفرقت عنه الجنود. 
 
أما عسكر أشناس والمعتصم فإنهما وردوا أنقرة من غير أن يلقيا حبرباً لتفرق الجمود التي كان الملك قد جعلها لمحاربة المعتصم ثم ورد الأفشين بعد مقدمهما بيوم أنقرة.

وحينئذ قسم المعتصم الجيش ثلاثة أقسام قسم فيه أشناس في الميسرة وقسم فيه المعتصم وهو القلب وقسم فيه الأفشين وهو الميمنة وبين كل قسم فرسخان فسارت هذه الأقسام على تعبئة وسارت هذه الأقسام حتى بلغت عمورية وبينها وبين أنقرة سبع مراحل كان أول من وردها أشناس فدار حولها دورة ثم نزل على ميلين منها وجاء بعده المعتصم فدار حولها دورة ثم جاء الأفشين فكذلك تحصن أهل عمورية وتحرزوا فحصرها الجيش المعتصمي وكان لكل واحد من القواد أبراج على قدر أصحابه قلة وكثرة ونصبت المجانيق فضربه بها الأسوار لإتلافها حتى سقط منها جانب في ناحية المعتصم بعد معاناة شديدة وعمال جسام ثم حصل القتال في ناحية هذه الثلمة بعد أن ردمت الخنادق ولم يزل القتال مستمراً حتى اقتحم المسلمون عمورية عنوة وغنموا مغانم كثيرة. 
 
وانتقم المعتصم من الروم بما فعلوه في زبطرة وملطية وبعد انتهاء الواقعة عاد المعتصم إلى طرسوس وكانت إناخته على عمورية في 6رمضان سنة223 وقفل عنها بعد55 يوماً.

ومن غريب الأمور وأكبر الجرائم أن العباس بن المأمون اتفق مع بعض قواد المعتصم من الأتراك على أن يغتالوا المعتصم ويقيموه خليفة مقامه، تآمروا على ذلك وهم في وجه العدو والعهد قريب باصطناع المعتصم لهم وإغداق النعم عليهم فلم يتم لهم غرض واطلع المعتصم على سر مؤامرتهم فأخذ جميع أولئك القواد وقتلهم وحبس العباس حتى مات من شدة الأذى وكان الذي تولى كلّ ذلك عجيب بن عنبسة.

ولما ورد المعتصم سامرا كان دخوله إليها يوماً مشهوداً وامتدحه أبو تمام حبيب بن أوس بقصيدته المشهورة التي أولها

السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
 
 
صفات المعتصم:
 
كانت أظهر صفات المعتصم الشجاعة والإقدام وشدة البأس وكان يحب العمارة ويقول إن فيها أموراً محمودة فأولها عمران الأرض التي يحياها العالم وعليها يزكو الخراج وتكثر الأموال ويعيش البهائم وترخص الأسعار ويكثر الكسب ويتسع المعاش وكان يقول لوزيره محمد بن عبد الملك إذا وجدت موضعاً متى أنفقت فيه عشرة دراهم جاءني بعد سنة عشر درهم فلا تؤامرني فيه. 
 
ولم يكن للمعتصم نفوذ في العلم كأخيه المأمون ولا كأبيه الرشيد وإنما كان همه الجيش وتحسينه.

ومن آثاره اختطاط مدينة سامرا.
 
 
وفاة المعتصم:
 
احتجم المعتصم في أول يوم من المحرم سنة227 فأصيب عقب ذلك بعلته التي قضت عليه يوم الخميس لثماني ليال مضت من شهر ربيع الأول من تلك السنة ورثاه محمد بن عبد الملك الزيات فقال:

قد قلت إذ غيبوك واصطفقت عليك أيــد بالتراب والطين

إذهب فنعم الحفيظ كنـت على الدنيا ونعم الظهير للدين

لا جبر اللَّه أمــة فقدت مثلك إلا بمثل هـــارون
 
 
ولاية العهد:
 

ولى المعتصم عهده ابنه هارون ولم يجعل معه في الولاية غيره.