الدولة العباسية : المستكفي بالله

الشيخ عزالدين الكرجيه © البحوث والدراسات الإسلامية


ترجمته:
 
هو أبو القاسم عبد اللَّه المستكفي باللَّه بن المكتفي بن المعتضد.

لما قبض توزون على المتقي أحضر المستكفي إليه إلى السندية وبايعه هو وعامة الناس.
 
 
الخلافة العباسية تحت سلطان آل بويه:
 
يبتدىء هذا الدور من سنة334 إلى سنة447 تولى الخلافة فيه خمسة خلفاء وهم: المستكفي والمطيع والطائع والقادر والقائم.

تاريخ هذا الدور يرتبط بتاريخ آل بويه الديلميين الذين كانوا أصحاب النفوذ الحقيقي والسلطان الفعلي في العراق لذلك أردنا أن نسوق فصلاً نبين فيه أحوال الديلم وكيف تصرفت بهم الأحوال إلى أن وصلوا إلى ذروة العظمة باستيلائهم على بغداد عاصمة الخلافة العباسية.

بلاد الديلم أو بلاد جيلان واقعة في الجنوب الغربي من شاطىء بحر الخزر سهلها للجبل وجبالها للديلم وقصبتها روزبار...

كانت في القديم إحدى الأيالات الفارسية إلا أن أهلها لم يكونوا من العنصر الفارسي بل عنصر ممتاز يطلق عليه اسم الديالمة أو الجيل. ولما أذن عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه بالانسياح في بلاد العجم كانت بلاد الديلم مما فتحه المسلمون واستمر الديلم خاضعين للحكم الإسلامي مع بقائهم على وثنيتهم ولم يكن استيلاء المسلمين عليهم مما ينقص من شجاعتهم أو يفقدهم جنسيتهم. 
 
وكانت تجاورهم بلاد طبرستان وأكثر أهلها دانوا بالإسلام وكان بين الديالمة والطبريين سلم وموادعة.

على هذا كان الحال في صدر الدولة العباسية فلا الديالمة تحدثهم أنفسهم بالخروج إلى بلاد المسلمين ولا المسلمون يحدثون أنفسهم بالتوغل في بلادهم حتى كانت حادثة إقطاع المستعين محمد بن طاهر تلك القطاع التي يقرب بعضها من ثغور طبرستان وأراد رسول ابن طاهر أن يستلمها ومعها الأرض التي كانت مرافق لأهل تلك النواحي فامتنع من ذلك أهل طبرستان وأظهروا العصيان لمحمد بن طاهر ورأوا أن ذلك لا يتم إلا أن يكون على رأسهم رجل يدينون بطاعته فاتفقوا على الحسن بن زيد الذي قدمنا حديثه في خلافة المستعين وكان مقيماً بالري فراسلوه فأقبل إليهم فبايعوه وطلبوا من الديلم أن يساعدوهم على عمال ابن طاهر فبذلوا لهم ما طلبوا من المساعدة لإساءة كانت من عمال ابن طاهر إليهم. استولت هذه القوة على مدن طبرستان ثم الري وجرجان ولم يزل الحسن مدبر أمرهم حتى مات سنة271 ثم ولي أخوه ومحمد بن زيد وكانت مدته مضطربة حتى قتل سنة 287 وكان وجود الحسن بن زيد وأخيه في تلك البلاد سبباً لمواصلة أهل الديلم وشيوع الدعوة الإسلامية بينهم.

بعد ذلك دخل بلاد الديلم الحسن بن علي الملقب بالأطروش وأقام بينهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام ويقتصر منهم على العشر ويدفع عنهم عدوهم فأسلم منهم خلق كثير واجتمعوا عليه وبنى في بلادهم المساجد.

وتوفي الأطروش سنة304 وكان يلقب بالناصر للَّه وكان له من الأولاد الحسن وأبو القاسم والحسين وكان الحسن مغاضباً له فلم يوله شيئاً وولى ابنيه الآخرين فكانت طبرستان في أيديهم بمعونة الحسن بن القاسم الداعي.

كان من أهم مقاصد ابن بويه المسير إلى العراق بعد الاستيلاء على واسط فصار أحمد ابن بويه يسير إلى واسط ثم يعود عنها حتى كاتبه قواد بغداد يطلبون إليه المسير نحوهم للاستيلاء على بغداد فوصلها في11 جمادى الأولى سنة334 والخليفة بها هو المكتفي باللَّه فقابله واحتفى به وبايعه أحمد وحلف كل منهما لصاحبه هذا بالخلافة وذاك بالسلطنة وفي هذا اليوم شرف الخليفة بني بويه بالألقاب فلقب علياً صاحب بلاد فارس عماد الدولة وهو أكبرهم ولقب الحسن صاحب الري والجبل ركن الدولة ولقب أحمد صاحب العراق معز الدولة وأمر أن تضرب ألقابهم وكناهم على النقود.

وهذا اليوم هو تاريخ الدور الثاني للخلافة العباسية وهو تاريخ سقوط السلطان الحقيقي من أيديهم وصيرورة الخليفة منهم رئيساً دينياً لا أمر له ولا شيء ولا وزير وإنما له كاتب يدبر إقطاعاته وإخراجاته لا غير وصارت الوزارة لمعز الدولة يستوزر لنفسه من شاء.

وكان يخطر ببال معز الدولة أن يزيل اسم الخلافة أيضاً عن بني العباس ويوليها علوياً لأن القوم كانوا شيعة زيدية لأن التعاليم الإسلامية وصلت إليهم على يد الحسن بن زيد ثم على يد الحسن الأطروش وكلاهما زيدي فكانوايعتقدون أن بني العباس قد غصبوا الخلافة وأخذوها من مستحقيها ولكن بعض خواصه أشار عليه ألا يفعل وقال له إنك اليوم مع خليفة تعتقد أنت وأصحابك أنه ليس من أهل الخلافة ولو أمرتهم بقتله لقتلوه مستحلين دمه ومتى أجلست بعض العلويين خليفة كان معك من تعتقد أنت وأصحابك صحة خلافته فلو أمرهم بقتلك لفعلوا فأعرض عما كان قد عزم عليه وأبقى اسم الخلافة لبني العباس وانفرد هو بالسلطان ولم يبق بيد الخليفة شيء البتة إلا أقطعه معز الدولة مما يقوم بحاجته.

كان السلطان في ذلك الوقت ببلاد الأندلس لبني أمية والقائم بالأمر منهم عبد الرحمن الناصر وقد لقب بأمير المؤمنين حينما وصلت خلافة بغداد إلى ما وصلت إليه من الضعف أمام الأتراك والديالمة الذين سال سيلهم ببغداد.

وببلاد أفريقية للعبيد الذين تأسست دولتهم على أنقاض الأغالبة والأدراسة والقائم بالأمر منهم إسماعيل المنصور وهو ثاني خلفائهم وكان يلقب بأمير المؤمنين.

وبمصر والشام للأخشيديين والأمير منهم أنوجور بن محمد الأخشيد وكانوا يخطبون باسم الخليفة العباسي.

وبحلب والثغور لسيف الدولة علي بن عبد اللَّه بن حمدان الشيباني ويخطب باسم الخليفة العباسي.

وبالجزيرة الفراتية لناصر الدولة الحسن بن عبد اللَّه بن حمدان الشيباني يخطب باسم الخليفة العباسي.

وبالعراق للديلم والسلطان منهم معز الدولة أحمد بن بويه ويخطب على منابره باسم الخليفة العباسي ثم باسم معز الدولة من بعده.

وبعمان والبحرين واليمامة وبادية البصرة للقرامطة ويخطبون باسم المهدي.

وبفارس والأهواز لعلي بن بويه الملقب عماد الدولة ويخطب باسم الخليفة العباسي وكان يلقب بأمير الأمراء لأنه أكبر بني بويه.

وبالجبل والري لحسن بن بويه الملقب ركن الدولة ويخطب باسم الخليفة العباسي وجرجان وطبرستان يتنازعهما وشمكين بن شيرويه وركن الدولة وآل سامان.

وبخراسان وما وراء النهر لآل سامان ومقر ملكهم مدينة بخارى ويخطبون على منابرهم باسم الخليفة العباسي.

هذه هي القرى الكبرى التي كانت لأسر ملوكية في الرقعة الإسلامية فقد تفرق هذا الملك الواسع تفرقاً غريباً بعد أن كان متماسك الأعضاء يرجع كله إلى حاضرة كبرى تجمع شتاته. ومما يستحق النظر أن العنصر العربي لم يبق له شيء من الملك إلا ما كان لناصر الدولة وأخيه سيف الدولة فإنهما من عنصر عربي ومع هذا فقد كان النفوذ والسلطان فيما يليانه من البلاد لقواد من الأتراك ولم يكن لهما استقلال سياسي بل كان أمر بني بويه فوقهما وكانا يذكران اسم معز الدولة في الخطبة بعد ذكر الخليفة العباسي.

لم يمكث المستكفي في الخلافة بعد استيلاء معز الدولة إلا أربعين يوماً وخلع لأن معز الدولة اتهمه بالتدبير عليهم فصمم على خلعه ففي الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة334 حضر الخليفة وحضر الناس ورسول صاحب خراسان ثم حضر اثنان من نقباء الديلم يصيحان فتناولا يد المستكفي فظن أنهما يريدان تقبيلهما فمدها إليهما فجذباه عن سريره وجعلا عمامته في حلقه ونهض معز الدولة واضطربت الناس ونهبت الأموال وساق الديلميان المستكفي ماشياً إلى دار معز الدولة فاعتقل بها ونهبت دار الخلافة حتى لم يبق بها شيء وقبض على أبي أحمد الشيرازي كاتب المستكفي وكان مدة المستكفي سنة واحدة وأربعة أشهر.